رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الجمعة 19 أبريل 2024 1:13 ص توقيت القاهرة

أيام في الحظر المنزلي الحلقه الاولى (جدي)

بقلم عبير مدين

الوحده بين جدران حجرة أشبه بسجن انفرادي مللتها وجعلت يدي تمتد إلى تلك الحقيبة التي ورثتها عن والدتي والتي تضم صور أفراد عائلة كبيرة كنت محظوظة بكوني أحد أفرادها أمسكت صورة جدي لأمي الحاج عبد الغفار رحمهم الله جميعا هذا الرجل كان صاحب البصمة الأهم في حياتي بيته كان يضم نسيج فريد فبعد أن ماتت جدتي ولحقت بها زوجته الثانية تزوج الثالثة وتشاء الأقدار أن تكون هذه الثالثة عمتي شقيقة والدي الكبرى لتدخل العائلتان في تشابك غريب يصعب فكه ويصبح هذا البيت مكاني المفضل لما لا وكل احبائي بين جدرانه وانا طفلتهم المدللة وأولى الاحفاد

وجدي كان موظف بتفتيش الري كنت ارافقه في طفولتي في كل مكان صباحا اذهب معه للعمل لأنعم باللعب في الحديقة الكبيرة واعود معه على دراجته البخارية للبيت لتناول الغداء ثم أخرج معه بعد صلاة المغرب في رحلة أكثر إثارة

بيت جدي كان في منتصف المدينة بالقرب من شارع عمر أفندي أعرق شوارع المدينة واكبرها كان يضم العديد من المحلات التي تربط أصحابها صداقة قوية بجدي وعليه أن يقوم يوميا بزيارتهم فقد كان مغرم بالحرف اليدوية متعدد المواهب ورثت منه حب العديد منها فإنا ولله الحمد تعلمت التفصيل في طفولتي و كانت لي تصميمات خاصة وضعتها لملابسي في فترة الشباب تعلمت التنجيد حتى اني قريبا قمت بتنجيد كراسي السفرة عندما تهالك تنجيدها تعلمت منه كيف انجح في تصليح الاشياء واستخرج من المهملات مقتنيات ثمينة والعديد من الحرف الآخرى

لكن كان مكان جدي المفضل محل الخواجه جورج صاحب محل بيع وصيانة ماكينات الخياطة سنجر والتي كانت أساسية في معظم البيوت المصرية قبل أن يشق الجاهز ميدان المنافسة و يتغلب عليها

كانت نظرات جدي تنافس خبرة الخواجة جورج في معرفة سبب العطل وكيفية علاجه والخواجة جورج كان يهوديا ضمن عشرات اليهود أصحاب محلات في شارع عمر أفندي بعد موته اعتنق أبناؤه المسيحية وانصهروا فيها فيما اختفى فجأة باقي اليهود من الشارع ولا ادري الي أين ذهبوا ولا سبب هجرتهم خاصة أنها كانت في بدايات السبعينات من القرن الماضي أي بعد أن اطمأن اليهود لمعاملة عبد الناصر و السادات من بعده وكتب الله لنا النصر في حرب اكتوبر المجيدة

هذه الطفولة زرعت في شخصيتي شغف التعرف على الشخصية اليهودية وان اقترب من مسيحيين المنطقة فقد كنت حريصة على حضور قداس الأحد في مطرانية مار مرقص حرصي على سماع خطبة الجمعة من مأذنة الجامع العباسي أعرق جوامع شبين الكوم

وزرع في شخصيتي حب دراسة الأديان وقد شجعني والدي في سن صغير وأهداني نسخة قيمه من الكتاب المقدس للأسف سرقت مع مجموعة نادرة اثريه لسيرة ابن هشام والعديد من أمهات الكتب

اتذكر تلك الفترة رغم صغر سني وقتها بكل وضوح ربما أكثر من أمس القريب ربما لأنها اللبنة الأولى في بناء شخصيتي قبيل أن تتلقفني يد والدي و يعلمني حب القراءة و الاضطلاع و تكوين رأي مستقل فيما يدور حولي من أحداث ويشجعني على استكمال دراستي بالقسم العبري لأشبع فضولي في التعرف أكثر على الشخصية اليهودية وسوف أتناول معكم في حلقات قادمة بصمات اليهود في المجتمع المصري مالهم و ما عليهم

اعتذر عن الإطالة طبتم و طابت أوقاتكم وإلي لقاء قريب

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.