رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

السبت 20 أبريل 2024 12:39 ص توقيت القاهرة

ألنص البصري بين الشكل والمضمون من خلال أعمال الفنانة عطاف نصرى العظمة

قراءة تشكيلية

في أعمال الفنانة/ عطاف نصري العظمة

بقلم الناقد ه المصرية ا د /لمياء كرم صافي

=====================،==============

يعتبر النصوص البصرية بمثابة إشراقة النور التي تطل من نافذة العمل الفني، ومن خلاله يمكن للمشاهد تفسير، وتحليل، وتقيم أسرار، وأطروحات العمل التشكيلي بأسلوب يزيد من قدرته علي الإستبصار الإدراكي للأعمال التشكيلية، ويمكنه من رؤية أبعاد جديدة أكثر إمتاعاً، تحرك البصرة التحويلية من المحيط المحدود إلى الآفاق الأكثر إتساعاً، والفن المعاصر اليوم يحتوي علي تنوعات، واختلافات في النصوص البصرية، وغالبا ما يُكَون مداخل جديدة متنوعة تتمتع بالعمق ثقافي، وفكري.

أصبح الفنان يمارس العملية الإبداعية انطلاقا من أن العمل الفني، يعد لغة فكرية، لما له من دلالات تشكيلية متعمقة الجذور، قياساً علي جميع المجالات الفنية، نجد أن العلاقة تكمن بين الشكل، والمضمون في نظرة الفنان المعاصر، ومقدار ثقافته الفنية، وقدراته الإبداعية.

كما أن الإختلاف، والتنوع في الأساليب الفنية يكمن فيه سر إختلاف وتنوع النص البصري فلكل فنان ما يميزه من الأساليب الأدائية، ونقصد بها الطريقة، التي يتّخذها الفنان للتعبير عن اتجاهاته، و أراءه، وأفكاره الخاصة، فجميع الأعمال الفنية مهما كانت درجة جودتها تشتمل على شيء من خصائص أحد الأساليب الفنية، كما أن الأعمال الفنية الأصيلة تجعلنا نقف أمام عمل إنساني، أو أمام موقف، أو أمام كشف معين، أو أمام رؤي، وأفكار، ورسائل تخاطب المتلقي سواء أكانت تلك الرسالة جمالية إستاطيقية بحته، أم فكرية تؤكد على مضمون ورسالة العمل الفني.

إن التحولات الحالية في الممارسات الفنية المعاصرة صنعت نوع من الثراء في النصوص البصرية فالعمل الفني الجيد يمارس وجوده، وسلطته على المشاهد مهما كان وضعه لكونه يمتاز بامتلاكه قدرات جمالية تتمثل في المكونات البصرية، والتعبيرية، والرمزية، التي تشكله من خلال ما قام به الفنان من ترك آثاره، وبصماته المادية، التي تشهد على مواقفه، وانفعالاته، وأفكاره، ونحن بصدد مطالعة المسيرة الفنية لواحدة من الفنانات المعاصرات من خلال تحليل الأبعاد الجمالية، والفلسفية لأعمالها، والتي ترتبط بالمفهوم التجديد، والتطوير في النص البصري.

الفنانة الفلسطينية "عطاف نصري العظمة " هي فنانة سورية الأصل دمشقية المولد، وتعيش بالإمارات من الفنانات الباحثات عن المعرفة، وإكتساب الخبرات، فعمدت إلي الإلتحاق بالدراسات .

الحرة بكلية الفنون الجميلة، وأيضا حصلت علي دبلوم الرسم، والنحت درست تشكيل، وتصنيع الزجاج المعشق بالولايات المتحدة الأمريكية، كما درست رسم الجداريات المباشرة ، وكان لها صولات، وجولات في عدد من دول العالم بحضور ورش العمل، والمعارض العالمية مما ساهم في ثقل خبراتها، وتنمية موهبتها، ونضوج أعمالها ، ولم تترك الفنانة " عطاف " بابا إلا وتطرقت إليه بالدراسة، والتجريب ،ذلك جعل الفنانة لديها القدرة علي إستخدام أكثر من أسلوب حتي تعبر عما يجيش في نفسها من مشاعر، وأحاسيس، وأفكار ؛ في صور، وهيئات موحية، فالعمل الفني الذي تنتجه يحرك شعور المشاهد بشكل مباشر حيث يبدأ منذو اللحظة الأولى بتحريك الأحاسيس من خلال تركيب الرموز والمفردات التعبيرية ووضعها في سياق جمالي شديد الرقة مدعوم بمفاهيم، ومصطلحات تقبل الذاتية، والتأويل يفسرها المشاهد من خلال شعوره بالعمل .

