إعداد / محمـــد الدكــــرورى
ونكمل الجزء التاسع مع حق الجار، وقد توقفنا مع الجاران الذى بسبب عنادهما دخلا المستشفى نتيجة الإصابات والشجارات التى حدثت بينهم بسبب ورقه ألقيت على الأرض بدون قصد، وإن العبرة من القصة، هو أنه علينا ألا نتصور ونخمن نوايا الآخرين، فتبادل الحديث معهم ومحاولة فهم أفكارهم هي الوسيلة الأنجح لتلافي الكثير من المشاكل التي قد تحدث بيننا، فإنه لا يختلف اثنان على قيمة الجيرة الجيدة، أو على مدى تأثير الجار السيء على الحياة اليومية لجيرانه، وقد اعتدنا أن نرى لهفة الجار على جاره في المحن ليساعده ويقف إلى جانبه، كما اعتدنا أن يكون الجيران أول المدعوين إلى الأفراح وأول الحاضرين في المآتم، ولقد أوصى الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم على الجار وأكد على عدم إيذائه، فكان صلى الله عليه وسلم نعم الجار الذي يُحسن إلى جاره ويكرمه، ولم تقتصر وصاياه على الجار المسلم فقط، بل إنه كان بارا بجاره اليهودي أيضا وأوصى على كل الجيران حتى لو لم يكونوا من المسلمين، فكان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يمتاز بالخلق الحسن في كل صفاته وتعاملاته مع الآخرين، فكان قرآنا يمشي على الأرض يقدم للناس الخير والإحسان ، وقد ربط الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بين الإيمان بالله وبين إكرام الجار وأوضح ذلك من خلال قوله صلى الله عليه وسلم " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره" رواه البخارى ومسلم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يذهب ليعود جيرانه حينما يعلم بمرض أحدهم ، وقد أخبر زيد بن ثابت رضي الله عنه.
أنه كان جارا لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بمجرد أن علم بمرضه ذهب إليه ليطمئن عليه، وقد ورد عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أيضا قوله عن زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم له للاطمئنان عليه في مرضه حيث قال "عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجع كان بعينى" وقد أوضح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم معايير الخير التي يجب أن تتوفر في المسلم في قوله صلى الله عليه وسلم" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره" رواه البخارى ومسلم، وقد قام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بتحذير المسلمين من قطيعة الجيران لأنهم سيختصمون يوم القيامة أمام المولى عز وجل، أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم أيضا بالإحسان إلى الجار بطريقة التودد إليه بتقديم الطعام، وذلك من أجل ربط أواصر المحبة والعلاقات الطيبة، وقد نهى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن إيذاء الجار وشدد على ذلك الأمر حتى أقسم ثلاث مرات، بل أكد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن الأعمال الصالحة قد تزول بأكملها إذا حدث إيذاء صاحب هذه الأعمال لجاره، وقيل أنه كان لعبد الله بن المبارك جار فقير جدا، اضطرته ظروف الحياة أن يبيع داره، فقال الجيران له، بكم تبيع دارك، قال الرجل، بألفين من الدنانير، فقالوا له، ولكنها لا تساوى إلا ألفا واحدة، فقال نعم صدقتم، ولكنني أريد الفا للدار، والفا لجوار عبد الله بن المبارك، فقيل أنه لما علم عبد الله بن المبارك بذلك، ارسل اليه، واعطاه ثمن الدار، وقال له، ابق فيها ولا تبعها.
