
الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا وباعث الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، والحمد لله الذي رضى من عباده باليسير من العمل، وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل، وأفاض عليهم النعمة، وكتب على نفسه الرحمة، وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته سبقت غضبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله وصفيه وحبيبه أما بعد أيها الأخ الكريم هل سألت نفسك يوما أأنت من الشاكرين أم لا؟ فإذا كان جوابك بنعم، فالسؤال فما هو دليلك؟ وهل تستطيع أن تسمي أشياء بعينها جعلتك في مصاف الشاكرين؟ وإذا كان الجواب بلفظ لا، فلماذا لا تسعى لأن تكون من الشاكرين؟ حيث قال الفضيل بن عياض رحمه الله " عليكم بملازمة الشكر على النعم، فقلّ نعمة زالت عن قوم فعادت إليهم"
وكل منا يتصور أنه يعرف نفسه جيدا، فنجده معتدا بها، مدافعا عن قناعاتها لذلك فهو يعتقد أنه على صواب بشكل دائم، وأن غيره أيا كان على خطأ، فالولد ما إن تظهر عليه علامات الشباب حتى تبدأ رحلة الصراع مع أبيه، فالشاب يرى أنه خلق في زمان غير زمان أبيه، وأن آراء أبيه آراء قديمة لا تصلح له ولعصره، وروي عن أبى أيوب رضي الله عنه أنه قال، قال لي أبو مالك يوما " يا أبا أيوب احذر نفسك على نفسك، فإني رأيت هموم المؤمنين في الدنيا لا تنقضي وايم الله لئن لم تأتي الآخرة والمؤمن بالسرور لقد اجتمع عليه الأمران هم الدنيا وشقاء الآخرة" قال، قلت بأبي أنت وأمي وكيف لا تأتيه الآخرة بالسرور وهو ينصب لله في دار الدنيا ويدأب ؟ قال "يا أبا أيوب فكيف بالقبول ؟ وكيف بالسلامة ؟" قال، ثم قال " كم رجل يرى أنه قد أصلح شأنه قد أصلح قربانه.
وقد أصلح همته وقد أصلح عمله، فيجمع ذلك يوم القيامة ثم يضرب به وجهه" ولقد إتصفت الحضارة الإسلامية عندما بلغت ذروتها بالتقدم بأنها العصر الذهبي للإسلام، وكان ذلك منذ منتصف القرن الثامن وحتى القرنين الرابع والخامس عشر للميلاد، وشهدت الحضارة الإسلامية خلال هذه الفترة تقدما في المجالات العلمية، والتجارية، والهندسية، والاقتصادية، والصناعية وغيرها، وإن الرسالة المحمدية بجموعها رسالة إنسانية، فقد جاءت لتراعي إنسانية الإنسان فيما تأمر به أو تنهي عنه وإذا نظرنا إلى المصدر الأول للإسلام وهو القرآن كتاب الله، وتدبرنا آياته، وتأملنا موضوعاته واهتماماته، نستطيع أن نصفه بأنه كتاب الإنسان، فالقرآن كله إما حديث إلى الإنسان، أو حديث عن الإنسان ولو تدبرنا آيات القرآن كذلك لوجدنا أن كلمة الإنسان تكررت في القرآن ثلاثا وستين مرة.
فضلا عن ذكره بألفاظ أخرى مثل بني آدم التي ذكرت ست مرات، وكلمة الناس التي تكررت مائتين وأربعين مرة في مكي القرآن ومدنيه وكلمة العالمين وردت أكثر من سبعين مرة، والحاصل أن إنسانية الإسلام تبدو من خلال حرص الشريعة الإسلامية وتأكيدها على مجموعة من القضايا المهمة، ولعل من أبرز الدلائل على ذلك هو أن أول ما نزل من آيات القرآن على رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم خمس آيات من سورة العلق ذكرت كلمة الإنسان في اثنتين منها، ومضمونها كلها العناية بأمر الإنسان، فقال تعالى " اقرأ باسم ربك الذى خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذى علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم" وإذا نظرنا إلى الشخص الذي جسد الله فيه الإسلام، وجعله مثالا حيا لتعاليمه وقيمه الإنسانية.
وكان خُلقه القرآن، نستطيع أن نصفه بأنه الرسول الإنسان وإذا نظرت في الفقه الإسلامي وجدت العبادات، لا تأخذ إلا نحو الربع أو الثلث من مجموعه، والباقي يتعلق بأحوال الإنسان من أحوال شخصية، ومعاملات، وجنايات، وعقوبات، وغيرها، ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه، فاللهم صلي وسلم وبارك على نبينا محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
إضافة تعليق جديد