تعطي الفنانة أهمية كبرى لمساحة اللوحة، وشكلها فتصنع علاقة شديدة العمق بين الألوان، والفضاء المحيط بالعنصر، وتصنع نوع من التداخل الرشيق بين الشكل والأرضية يتم التعامل معه باعتباره كيان فني واحد ( اللوحة) ، مترابط الأجزاء الداخلية

كما قد نلاحظ ذلك في لوحة" مهرجان سباق الزوارق" التي رسمتها الفنانة لتعبر بها عن رقة، وجمال الأشرعة البيضاء التي تتقابل في أفق السماء الأزرق، حيث تنتشر علي صفحة البحرية بشكل متناسق وكأن هناك عناق جميل حصل بين أشعة الشمس، و أشرعة الزوارق البيضاء لتشربه بحمرة الغروب، وبنظرة كلية للعمل الفني تجعل المشاهد يسبح في بحر مع تلك الزوارق من خلال عملية التعايش الجمالي مع اللوحة ، والتي نري فيها منظومة إبداعية شديدة التماسك ، ولا يمكن الإستعاضة عن أية جزء منها بمقومات أخري، أو حذفه تعتمد الفنانة علي إثارة الوجدان لتصل بالمشاهد إلي حال من الرقي الحسي، حتي يمكنه تذوق المشهد من وجهة نظرها .

تعمل الفنانة "عطاف" علي تحليل الأفكار، و ربطها بدلالات، ورموز تساعد علي إثراء العمل الفني لتدفع إلى انبثاقها نحو المطلق، والخروج من مجرد الشعور الذاتي الداخلي التي مرّت بها الفنانة لتقفز بالعمل عبر المكان، والزمان إلى حيث اللامحدود نحو عوالم خارجية من خلال المنجز الفني التشكيلي ليتمكن المشاهد من المشاركة.

يمثّل الشكل عند الفنانة عطاف محور رئيسي ترغب في الإعلان عنه، وهو يتضمّن بعض التنظيم التي تميزها عن غيرها من الفنانين لأنها تبتكره من خيالها الخصب، لذا فهو يعطيها نوع الخصوصية من الصعب ان يتشابه، متربِط بإحساسها ومشاعرها حيث لها نظرة حالمة من خلالها يتمُّ تكوين الشكل المراد، ونري ذلك واضحا في لوحة "حفل تخرج" وقد رسمت إبنتها في صورة فتاة بجسد نحيل رشيق بأسلوب تجريدي رمزي، وكأنها فراشة في حفل تخرجها من الثانوية، والعمل الفني تجمعت فيه مجموعة من القيم التشكيلية مما يقود المشاهد إلي الإحساس بالمتعة عند المشاهدة، فهذه المتعة الجمالية تنشأ من خلال تلك الوحدة الخاصة بين ذات المتأمل، والعمل الفني ليشاهد أجنحة الفراشة التي رسمت بتفاصيلها الرقيقة والألوان التي تعطي إحساس راقص كحركات الفتيات علي المسرح اثناء حفل التخرج.

تميل الفنانة إلي المزاوجة بين الرسائل الإستاطيقية، والرؤي الفكرية للمضامين ،هي متعة تكمن داخل العمل الفني، وهي في جوهرها علاقة موفقة إعتمدت الفنانة في تحقيقها على طبيعة التفاعل المشاهد مع العمل الفني في موقف معين، ففي اللوحة(تفكير عميق ) حاولت الفنانة أن تنقل لحظات التفكير العميق تخيلت شخص جالس قرفصاء وهو في حالة سكون تام قد إنشغل بالتفكير وشغلت مساحة اللوحة بتشكيلات لونية وعيون تعطي إيحاء بإنسحابات، وحركات هادئه وتغيرات تحدث تبدل الإنسان من حال إلى حال حتي أظهرت العين وهي تتسع والفم فتوح في ذهول حتي يشعر المشاهد بأن القلب يخفق والدماء تتدفق في العروق لتعبر عن حالة الإستغراق في تفكير عميق

وتري الفنانة أنه لا يمكن تذوق العمل الفني والإحساس بقيمته، والإستمتاع به ما لم تتولد عنه تأثيرات حقيقية، وحسية، ووجدانية، وإيحائية، وإنطباعية، ونفسية لدي المشاهد للعمل الفني .

بالملاحظة لأعمال الفنانة نجد أنه عادة ما تحاول التوجه بالإدراك الحسي لتهيئة الإستجابة للأنواع المختلفة من التجارب، التي تنشأ من سياقات الحياة، وصعوبتها، التي قد تعاني منها النفس البشرية، والتي قد تظهر علي أنها أفكار، ومعاني تستوجب التأمل فتحاول نقلها داخل العمل الفني.