وقيل أنه كان ابن المقفع يجلس دائما في ظل بيت جاره، وكان على هذا الجار دين كبير، ولم يستطع سداده، فاضطر الى ان يبيع داره، ليسدد ما عليه بثمن هذه الدار، ولما علم ابن المقفع ان جاره يريد بيع داره، قال ما قمت اذا بحرمة ظل داره ان باعها معدما، ثم اعطى ابن المقفع جاره ثمن الدار ليسدد ديونه، ونهاه عن بيع داره، وهكذا يقف المسلم مع جيرانه ويعينهم في الشدائد، ويحاول ان يخفف عنهم، فقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، من نفس عن مسلم كربه، من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربه من كرب يوم القيامه، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والاخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والاخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون اخيه" وقيل أنه في يوم من الايام، أهديت لرجل فقير رأس شاه من جاره الذي يسكن بالمنزل المجاور له راس شاه ليطبخها، وياكل منها هو واولاده، وكا الرجل واهله جوعى، لكنه فضل جيرانه واثرهم على نفسه، فاهدى اليهم راس الشاه، فسارع الجيران واعدوا راس الشاه وطبخوها ليسدوا بها جوعهم، لكنهم تذكروا جيرانهم الاخرين، فاهدوها اليهم، وظلت راس الشاه تنتقل من بيت الى بيت اخر، حتى مرت بسبعة بيوت، وكل منهم يحتاج اليها وكل منهم يؤثر جاره على نفسه، حتى رجعت إلى البيت الأول الذي خرجت منه، فما أجمل ان تسود المحبة بين الجيرن، وأن يوثر كل منهم أخاه على نفسه، فنتعلم من القصة الكثير من الاشياء المفيدة وكيف ينبغي لنا احترام الجار والحفاظ على مشاعر جيراننا، فلقد أوصى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
على الجار ، وكيف كان الناس يتعاملون مع الجيران، فللجار حق الجيره وله حقوق كثيرة، أن نحترمه ونقدره ونقدم له يد العون عند احتياجه، وإن برغم وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالجار إلا أن كثيرا من المجتمعات مفككة لا يعرف الناس جيرانهم، وقيل أنه ذات يوم مرض يهودي جار للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فعاده أى زاره النبي صلى الله عليه وسلم، ويروي عن ذلك أنس بن مالك رضي الله عنه فيقول " كان غلام يهودى يخدم النبى صلى الله عليه وسلم فمرض فآتاه النبى صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له " أسلم " فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، فأسلم، فخرج النبى صلى الله عليه وسلم، وهو يقول " الحمد لله الذى أنقذه من النار" رواه البخارى، ولكن كيف نقتدي بهدى النبى الكريم صلى الله عليه وسلم؟ وهو أن تحترم جارك وأن تحسن معاملته، وأن تقوم بحقوقه وأن تجعل قدوتك في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم،وأيضا احرص على زيارة جارك وصلته، خاصة عند مرضه أو فرحه، فهذا من هدي النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وأيضا صل جارك بطعام مما تصنع على سبيل الهدية، كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا أردت فعل إحسان أو معروف، فقَدم جارك أولا إذا كان له حاجة فيه، وإياك وإيذاء جارك أو مضايقته أو حتى كف المعروف عنه، فقد حذر النبى الكريم صلى الله عليه وسلم من ذلك أشد الحذر، واقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم في معاملة غير المسلمين من الجيران.
فلك فيه صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجاوره جار يهودي، وكان اليهودي يحاول، ان يؤذي الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن لايستطيع خوفا من بطش اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فماذا يفعل؟ فجاء في الليل والناس جميعا نيام كان ياخذ الشوك والقاذورات، ويرمي بها عند بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ولما يستيقظ رسولنا الكريم، فيجد هذه القاذورات كان يضحك صلى الله عليه وسلم، ويعرف ان الفاعل جاره اليهودي فكان نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم يزيح القاذورات عن منزله ولم يمل اليهودي عن عادته حتى جاءته حمى خبيثة فظل ملازما الفراش يعتصر ألما من الحمى حتى كادت توشك بخلاصه وبينما كان اليهودي بداره سمع صوت الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يضرب الباب يستأذن في الدخول فأذن له اليهودي، فدخل الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، على جاره اليهودى وتمنى له الشفاء فسأل اليهودي الرسول صلى الله عليه وسلم، وماأدراك يامحمد اني مريض؟ فضحك الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له " عادتك التي انقطعت" ويقصد نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم القاذروت التي يرميها اليهودي امام بابه، فبكى اليهودي بكاء حارا من طيب أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فنطق الشهادتين ودخل في دين الاسلام، وإن من أعظم ما عُنى به الإسلام هو تنظيم حياة المجتمع المسلم في دوائر متكاملة تتسع شيئا فشيئا، حتى تنتظم المجتمع كله، بدء من حقوق الوالدين، ثم الأقارب.
