رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

السبت 4 مايو 2024 3:52 ص توقيت القاهرة

الدكرورى يكتب عن رحلة الإسراء والمعراج " الجزء الثالث عشر "

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثالث عشر مع رحلة الإسراء والمعراج، وإن البيت الذي تقام فيه الصلوات والبيت الذي يُتقى الله تعالى فيه، والمحل التجاري الذي لا يكذب صاحبه، فيبيع بضاعة جيدة بسعر معتدل، ويبتغي البائع وجه الله عز وجل فإن هذا هو بداية طريق العودة، وأما المعاصى والذنوب، فهي تحجب الفرج، فقد يكون في البيت نوادى ليلية، وأفلام إباحية، وانعدام شخصية، في البيت يحول كل ذلك بينك وبين الله، ويحول بينك وبين التوبة، ويحجب الفرج عن الأمة، إطلاق البصر يحجبك عن الله عز وجل، أكل المال الحرام يحجبك عن الله، الدياثة التى يراد نشرها تبعدك عن الشرف وتطيح بك بعيدا عن الطاعة، ونتعلم من الإسراء أن للمحن والمصائب حكما جليلة، مع أن هناك شدة لا تطاق، مع أن هناك ضغطا لا يحتمل، لكن المستقبل لهذا الدين لأن الله سبحانه وتعالى أراد أن يوقظنا، أراد أن يحركنا، أراد أن يدفعنا إلى بابه، بعد أن أظهر العدو على حقيقته، وقد يكون أعظم إنجاز للإسلام أن الطرف الآخر تعرى تماما، وأن العدو اللدود للإسلام فقَد مصداقيته، فقد قيمه الحضارية التي يدعيها، فقَد مكانته الإنسانية، وهذا أكبر إنجاز، والدليل أن الطريق إلى الله لن يكون سالكا إلا إذا كفرت بعبدة الطاغوت " فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى" وإن من دلالات الإسراء والمعراج أنه مسح لجراح الماضي، وتطمين للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، على سلامة هذه الدعوة، وإكرام له، وإيناس له، وقد جفاه أهل الأرض، ولأن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يشرع لنا لا بأقواله فقط.

ولكن بمواقفه وأفعاله، فعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت عليّ ثلاث من بين يوم وليلة وما لي طعام إلا ما واراه إبط بلال" رواه الترمذي، ولقد امتُحن النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ونجح في الامتحان، فامتحن في الطائف، فكان الرد الإلهي هو الإسراء والمعراج، وكان الرد التكريمى هو ما جاء فى سورة ص " إنا وجدناه صابرا" وعن أبي الدرداء رضى الله عنه عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال "لكل شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه" رواه أحمد والطبراني، وإن الإسراء يعلمنا أن لذة الحياة في وجود رسالة وهدف، فالحياة ليست طعاما وشرابا، تلك حياة البهائم التي ينتهجها الذين كفروا، ولكن الله تعالى يقول فى كتابه الكريم كما جاء فى سورة محمد " والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم" فالحياة رسالة تؤديها، الحياة مبدأ تتمسك به، الحياة دعوة تدعو إليها، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة فصلت " ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إننى من المسلمين" فالإنسان حينما يتخلى عن مبادئه وعن قيمه، ويسعى لتلبية شهواته الحيوانية، إنسان لا يقيم الله له يوم القيامة وزنا، إنسان له صغار عند الله، فقل لي ما الذي يهمك، أقل لك من أنت، ماذا يهمك؟ أن تأكل، وأن تشرب، أم أن تربي أولادك؟ أم أن تدعو إلى الله؟ أم أن تكون قدوة لمن حولك؟ أن تبث هذا الدين العظيم.

