رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الخميس 25 أبريل 2024 10:56 م توقيت القاهرة

الدكرورى يكتب عن محمد نبى الرحمة

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

إن الرحمة أفضل ما تكون بالدلالة على الخير، فكم من أناس هُدوا إلى سواء السبيل، ودُلوا إلى المعلم والدليل، فأصابوا رحمة الله العظيم الجليل، ولقد أخبر النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أن الجنة فتحت أبوابها لإمرأة بَغى من بغايا بني إسرائيل، لمجرد أنها سقت كلب عطشان، فعن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن امرأة بغي رأت كلب، في يوم حار، يُطيف ببئر قد أدلع لسانه من العطش، فنزَعت له بمُوقها، أي استقت له بخُفّها، فغفر لها" رواه مسلم، فقد غفر الله تعالى، لهذه البغي ذنوبها بسبب ما فعلته من سقي هذا الكلب، وأخبر النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن النار فتحت أبوابها لامرأة حبست هرّة، لا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "عُذّبت امرأة في هرّة، لم تطعمها، ولم تسقها، ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض" رواه البخاري ومسلم.

ولقد كان النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أشد ما يكرهه منهم أن ينزلوه منزلة كسرى وقيصر فيبالغوا في تعظيمه ويشتطوا في تقديره، فقد دخل رجل على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فأصابته رعدة من هيبته فقال "هون عليك فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد" وكان صلى الله عليه وسلم، يسأل عن أخبارهم ويتفقد أحوالهم، ويدعو لغائبهم، ويزور مريضهم ويشيع جنائزهم، ويصلي عليهم، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة أقبل عليهم بوجهه فقال "هل فيكم مريضا فأعوده؟ فإن قالوا لا، قال، هل فيكم جنازة أتبعها؟ فإن قالوا لا، قال من رأى منكم رؤيا فليقصها علينا؟ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مثلي كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها.

وقد جعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها قال، فذلكم مثلي ومثلكم أنا آخذ بحجزكم عن النار، هلم عن النار، هلم عن النار فتغلبوني تقحمون فيها " رواه البخارى مسلم، وفى رواية أخرى يقول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم " إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها فجعل الرجل ينزعهن ويغلبنه يتقحمن فيها وأنا آخذ بحجزكم عن النار وهم يقتحمون فيها" رواه البخارى، فشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم تساقط العصاة في نار الآخرة بجهلهم عاقبة الشهوات بتهافت الفراش في نار الدنيا بسبب جهلها وعدم تمييزها لما تقصد إليه، فهي تعتقد نفع النار وهي سبب هلاكها، فكذلك أهل الشهوات في شهواتهم الغالبة، يعتقدون أنها نافعة وهي مضرة، والعاقل منهم الذي تحقق له أنها مضرة، لكن كان أسيرا للشهوات، فإنه لا ينفعه علمه بالضرر الذي فيها

عن أن يسلك طريق النار فيقتحم فيها اقتحام الفراشة في النار مع علمه بأن فيها هلاكه، فهذا الحديث من أجلى ما يبين رحمة النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة، كيف أنه يحرص أشد الحرص على إنجاء الناس من النار، وإنما يهلك من هلك رغما عنه صلى الله عليه وصحبه وسلم، فإذا آمن المسلم بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وجب عليه أن يطيعه، وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم، من طاعة الله، كما قال عزوجل (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا) وقد بلغ حبه لهم وشفقته عليهم أنه يرق لحالهم فيحزن قلبه وتدمع عينه وتتفطر نفسه، ففي رواية ابن عمر رضي الله عنهما قال اشتكى سعد بن عبادة شكوى له فأتاه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود، فلما دخل عليه فوجده في غاشية أهله قال، قد قضى، أي مات؟