ثم تتسع لتشمل الجيران والأصدقاء والمعارف، ثم تمتد لتتصل بالغرباء وغير المسلمين، وهذه وقفة مع إحدى هذه الدوائر والحلقات، تجسد هذا التعاون، وتصور هذه الرابطة الإسلامية بكل معانيها ووسائلها ومقاصدها، إنها دائرة الجوار وحقوق الجيران، ومن مواضيع تخص حقوق الجار يقول سائل إن جارنا في الطابق الأعلى يضع على شباكه أرزا وخبزا بقطع صغيرة للعصافير والحمام البري مثل الذي يضعوه بساحة الحرم والتجمعات لجذب الحمام ونحن بالطابق الأرضي كل وسخ الحمام وبقايا الطعام وأرواث الحمام تسقط علينا ويتسخ كل محيط البيت فتكلمت معه وأفهمته أن هذا الكلام لا يجوز وأنه بذلك يؤذي الجيران وأن مثل هذه الأمور إذا أحب ان يفعلها فليكن في بيت مستقل لوحده أو مزرعة فكان جوابه أنه لايجب علي أن أقطع رزق هذا الحمام قلت له الله يزرق الطير والبشر قال إن الله جعله سببا لإطعام هذا الحمام وقال لي هل تتحمل أنت ذنب قطع رزق هذا الحمام قلت له نعم لأن الرزق على الله وقلت له عدم مضايقة الجار واجب وفرض لكن إطعام الحمام ليس بواجب ولا فرض، ويقول السائل هل علي ذنب لأني قلت له إنه لاذنب علي إذا توقف بسبي عن إطعام الحمام؟ وهل قوله إن الله جعله سببا لإطعام هذا الحمام صحيح، وخصوصا وأنه حمام برى؟ وهل يجوز أن أشتكيه إلى السلطات المختصة إذا لم يتجاوب؟ وقلت له إن والدتي تنظف المكان كل يوم لكن والدتي بالحقيقة تنظف المكان كل بضعة أيام وقلتها على سبيل المبالغة فما رأيكم؟
وإن الإجابه هى إن إيذاء الجار من الكبائر، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره" رواه البخارى ومسلم، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم" والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل من يا رسول لله؟ قال " الذي لا يأمن جاره بوائقه" رواه البخاري، وفي صحيح مسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال" لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه" وقال ابن حجر رحمه الله، في فتح البارى، وفي هذا الحديث تأكيد حق الجار، لقسمه صلى الله عليه وسلم على ذلك وتكريره اليمين ثلاث مرات، وفيه نفي الإيمان عمن يؤذي جاره بالقول أو الفعل، ومراده الإيمان الكامل، فالواجب على جارك أن يمتنع عن إطعام الحمام بهذه الصورة التي تؤذي جيرانه، وليس على من نصحه بالامتناع عن ذلك إثم، لأن إطعام هذا النوع من الحمام ليس واجبا عليه، بينما إيذاء الجار من المحرمات، بل من الكبائر كما ذكرنا، وأما قوله إن الله جعله سببا لإطعام هذا الحمام، فليس بحجة، لأن الله تعالى هو الذي نهى عن إيذاء الجار، فلا يجوز لجارك أن ينفع الطير بإضراره بإخوانه المسلمين فضلا عن جيرانه، كما أنه ينبغي لك أيها السائل الكريم أن تصبر على أذى جارك وأن تنصحه بالتي هي أحسن، فإن هذا أيضا من حقوق الجار، ومن الخلق الحسن، إلا إذا لم تطق تحمل أذيته، ولم يستجب لنصحك بعد الصبر عليه، فيجوز لك حينئذ أن تشتكيه إلى الجهات المسؤولة، فقد روى أبو داود وابن حبان والحاكم بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو جاره.
فقال" اذهب فاصبر" ثم أتاه الثانية فقال "اذهب فاصبر" فقال في الثالثة أو الربعة " اذهب فاطرح متاعك في الطريق" فطرح متاعه في الطريق، فجعل الناس يسألونه فيخبرهم خبره، فجعل الناس يلعنونه، فعل الله به وفعل وفعل، فجاء إليه جاره، فقال له ارجع لا ترى مني شيئا تكرهه" ثم عليك أيها السائل الكريم أن تتحرى الصدق في الكلام حتى تكتب عند الله صديقا، لقوله صلى الله عليه وسلم "عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا" رواه البخارى ومسلم،
إضافة تعليق جديد