وأن توضح كتاب الله الكريم، أن تبين سنة سيد المرسلين، ما الذي يقلقك؟ قيمتك عند الله بقدر همومك وهمتك في الحياة، فإن صاحب الإسراء صلى الله عليه وسلم، مشى على قدميه إلى الطائف ليبلغ دعوة الله تعالى، فيلقى التكذيب والاستهزاء، ونيل الأذى، ومع ذلك يقول "إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالى" صلى الله عليه وسلم، فلقد أكرم الله تعالى هذه الدعوة الإسلامية المباركة، وتلك الأمة العظيمة بخير نبي صلى الله عليه وسلم، وبخير كتاب وبخير دعوة، أكرم الله أمتنا بدولة وفكرة وصحبة عظيمة، وما قامت الدولة، ولا رسخت الفكرة، ولا عظمت الصحبة، إلا بعد تنقية وغربلة لصف المؤمنين، ولقد تنوعت مراحل التنقية في تاريخ الأمة ودعوتها، ومن بين مراحل التنقية والتصفية رحلة بل رحلتان عظيمتان امتن الله تعالى بهما على خير أنبيائه ومرسليه، وشرفه ربه بأفضل مقام، وأعلى منزلة، إنها رحلة الإسراء ورحلة المعراج، التي أعلن الله تعالى فيها قيمة نبيه ومصطفاه محمد صلى الله عليه وسلم، وأعلن كذلك قيمة هذه الأمة وعظمتها آمن بذلك من آمن، وكفر من كفر، وها هو الداعية الأول رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، يدعو قومه إلى الله تعالى، سنوات مأساوية، مليئة بالعواصف العاتية من التعذيب والإيذاء، والبغضاء والافتراء، ثم كان العام العاشر من البعثة العام الحزن الذي فقد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب الذي كان ينافح عنه ويدفع عنه أذى قريش، وبعد وفاة أبي طالب بثلاثة أيام أو شهرين يفجع النبي صلى الله عليه وسلم بموت رفيقة دربه.

السيدة خديجة رضي الله عنها، وهي من في مؤازرتها له وقوفها إلى جانبه في أشد المواقف على مدى خمسة وعشرين عاما، ويتلفت رسول الله صلى الله عليه وسلم، في مكة فلا يجد من ينصره ليبلغ رسالة ربه، فيخرج إلى الطائف، ويعرض دعوته على ثقيف، فيردون عليه بأقبح رد، وآذوه ونالوا منه ما لم ينل منه قومه، وأغروا به سفهاءهم يرمونه بالحجارة حتى دميت قدماه الشريفتان، وينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف محزونا مهموما، فيمشي ولا يشعر بنفسه، حتى استفاق في قرن الثعالب فأخذ يناجي ربه بالدعاء المشهور"اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، أنت أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الكريم الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل علي غضبك أو ينزل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك، ثم يعود رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فلم يستطع دخولها إلا تحت جوار المطعم بن عدي وهو رجل مشرك، وفي ظل هذه الأجواء الكالحة، والظروف الحرجة، وبعد مضي ثنتي عشرة سنة من البعثة، يشاء الله، اللطيف بعباده أن يسلي رسوله صلى الله عليه وسلم، ويثبته على الحق، فيمن عليه برحلة تاريخية لم ينل شرفها قبله نبي مرسل ولا ملك مقرب، إنها رحلة مباركة طيبة، بدأت بأقدس بقاع الأرض، وانتهت بأعلى طبقات السماء، فانتقل النبي صلى الله عليه وسلم.

من مكة إلى المسجد الأقصى ثم إلى السماء، ورأى ما رأى من آيات الله تعالى ومشاهد القدرة والقوة، فقد أحرج الله تعالى بها قلوب الجاحدين، وأقر الله بها أعين المؤمنين الصادقين، وصفى الله بها أفئدة المنتسبين إلى الدين، إنها معجزة أعلن فيها كثير من القرارات والقناعات، لهذه الأمة ولنبيها الكريم، إنها معجزة تأتي بعد محن وشدائد يمر بها نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فبعد وفاة عمه وزوجه، ومقاطعة اقتصادية واجتماعية في شعب أبي طالب، وبعد اعتداء أهل الطائف عليه، ورفض دعوته صلى الله عليه وسلم، وهكذا بدأت ملامح هذه الرحلة، وأسبابها معروفة ومعلومة، فهموم وأحزان لحقت بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وهو من هو؟ وحصار وإيذاء وموت للسند الداخلي والخارجى وإعلان القيمة والقدر النبوي عند رب البرية، ثم إعلان قيمة هذه الأمة الخيرية، فهديتها في السماء، ومعراجها العرش، وإظهار هوية بيت المقدس ونسبته إلى المسلمين في كل مكان، وإظهار إعجاز العقول البشرية عن الإدراك لرحلة، فكيف بإدراك الرب العلي؟ ولقد كان لهذه الرحلة عبرة حقيقية في إثبات قدر النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وعلو قيمته فها هو ربه عز وجل، يبعث إليه جبريل وملك الجبال بعد اعتداء أهل الطائف عليه، ويدعوه لمقابلته، ويريه آيات من آياته، يأمر بغسل قلبه، وجعله إماما للأنبياء في الصلاة، وفتح له أبواب السماء، ويرفع قدره على كل الأنبياء؛ ليعلنها مدوية أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو أشرف الناس وأعلاهم قيمة ومكانة.

