بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الأحد الصمد، له النعم التي لا تعد والآلاء التي لا تحد، يغفر الذنب ويستر العيب ويعفو عن السيئات وهو الرحيم الغفور، وأشهد ألا إله إلا هو وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، لقد أوصانا النبي المصطفي صلي الله عليه وسلم فقال " اتقي الله حيثما كنت " فالتقوى هي وصية الله للأولين والآخرين من خلقه وهي كما عرفها الصحابي الجليل ابن مسعود رضي الله عنه أن يطاع الله فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر، وعرفها الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه بقوله " هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والإستعداد ليوم الرحيل" وعرفها طلق بن حبيب بقوله " التقوى هى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تترك معصية الله،
على نور من الله، تخاف عقاب الله " وعن أبي يزيد أن التقوى هي التورع عن كل ما فيه شبهة وعن محمد بن حنيف أنه مجانبة كل ما يبعدك عن الله تعالي وعن سهل المتقي كل من تبرأ عن حوله وقدرته وقيل التقوى أن لا يراك الله حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك وعن ميمون بن مهران لا يكون الرجل تقيا حتى يكون أشد محاسبة لنفسه من الشريك الشحيح والسلطان الجائر وعن أبي تراب بين يدي التقوى خمس عقبات لا يناله من يجاوزهن إيثار الشدة على النعمة وإيثار الضعف على القوة وإيثار الذل على العزة، وإيثار الجهد على الراحة وإيثار الموت على الحياة وعن بعض الحكماء أنه لا يبلغ الرجل سنام التقوى إلا أن يكون بحيث لو جعل ما في قلبه في طبق فطيف به في السوق لم يستح ممن ينظر إليه وقيل التقوى أن نزين سرك للحق كما تزين علانيتك للخل.
فالتقوى هي الغاية من العبادة و هي أساس الخير في الدنيا والآخرة، والهدف الأسمى من الصوم هو تربية المسلم على التقوى والإخلاص ومراقبة الله تعالى في السر والعلن، لذا فقد جعل الله الصوم له وحده، وقال الإمام أحمد لا رياء في الصوم، فلا يدخله الرياء في فعله، من صفى صفى له، ومن كدّر كدر عليه، ومن أحسن في ليله كوفئ في نهاره، ومن أحسن في نهاره كوفئ في ليله، وإنما يكال للعبد كما كال، فالمؤمن يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فليعلم أن الله الرقيب الحسيب يراه، وقيل لبعض الحكماء ما سبب الذنب؟ قال الخطرة، فإن تداركت الخطرة بالرجوع إلى الله ذهبت، وإن لم تفعل تولدت عنها الفكرة، فإن تداركتها بالرجوع إلى الله بطلت، وإلا فعند ذلك تخالط الوسوسة الفكرة، فتتولد عنها الشهوة وكل ذلك باطن في القلب لم يظهر على الجوارح.
فإن إستدركت الشهوة وإلا تولد منها الطلب، فإن تداركت الطلب، وإلا تولد منه الفعل، وقال عبد الله بن دينار خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مكة، فعرّسنا، والتعريس هو نزول القوم في السفر من آخر الليل للاستراحة، في بعض الطريق، فإنحدر عليه راعي من الجبل، فقال له يا راعي بعني شاة من هذه الغنم، فقال إني مملوك، فقال قل لسيدك أكلها الذئب قال فأين الله؟ قال فبكى عمر، ثم غدا إلى المملوك، فاشتراه من مولاه، وأعتقه، وقال أعتقتك في الدنيا هذه الكلمة، وأرجو أن تعتقك في الآخرة، وعن عبد الله بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده أسلم، قال بينما أنا مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يعس بالمدينة إذ أعياه فاتكأ على جانب جدار في جوف الليل، فإذا امرأة تقول لابنتها يا ابنتاه قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء، فقالت لها يا أماه.
أو علمت بما كان من عزمة أمير المؤمنين اليوم؟ فقالت وما كان مِن عزمته يا بنية؟ قالت إنه أمر مناديه فنادى أن لا يشاب اللبن بالماء، فقالت لها يا بنتاه قومي إلى اللبن فامذقيه بالماء فإنك بموضع لا يراك عمر ولا منادي عمر، فقالت الصبية لأمها يا أماه والله ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلا، وعمر يسمع كل ذلك فقال يا أسلم علم الباب، واعرف الموضع، فلما أصبح الصبح قال يا أسلم امضي إلى ذلك الموضع فانظر من القائلة، ومن المقول لها؟ وهل لهم من زوج؟ قال أسلم فأتيت الموضع فنظرت فإذا الجارية أيّم لا بعل لها، وأمها ليس لها رجل فأتيت عمر بن الخطاب فأخبرته، فدعا عمر ولده فجمعهم، فقال هل فيكم مَن يحتاج إلى امرأة أزوجه؟ ولو كان بأبيكم حركة إلى النساء ما سبقه أحد منكم إلى هذه الجارية، فقال عبد الله لي زوجة.
وقال عبد الرحمن لي زوجة، وقال عاصم يا أبتاه لا زوجة لي فزوجني، فبعث إلى الجارية فزوجها من عاصم، فولدت لعاصم بنتا، وولدت البنت عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم أجمعين.
إضافة تعليق جديد