رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الأربعاء 13 نوفمبر 2024 4:34 م توقيت القاهرة

الدكرورى يكتب عن ضرار بن الأزور (الجزء الثانى)

إعداد / محمـــد الدكــــرورى

ونكمل الجزء الثانى مع الصحابى ضرار بن الأزور، وهو المجاهد فى سبيل الله تعالى، وقد وقفنا معه عندما قاتل الروم ويقال قتل منهم أربعة مائة ولكنه وقع أسيرا، فبعث المسلمين كتيبة لتحريره ومن معه، وبالفعل حرروهم وعادوا معهم، وقد شارك أيضا ضرار في فتح دمشق مع خالد بن الوليد رضي الله عنهم، ثم توفى ضرار بن الأزور في منطقة غور الأردن، ويرجح أنه مات في طاعون عمواس، ودُفن هناك وسميت هذه المدينة باسمه ضرار، وقد قيل بأن اخته هي السيده خولة بنت الأزور، رغم أن العديد من المؤرخين ينفون وجود هذه الشخصية، وخولة بنت الأزور هي شخصية عاشت خلال فترة الخلفاء الراشدين، وتم ذكرها في كتاب فتوح الشام المنسوب بشكل خاطئ إلى الواقدي، وكان حسب الرواية أن خولة بنت الأزور، كانت مقاتلة وشاعرة من قبيلة أسد، وهي أخت ضرار بن الأزور، وتصور خولة كأشجع نساء عصرها.

وتوفيت آخر عهد الخليفه عثمان بن عفان، وفي شعرها جزالة وفخامة وأكثره في الفخر، وقد ذكر ابن حجر عدد ثمانى وعشرين صحابية باسم خولة في اختلاف في بعضهن ولكنه لم يذكر مطلقا اسم بنت الأزور، وكما ذكر ابن حجر ترجمة الصحابي ضرار بن الأزور وذكر ثلاثة من إخوته الذكور من المسلمين ولم يكن بينهم أي امرأة، وقد ذكر أبو الفرج الأصبهاني صاحب كتاب الأغاني، أن هناك ست خولات، وليست بينهن خولة بنت الأزور، وكذلك، ابن قتيبة الدينوري صاحب كتاب الشعر والشعراء، وابن سلام الجمحي صاحب كتاب طبقات فحول الشعراء، وخولة بنت الأزور ليست خيالا بل هي شخصية واقعية لها بطولاتها وأعمالها، حسب المؤرخين المدافعين عن واقعية وجودها، يستندون إلى كتب تاريخ مثل كتاب الأعلام للزركلي، وكما جاء ذكرها في عدة كتب تراجم، ولكن كل أو أغلب هذه الكتب متأخرة اعتمدت على كتاب فتوح الشام للواقدي.

وقد قيل انه لما قدم على الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، كان له ألف بعير برعاتها فأخبره بما خلف، وقد كان له رضي الله عنه قصة في غاية اللطف في معركة أجنادين إذ علم القائد خالد بن الوليد بوجود مؤامرة من قبل قائد الروم وردان، لقتله عن طريق استدراجه للتفاوض ثم الهجوم عليه بمفرزة من الروم تكون كامنة في مكان مخفي، وجاء وقت المعركة واصطف الجيشان وطلب وردان، قائد الروم ان يتقدم له القائد خالد بن الوليد، فتقدم له وهجم وردان على القائد خالد بن الوليد، فصد خالد هجومه وحمل عليه وإذا بالمفرزة الرومية تأتي من خلف تلة قريبة وكان القائد خالد بن الوليد قد أوكل لضرار بن الأزور، قيادة مفرزة من جند المسلمين لتصد هجوم مفرزة وردان الغائلة، واقتربت مفرزة الروم وسيف الله خالد بن الوليد يقاتل وردان والقلق يساوره بسبب عدم ظهور ضرار وجنده حتي إذا اقترب الروم وأيقن خالد بن الوليد أنه لامحالة مقتول أو مأسور.