فما وصل إلى ما وصل إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، أحد، لا نبي ولا ملك، وفي ذلك درس آخر في أن الله عز وجل، لا يخذل أولياءه وأحبابه ولا يفضحهم بل يؤديهم وينصرهم على من عاداهم وإن طالت الفترة، وهكذا ترينا الرحلة آيات الله تعالى في أوليائه فلا يخلهم، ولا يضيعهم، يفتح أبواب سمائه لنبيه ووليه محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن رفضه كثير من أهل الأرض، بعد أن تقطعت به الأسباب، وكأنه يقول له يا محمد، لا تحزن، فربك يفتح لك أبواب سمائه، فإن كان أهل الأرض قد لفظوا دعوتك، فهنيئا لك المسرى والمعراج فأهل السماء يرحبون بك وينتظرونك، ولم يخذله وقت أن عاد إلى قومه يبلغهم بما حدث، فاستهزؤوا به وكذبوه، وظهر خبث أبي جهل عندما دعاه ليخبر القوم بما رأى وشاهد، لا ليؤمنوا، بل ليستهزئ به ومن معه، وقد يتعجب البعض من شدة الابتلاء في يوم من الأيام، ويتساءل لماذا يحدث كل هذا البلاء بالمسلمين؟ أليس الله بقادر؟ هل من نصر لعباد الله المصلحين؟ وتكثر التساؤلات، لكن يأتي الرد فمع البلاء وشدته، يتم غربلة الصف، ويتم فضح المنافقين، فلا يثبت إلا أهل الإيمان الحقيقي الذين يثبتون في وجه الشدائد، فلا تقام الدول، ولا تبنى الأمم إلا على أكتاف الثابتين الصادقين في إيمانهم ويقينهم بربهم فالأيدي المرتعشة، والقلوب المهزوزة لا تقوى على البناء، كما أن الله تعالى قادر على أن ينصر أهل الإيمان، لكن له في ذلك حكم، فلما عاد الرسول صلى الله عليه وسلم، وحكى للناس في مكة، ثبت من ثبت، واهتز إيمان من اهتز، فارتد ناس ممن كانوا آمنوا به وصدقوه.

لأن الهجرة قادمة، ومعارك طاحنة ستأتي فلن يثبت لها إلا الصادقون في الإيمان واليقين وتلك حكمة الله من البلاء، ودورنا أن ندعو الله تعالى أن يثبتنا بقولنا "يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك" رواه الترمذى، وإن سنة الله تعالى في الحياة الابتلاء، وقد سبق بيان الحكمة في وجود الابتلاءات، إلا أن المؤمن الصادق، يريى من وراء الشدة فرجا، ومع العسر يسرا، ومن باطن المحنة تولد المنحة، اشتدت برسول الله صلى الله عليه وسلم، الشدائد، لكنه لم ييأس، ولم ينس أن له ربا قادرا يقدر المقادير، ويأذن بفرجه في الوقت الذي يريد في الوقت الذي نريد، ولقد كانت الإسراء والمعراج منحة في ثنايا المحنة، بعد آلام الاضطهاد والتعذيب والحصار، يأتي الفرج بنداء النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لرؤية مظاهر قدرة الله تعالى، وكانت بمثابة تربية ربانية رفيعة المستوى لنبينا صلى الله عليه وسلم، وحتى يعود الأمل إلى القلوب من جديد علينا بالإيمان اليقيني بقدرة الله، وانتظار فرجه فانتظار الفرج عبادة، والدعاء واللجوء إليه واليقين بالاستجابة، والهروع إلى الصلاة والسكن إلى المولى، والتركيز على الإيجابيات لا السلبيات من المحنن وصحبة أهل الأمل والتفاؤل لا أهل اليأس والتشاؤم، والقراءة في سير التاريخ، والنظر في نهاية الابتلاءات، وسيظل المسجد الأقصى بحول الله وقوته هو الشوكة التي تقف في حلوق الظالمين والمغتصبين، وسيظل علامة بارزة على قيادة هذه الأمة لكل الأمم، وأنه حق للمسلمين لا يشترى ولا يباع، ولا يتم المساومة عليه.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.