رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

السبت 4 مايو 2024 5:16 ص توقيت القاهرة

الدكرورى يكتب عن رحلة الإسراء والمعراج " الجزء الحادى عشر "

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الحادى عشر مع رحلة الإسراء والمعراج، وقد توقفنا مع مشاهده النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة، وقد رأى شجرة الزقوم التي وصفها الله تعالى بقوله كما جاء فى سورة الإسراء" والشجرة الملعونة فى القرآن " ورأى مالك خازن النار، ورأى المرأة المؤمنة التي كانت تمشط شعر ابنة فرعون، ورفضت أن تكفر بالله، فأحرقها فرعون بالنار، ورأى الدجال على صورته، أجعد الشعر، أعور العين، عظيم الجثة، أحمر البشرة، مكتوب بين عينيه كافر، فإن هذه المشاهد يجب أن يعيها ويدرسها الدعاة والصالحين، بل وكل المسلمين، فعن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال" إن لي حوضا ما بين الكعبة وبيت المقدس، أبيض مثل اللبن آنيته عدد النجوم، وإني لأكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة" ولقد كان ذلك امتحانا وابتلاء من الله عز وجل، لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وقد رضي بقضاء الله وصبر، فتبدلت المحنة إلى منحة، وهذا هو المطلوب أن ترضى بقضاء الله تعالى، وتستسلم له صابرا محتسبا، فهذا هو أبونا آدم عليه السلام تسجد له الملائكة، ثم بعد قليل يخرج من الجنة، وهذا نبى الله نوح عليه السلام يُضرب حتى يغشى عليه، ثم بعد قليل ينجو في السفينة، ويهلك أعداؤه، وهذا الخليل إبراهيم عليه السلام يلقى في النار، ثم بعد قليل يخرج إلى السلامة، وهذا الذبيح إسماعيل عليه السلام يضطجع مستسلما، ثم يسلم، ويبقى المدح، وهذا يعقوب عليه السلام يذهب بصره بالفراق، ثم يعود بالوصول، وهذا الكليم موسى عليه السلام يشتغل بالرعى.

ثم يرقى إلى التكليم، وهذا هو نبينا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يقال له بالأمس اليتيم، ويقلب في عجائب يلاقيها من الأعداء تارة، ومِن مكايد الفقر أخرى، وهو أثبت من جبل حراء، ثم لما تم له مراده من الفتح، وبلغ الغرض من أكبر الملوك وأهل الأرض، نزل به ضيف النقلة، فقال " واكرباه " فمن تلمح بحر الدنيا، وعلم كيف تتلقى الأمواج، وكيف يصبر على مدافعة الأيام، لم يستهون نزول بلاء، ولم يفرح بعاجل رخاء، وإن الإسلام هو المنة الكبرى والنعمة العظمى التي لم يخترها الله تبارك وتعالى لإسعاد العرب فحسب، بل اختار الله تعالى هذه النعمةَ ليسعد البشرية كلها في الدنيا والآخرة، فالإسلام هو الدين الوحيد الذي ارتضاه الله عز وجل لأهل الأرض، فما أنزل الله تعالى الإسلام للمسلمين وللعرب فقط، بل لقد اختار الله الإسلام دينا لأهل الأرض، فقال سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة آل عمران " إن الدين عند الله الإسلام " لذا ما أرسل الله نبيا ولا رسولا إلا بالإسلام، وتدبروا معي هذه الأدلةَ السريعة، بدايةً من نبي الله نوح عليه السلام الذي قال كما قال عنه ربنا حكاية عنه في سورة يونس : وأمرت أن أكون من المسلمين" وما بعث الله تعالى نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم التمام ومسك الختام إلا بالإسلام، فقال تعالى لنبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كما جاء فى سورة المائدة " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا" وأنزل عليه سبحانه وتعالى قوله كما جاء فى سورة آل عمران " ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين"