تلتزم الفنانة عطاف بالإتّزان أو التوازن داخل اللوحة فتعتني بالتوزيع المتساوي للعناصر، والتعادل في الميزان اللوني بطريقة فنيّة إحترافية، وليست هناك أي مشكلة قد تواجهها، فهي تستطيع تقديم حلول تشكيلية بطريقتها الخاصّة ، حيث تنوع بين أنواع التوازن فقد تستخدم : الإتّزان الوهمي أو

الاتّزان المحوري، أو الإتّزان المستتر، كما نجد في اللوحة(الجموح)، حيث تصور الفنانة أربع فتيات بشعر ناعم متطاير والأم تحطهم بكفي الرعاية، وهي خائفة عليهم من الجموح، والخروج عن سيطرتها في مقابل لتصنع نوع من التوازن المستمر في اللوحة، وضعت صورة لحصان بنفس الشعر الناعم المتطاير إشارة إلي العناد، والجموح هذه هى الفكرة التي تشغل حيزا من إهتمام الفنانة وتحاول أن تستعرضها للمشاهد ،حتي يشاركها نفس الشعور ويتعايش معها، ولا سيما من خلال ما يتركه العمل من الإنطباعية، والقراءات بصرية شاعرية، ووجدانية.

في معظم أعمال الفنانة نجد أنها تلتزم بالملمس الناعم كمظهر خارجي مُميز لأسطح اللوحات، والتي تنشأ من خلال حركة الفرشاة، وطريقة ترتيب جزيئات اللون علي السطحات، ونظم إنشائها في نسق هادئ في إتجاه واحد يتضح من خلالها السِّمات العامّة للسُّطوح وهو الملمس الناعم هو أحد سطوع اللون الذي يظهر في اللوحات، وفي لوحة ( الموت ) ويمكن نشاهد ذلك الملمس الناعم وسطوع اللون الناتج عنه ونشاهد كيف أن الفنانة في حاجة لذلك التكنيك لإنها تنتج عمل فني منسوج من الواقع مع خيوط من الخيال، والعاطفة، و الإدراك الحسي ، فالمشاعر هي التي تقودها عبر طرق الإبداع لإفراغ هذه الشحنات الوجدانية بفاعلية في صورة خطوط، وألوان ،لينتج عن ذلك علاقات مركبة، تناغمية، وإيقاعية، وإنسجامية، حيث ترسم الفنانة جمجمة علي خلفية زرقاء يحيط بها تشكيلات خطية، ودوائر أشبه بالفقاعات، التي ترمز لخروج الهواء، ومفارقة الروح ، ترغب الفنانة أن تعبر بأسلوبها عن مشاعرها، حيث تري في حالة وفاة شخص عزيز عليك يجد الإنسان نفسه متوجه إلي المكان الذي خلقنا منه، وهو التراب، وحيث الأرض تفرح بعودة الجسد اليها لتضمه من جديد ،ونجد أن الفنانة نقلت هذه الصورة، والمفردات كونت بها النص البصري الذي نشاهده علي مسطح اللوحة من مفردات إختارتها بكل براعة، وصدق، وقد عبرت الفنانة عن قبولها ورضاها عن الموت كظاهرة حتمية لابد أن يمر بها الانسان ، وهي تلقتها بشكل إيجابي،

لكن عند النظر لعمل آخر مثل لوحة (إنطواء ) نجد أن الفنانة تتعامل بشكل سلبي، ولا تتقبل مشاعر الإنطواء، والتحجيم النفس، والإنغلاق علي الذات، فرسمت إنسان يطل بعينين محدقتين من خلف شبكة معقدة من الخطوط الزرقاء الباردة، في حالة إنطواء علي الذات الإنسانية، فيخفي في أعماقه الداخلية الكثير من الأحاسيس لا يبوح بها، ولكي نفهم كل هذه الجوانب يجب أن نغوص في أعماق اللوحة، حتي نستطيع أن نري الجدل بين اللوحة، وذاتية الفنانة "عطاف "، وكيف أن الفن ينقذها من هذا الإنطواء، ويساعدها علي الخروج إلي المجتمع عن طريق أعمالها الفنيه التي تصنع منها نصوص بصرية تحكي بها قصص، وتنقل مشاعر ، وتعبر عن مضامين حيث الحوار، مع منظومة القيم، والحالة النفسية، والفكرية لديها، من رفض، أو قبوله لتلك المشاعر ليتم إخراج العمل بعد إستقراءه عبر الحواس، ثم الفكر، وصولا إلى المشاركة الوجدانية سلباً، أو إيجاباً، وتنتهي بموقف واع من مجمل العمل المطروح وفق قياسات فنية تنطوي علي قيم جمالية.

ومن مظاهر بصرية، فيكون الجمال مقياسا اوليا قبل قيمة المحتوى الذي يكون العمل الفني، و هذا المنحنى هو الذي يأخذنا إلي تلمس نوعا من التقارب، والتداخل بين موضوع اللوحة، وبين واقع الفنانة الإجتماعي، والذاتي.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.