الحمد لله العظيم في قدره، العزيز في قهره، العليم بحال العبد في سرّه وجهره، يسمع أنين المظلوم عند ضعف صبره، ويجود عليه بإعانته ونصره، أحمده على القدر خيره وشره، وأشكره على القضاء حلوه ومره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الآيات الباهرة، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما جاد السّحاب بقطره، وطلّ الربيع بزهره، وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد لقد أمرنا الله عز وجل بالجهاد، ولكن هناك نوعان من الجهاد وهما الجهاد الأكبر والجهاد الأصغر، ويقول أبو محمد عبد الله بن أبي مرة في بهجة النفوس " الجهاد الأصغر وهو جهاد العدو، وكذلك الأمر في الجهاد الأكبر وهو جهاد النفس.
وقد أشار الله عز وجل فى كتابه الكريم لذلك بقوله " وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله" فمهما كبر الأمر جعل الفرج فيه أكبر، لأن أمر الشيطان والنفس أكبر، فجعل في الشيطان والظفر به نفس الملجأ كما أخبر عز وجل، وجعل في النصرة على النفس الأخذ في مجاهدتها على لسان العلم، فقال عز وجل "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا" وجعل سبب العون على مجاهدتها حقيقة الاستعانة به عز وجل بقوله تعالى "إياك نستعين" فجهاد النفس أربع مراتب أيضا إحداها، أن يجاهدها على تعلم الدين، وأن يجاهدها على العمل به بعد علمه، وأن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه، وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله البينات ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله.
وأن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله تعالى، وأذى الخلق ويتحمل ذلك كله لله تعالى، فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين، فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانيا حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلمه فمن علم وعمل وعلم فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماوات، وأما عن جهاد الشيطان، فهو مرتبتان إحداهما، جهاده على دفع ما يلقي إلى العبد، من الشبهات والشك في الإيمان، وكذلك جهاده على دفع ما يلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات، فالجهاد الأول يكون بعده اليقين والثاني يكون بعده الصبر وقد قال الله تعالى "وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بأياتنا يوقنون" فأخبر الله عز وجل، أن إمامة الدين إنما تنال بالصبر واليقين.
فالصبر يدفع الشهوات والإرادات الفاسدة، واليقين يدفع الشكوك والشبهات، وأما جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات فثلاث مراتب الأولى، وهى باليد إذا قدر، فإن عجز انتقل إلى اللسان، فإن عجز جاهد بقلبه، فهذه ثلاثة عشر مرتبة من الجهاد، ومن مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق، وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله " الجهاد أقسام، بالنفس، والمال، والدعاء، والتوجيه والإرشاد، والإعانة على الخير من أي طريق، وأعظم الجهاد هو الجهاد بالنفس، ثم الجهاد بالمال والجهاد بالرأي والتوجيه، والدعوة كذلك من الجهاد، فالجهاد بالنفس أعلاها، وقد قال ابن القيم أن النبى صلى الله عليه وسلم، أول ما أوحى إليه ربه تبارك وتعالى أن يقرأ باسم ربه الذي خلق وذلك أول نبوته فأمره أن يقرأ في نفسه ولم يأمره إذ ذاك بتبليغ.
إضافة تعليق جديد