فالإسلام دِين أهل الأرض ليس دين العرب فحسب، وليس دين المسلمين فحسب، بل هو دين البشرية كلها، فهي رسالة الإسلام، وبه جاء الأنبياء من لدن آدم ونوح إلى رسول الله محمد عليهم الصلاة والسلام فهو يصلي إماما بالأنبياء، ويؤم بيت المقدس، الذي أقيم للناس ليعبدوا الله تعالى فيه بعد بيت الله الحرام، وهو القبلة الأولى للمسلمين، وأهميته بالنسبة للمسلمين وثيقة مثل أهمية بيت الله الحرام ولو تحولت القبلة عنه فرسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين وإمامهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول "أنا أَولى الناس بابن مريم، والأنبياء أولاد علات، ليس بيني وبينه نبي" وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبِنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون هلا وُضعت هذه اللبنة؟ قال فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين" وإن التحيات المتبادلة بين النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وإخوته السابقين توثق هذه الآصرة، ففي كل سماء أحل الله فيها أحد رسله، كان النبي صلى الله عليه وسلم يستقبل فيها بهذه الكلمة " مرحبا بالأخ الصالح، والنبي الصالح" أما رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فقد أظهر أنه مرسل لتكملة البناء الذى تعهده من سبقوه، ومنع الزلازل من تصديعه، ومن ترك منهج الله وتخلى عنه يتركه الله عز وجل ويستبدله ولا يستعمله، فالله تعالى ليس في حاجة إلينا.

فإن الله تعالى غنى عن العالمين كما جاء فى سورة فاطر فى قوله تعالى " يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنى الحميد" وكما حدث من بنى إسرائيل فقد تركوا منهج الله تعالى وحرفوه، وشوهوا تعاليم النبوة ورسالة السماء، فكانت النتيجة أن خرجت النبوة منهم، وانتقلت إلى غيرهم، ولكن لماذا كانت الرحلة إلى بيت المقدس، ولم تبدأ من المسجد الحرام إلى سِدرة المنتهى مباشرة؟ وإن هذا يرج بنا إلى تاريخ قديم، فقد ظلت النبوات دهورا طوالا وهي وقف على بني إسرائيل، وظل بيت المقدس مهبط الوحى، ومشرق أنواره على الأرض، وقصبة الوطن المحبب إلى شعب الله المختار، فلما أهدر اليهود كرامة الوحي، وأسقطوا أحكام السماء، حلت بهم لعنة الله تعالى، وتقرر تحويل النبوة عنهم إلى الأبد، ومن ثم كان مجيء الرسالة إلى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم انتقالا بالقيادة الروحية في العالم من أمة إلى أمة، ومن بلد إلى بلد، ومن ذرية إسرائيل إلى ذرية إسماعيل عليهما السلام، لكن إرادة الله مضت، وحملت الأمة الجديدة رسالتها، وورث النبي العربي تعاليم إبراهيم وإسماعيل ويعقوب عليهم السلام وقام يكافح لنشرها، وجمع الناس عليها، فكان من وصل الحاضر بالماضي، وإدماج الكل في حقيقة واحدة أن يعتبر المسجد الأقصى ثالث الحرمين في الإسلام، وأن ينتقل إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في إسرائه، فيكون هذا الانتقال احتراما للإيمان الذي درج قديما في رحابه، ثم يجمع الله عز وجل، المرسلين السابقين من حملة الهداية في هذه الأرض وما حولها.

ليستقبلوا صاحب الرسالة الخاتمة، وفي السنة الصحيحة أن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، قد صلى بإخوانه الأنبياء ركعتين في المسجد الأقصى، فكانت هذه الإمامة إقرارا مبينا بأن الإسلام كلمة الله الأخيرة إلى خلقه، أخذت تمامها على يد رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بعد أن وطأ لها العباد الصالحون مِن رسل الله الأولين، وإن في الاقتران الزمني بين إسرائه صلى الله عليه وسلم، إلى بيت المقدس والعروج به إلى السموات السبع، لدلالة باهرة على مدى ما لهذا البيت مِن مكانة وقدسية عند الله سبحانه وتعالى، وفيه دلالة واضحة أيضا على العلاقة الوثيقة بين ما بعث به كل من عيسى ابن مريم ومحمد بن عبدالله عليهما الصلاة والسلام، وعلى ما بين الأنبياء من رابطة الدين الواحد الذي ابتعثهم الله تعالى به، وفيه دلالة على مدى ما ينبغي أن يوجد لدى المسلمين في كل عصر ووقت، من الحفاظ على هذه الأرض المقدسة، وحمايتها من مطامع الدخلاء وأعداء الدين، وكأن الحكمة الإلهية تهيب بمسلمي هذا العصر ألا يهنوا ولا يجبنوا ولا يتخاذلوا أمام عدوان اليهود على هذه الأرض المقدسة، وأن يطهروها من رجسهم، ويعيدوها إلى أصحابها المؤمنين، ومن يدري؟ فلعل واقع هذا الإسراء العظيم هو الذي جعل القائد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، يستبسل ذلك الاستبسال العظيم ويفرغ كل جهده في سبيل صد الهجمات الصليبية عن هذه البقعة المقدسة، حتى ردهم على أعقابهم خائبين، فإن الربط بين المسجد الأقصى، والمسجد الحرام وراءه حكم ودلالات وفوائد.