هنا خلع قائد المفرزة خوذته وألقى دروعه وخلع قميصه ليصبح عاري الصدر، فإذا به هو ضرار بن الأزور وقد هجم بجنده على جند الروم وقتلوهم وارتدوا زيهم لعمل مناورة لطيفة، وهنا تنفس القائد خالد بن الوليد الصعداء وحمل على وردان فأسقط سيفه وخر وردان راكعا بين يدي ابن الوليد قائلا له، سألتك الذي تعبد أن تقتلني بيدك ولا تجعل هذا الشيطان يقترب مني، فأشار سيف الله خالد بن الوليد إلى ضرار، فأطاح ضرار برقبة وردان جزاء وفاقا على كفره وخيانته، وهبطت معنويات الروم بمقتل قائدهم وهزموا في تلك المعركة هزيم ثقيلة، ولقد كان أيضا انتصار المجاهد ضرار في معركة أجنادين، كان عاملا قويا وحافزا كبيرا لجيش المسلمين من خلال رفع معنوياتهم، وفي الوقت نفسه فيها إحباط ويأس لجيش الروم، وقد أقدم ليشارك مع القائد خالد بن الوليد في معركة مرج دهشور، حيث سجل المجاهد ضرار بن الأزور انتصارا جديدا يضاف إلى سجل انتصاراته.

وقد برز ضرار كالنسر ينقض على الأعداء، وذلك بمساعدة سيف الله خالد بن الوليد، وعندها التحم الجيشان، وظهر بطريق الروم بولص أمام المجاهد ضرار وكان يود بولص أن يثأر للقائد وردان، وبدأت المعركة بينهما، وقد تمكن سيف ضرار من رقبة بولص، فنادى بولص يا خالد، دعني من هذا الجني، واقتلني أنت ولا تدعه يقتلني، فقال له خالد، هو قاتلك، وقاتل الروم، وقد هوى سيف ضرار على عنق بولص، فقطعه، وبدأ ضرار ينشد ويقول، عليك ربي في الأمور المتكل، اغفر ذنوبي إن دنا مني الأجل، وعني امح سيدي كل الذلل، أنا ضرار الفارس العزم البطل، يا رب وفقني إلى خير العمل، باعي على الأعداء أضحى المتصل، أقمع بسيفي الروم حتى يضمحل، مالي سواك في الأمور من أمل، وقد وقع المجاهد ضرار، أسيرا بيد الروم في معركة مفاجئة، وذلك عندما كان ضرار ومعه مئتان من المجاهدين العرب، يستطلعون أخبار العدو.

وإذ بكتيبة من الروم، مؤلفة من عشرة آلاف من الأعداء المدججين بالسلاح والدروع، والتحم الجيشان، وبعد قتال مرير، كبا جواد ضرار، به ووقع أسيرا بيد الروم بعد أن أحاط به خمسمائة من الروم، وأخذ ينشد ضرار وهو أسير ويقول، ألا بلغا قومي وخولة أنني، أسير رهين موثق اليد بالقيد، وحولي علوج الروم من كل كافر، وأصبحت معهم لا أعيد ولا أبدي، فلو أنني فوق المحجل راكب، وقائم حد العضب قد ملكت يدي، لأذللت جمع الروم إذلال نقمة، وأستقيم وسط الوغى أعظمه الكد، فيا قلب مت همًا وحزنًا وحسرة، ويا دمع عيني كن معينًا على خدي، فلو أن أقوامي وخولة عندنا، وألزم ما كنا على العهد، كبا بي جوادي فانتبذت على الوغى، وأصبحت بالمقدور لم أبلغن قصدي، وقد أدى نبأ وقوع المجاهد ضرار بن الأزور، أسيرا في قبضة العدو، إلى اندفاع الأبطال الميامين، أمثال رافع بن عمر الطائي، والمسيب بن نجيبه الغزاري.