قالوا، لا يا رسول الله، فبكى النبي صلى الله عليه وسلم ولما رأى القوم بكاء النبي بكوا، فقال ألا تسمعون؟ إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا وأشار بيده إلى لسانه" وكان صلى الله عليه وسلم، يعلم الجاهل منهم ويرشده بحب ويهديه بلطف ويلتمس له العذر، وكان أبعد ما يكون عن الأخذ بالعقوبة، فعن معاوية بن الحكم السلمي، رضي الله عنه، قال بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل فقلت يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت، وا ثكل أماه ما شأنكم تنظرون إليّ؟ فجعلوا يضربون على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت فما لامني صلى الله عليه وسلم، بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله ما كهرني، أي انتهرني، ولا ضربني، ولا شتمني، قال صلى الله عليه وسلم "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير، وقراءة القرآن"

وإن رحمة الله تعالى بالخلق ظهرت رحمة في قلب النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، للخلق، لذلك قال العلماء، إن أرحم الخلق بالخلق هو النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فهو أرحم بنا من أنفسنا، ولكن رحمة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ليست رحمة الضعفاء البائسين فقط ولكنها رحمة الأقوياء الباذلين أيضا، ويقول الله عز وجل فى الحديث القدسى إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي، وهو الشيء الذي يتميز به المؤمن تميزا صارخا الرحمة في قلبه، وهى الرحمة التي اشتقها من الله عز وجل من خلال اتصاله به، وإن علامة إيمانك أن ترحم الخلق، وإن علامة إسلامك أن تكون وقافا عند حدود الله تعالى، لإغن الفرق كبير بين المؤمن وغير المؤمن، فإن المؤمن يرحم والكافر يقتل، ويتلذذ إذا رأى مصائب الآخرين، ويتلذذ بقتلهم وإفقارهم وإذلالهم بينما المؤمن يتقطع قلبه رحمة بالخلق، لذلك فإن كان لك اتصال بالله تعالى ففي قلبك رحمة.

وإن كان هناك انقطاع عن الله فالقلب قاس، فهكذا كان النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، هو نبى الرحمه فما رد سائلا يوما، وما كسر قلب فقير قصده رغم حاجته، وضيق يده، وكان يرى في نفسه أن غيره أحوج إلى ما في يده منه، فـعن سهل بن سعد رضي الله عنه "أن امرأةً جاءت إلى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ببردة منسوجة فقالت، نسجتها بيدي لأكسوكها، فأخذها النبي الكريم محمد صلى الله محتاجا إليها، فخرج إلينا وأنها إزاره، فقال فلان، إكسينيها ما أحسنها، فقال نعم، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم في المجلس ثم رجع فطواها فأرسل بها إليه، فقال القوم للرجل ما أحسنت، لبسها النبي صلى الله عليه وسلم، محتاجا إليها ثم سألته، وعلمت أنه لا يرد سائلا، فقال والله ما سألته لألبسها، وإنما سألته لتكون كفنا لي" وقال سهل راوي الحديث "فكانت كفنه" وكان النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يقبل تصرفات أصحابه، ويغض الطرف عن الشاذ منهم.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم ما يملأ عليه حياته، ويشغل باله الأمر الذي بعثه الله تعالى من أجله وهو هداية الناس، واستنقاذ نفوسهم من النار فكان لا يبالي في تحقيق هدفه وتبليغ رسالته، وأداء أمانته أن ينفق ماله كله ليكسب قلب إنسان ويستحوذ على حبه، فكان المال في يده يستميل به النفوس الشاردة ويستل به سخيمة القلوب الحاقدة، فعن ابن شهاب، رضي الله عنه قال "غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة وذكر خيلنا، قال، فأعطى الرسول صلى الله عليه وسلم، صفوان بن أمية بن خلف مائة من النعم ثم مائة ثم مائة فقال صفوان، والله لقد أعطاني ما أعطاني، وإنه لأبغض الخلق إلي فما زال يعطيني حتى أنه لأحب الخلق إلي" وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعظم الناس خُلقا، وقد شهد الله تعالى، بذلك في كتابه الكريم، فقال تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم ) وكان من صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم، التواضع، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبعد الناس عن الكبر، فقد كان يجيب دعوة من دعاه، ويعود المريض، سواء كان حرا أم عبدا، غنيا أم فقيرا.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.