منها هو أهمية المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين، إذ أصبح مسرى رسولهم الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ومعراجه إلى السماوات العلى، وكان لا يزال قبلتهم الأولى طيلةَ الفترة المكية، وهذا توجيه وإرشاد للمسلمين بأن يحبوا المسجد الأقصى وفلسطين لأنها مباركة ومقدسة، وأيضا فإن الربط يشعر المسلمين بمسؤوليتهم نحو المسجد الأقصى بمسؤولية تطهير المسجد الأقصى مِن أوضار الشرك وعقيدة التثليث، كما هي أيضا مسؤوليتهم تطهير المسجد الحرام مِن أوضار الشرك وعبادة الأصنام، وأيضا الربط يشعر بأن التهديد للمسجد الأقصى، هو تهديد للمسجد الحرام وأهله، وأن النيل من المسجد الأقصى توطئة للنيل من المسجد الحرام، فالمسجد الأقصى بوابة الطريق إلى المسجد الحرام، وزوال المسجد الأقصى مِن أيدي المسلمين، ووقوعه في أيدي اليهود يعني أن المسجد الحرام، والحجاز قد تهدد الأمن فيهما، ومن ثم كان المسجد الحرام المنارة الهادية التي تشع منها أنوار الإيمان، وكان له القداسة التي تستحق التسجيل والتنويه، وأما المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، فهو الحرم الثاني الذي بُني بعد الحرم الأول ليكون مركز هداية تنبعث منه أضواء الحق، وليكون ملتقى أنبياء الله الكرام من ذرية إبراهيم، وكان لكل مسجد من هذين المسجدين الدور العملي في إعلاء كلمة الله، والحفاظ على التراث الروحي الذي توارثه أهل الحق جيلا بعد جيل، فكان من الطبيعي أن يكون مبدأ الإسراء من مركز الإشعاع الأول لدين الله عز وجل، ومبدأ المعراج من المركز الثاني لهذا الإشعاع.

وكان من تدبير الله سبحانه وتعالى أن ترتبط معجزة الإسراء والمعراج بهذين الحرمين المقدسين، وأن يكون منهما الانطلاق إلى العالَم الروحاني لنبي الإسلام، وخاتم رسل الله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا ما يلفت الأنظار ويوجه الأفكار إلى المنزلة الرفيعة لهذين المركزين، وما أدياه على مر الأيام من هداية وإرشاد، وفي هذا أبلغ التقدير وأعظم التقديس لهذين الحرمين المباركين، وأن على خلفاء النبوة وورثة الرسالة أن يحموا هذه الأماكن المقدسة، ويذودوا عن حماها حتى تبقى منارات هدى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وإن معجزة الإسراء والمعراج لتوجه أبصار المسلمين إلى الصلات الروحية التي تربطهم بالأرض المقدسة التي باركها الله عز وجل، وإنها صلات ممدودة الجذور في أعماق الزمن البعيد، وإنها لم تبل جدتها أو تضعف شدتها على مر القرون، بل إنها لتبلغ قوتها كلما حزب الأمر أو اشتد الخطب، وإن الإنسان عبارة عن روح ومادة، والإسلام أعطى كل واحدة حقها دون أن تطغى إحداهما على الأخرى، فإن هنالك مناهج وفلسفات وديانات تبالغ في إرواء الإنسان من الماديات وتترك الروح خاوية، وإن هناك مناهج أخرى تبالغ في إعطاء الروح حقها، فتخرج عن جادة الحق والصواب والعقل، ولقد كانت تلك الرحلة العظيمة هى تصفية الصف المسلم وتنقيته حيث أن الكثرة لا تفيد إن لم تكن ذات قيمة، وثوابت تربت عليها، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان مقدما على مرحلة جديدة، هى مرحلة الهجرة، والانطلاق لبناء الدولة.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.