ونظموا صفوفهم، بعد أن رسموا خطة وكمين على طريق معسكر الروم، واتجهوا نحو ضرار ورفاقه المحاطين من كل جوانب بالأعداء، وخاضوا معركة بطولية، هذا من جهة، ولما علمت أخت ضرار وهى السيده خولة بنت الأزور، بأسر أخيها، فقد تحركت مع كتيبة كاملة من أجل فك أسر أخيها، وقاتلت أصدق قتال، وسطرت أروع ملامح البطولة، لدرجة ظن المجاهدون أنها أحد الأبطال الفدائيين فأقسموا عليها أن تكشف لثامها، فقالت لهم أنا خولة بنت الأزور، وهذا جانب آخر، ممن أنقذوا ضرار ومن معه، من الأسر، وعندما تخلص ضرار بن الأزور، وأصحابه من الأسر، امتطى صهوة جواده ثانية، وأكمل المعركة إلى جانب رفاقه الأبطال حتى أفنوهم ورجعوا مستبشرين فرحين بنجاة ضرار، ومن معه، فأنشد بعد ذلك يقول، لك الحمد مولاي في كل ساعة، مفرج أحزاني وهمي وكربتي، فقد نلت ما أرجوه في كل راحة، وجمعت شملي ثم أبرأت علتي.

سأفني كلاب الروم في كل معرك، فذلك والرحمن أكبر همتي، فيا ويل كلب الروم إن ظفرت يدي، به سوف أصليه الحسام بنقمتي، وكان نظرا لكفاءته العالية، ولخبرته الواسعة، ولجرأته في القتال، وإرادته القوية في القتال والجهاد والفداء، فقد اختاره القائد خالد بن الوليد رضى الله عنه، أن يتولى قيادة الحرس المتحرك للالتفاف على مسيرة الروم والوصول إلى خلف وادي الرقاد، واحتلال موقع لسد الطريق عند الضفة البعيدة للوادي، حيث استطاع المجاهد ضرار بن الأزور، أن ينقذ التحرك بكفاءة عجيبة، ولاسيما من السيطرة التامة على ممر الوادي، والعمل على إبادة عدد كبير من قوات الروم في وادي الرقاد، وأيضا فقد نذر المجاهد ضرار بن الأزار، نفسه، وحمل روحه على كفه من أجل الجهاد في سبيل الله لأن الجهاد باب من أبواب الجنة، وقاتل وكان مثالا للتضحية والفداء، حتى قطعت ساقاه في معركة اليمامة، وبالرغم من ذلك، لم يتوقف عن القتال.

وتمكن من القتال، عندما تحرك على ركبتيه مناضلا بما يستطيع حتى لقي ربه شهيدا، وقد قيل عن ضرار بن الأزور، أنه توفي في طاعون عمواس ودُفن في غور الأردن في قرية ضرار، وسميت باسمه، وهذا هو الأصح انه توفي بطاعون عامواس لانه شارك في فتوح الشام تحت قيادة سيف الله المسلول خالد بن الوليد، وأمين الأمه أبوعبيدة عامر بن الجراح، وهكذا فإن الجهاد في سبيل الله من أفضل القربات، ومن أعظم الطاعات، بل هو أفضل ما تقرب به المتقربون وتنافس فيه المتنافسون بعد الفرائض، وما ذاك إلا لما يترتب عليه من نصر المؤمنين وإعلاء كلمة الدين، وقمع الكافرين والمنافقين وتسهيل انتشار الدعوة الإسلامية بين العالمين، وإخراج العباد من الظلمات إلى النور، ونشر محاسن الإسلام وأحكامه العادلة بين الخلق أجمعين، وغير ذلك من المصالح الكثيرة والعواقب الحميدة للمسلمين، وقد ورد في فضله وفضل المجاهدين من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ما يحفز الهمم العالية، ويحرك كوامن النفوس إلى المشاركة في هذا السبيل، والصدق في جهاد أعداء رب العالمين.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.