رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الجمعة 19 أبريل 2024 2:30 ص توقيت القاهرة

الدكرورى يكتب عن مكارم الأخلاق وبناء الحضارات " الجزء الثامن "

إعداد / محمـــد الدكـــروى

ونكمل الجزء الثامن مع مكارم الأخلاق وبناء الحضارات، وإن الله سبحانه وتعالى قد بعث رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يدعو إلى ذلك كما في الحديث الصحيح وهو قوله صلى الله عليه وسلم" إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق" وفي اللفظ الآخر "لأتمم مكارم الأخلاق" فبعثه الله تعالى ليدعو الناس لمكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، وأساسها توحيد الله والإخلاص له هذا هو أصل الأخلاق الكريمة وأساسها وأعظمها وأوجبها وهو توحيد الله والإخلاص له وترك الإشراك به، ثم يلي ذلك الصلوات الخمس فهي أعظم الأخلاق وأهمها بعد التوحيد وترك الإشراك بالله سبحانه وتعالى، وقد وصف الله سبحانه وتعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأنه على خلق عظيم فقال عز وجل فى كتابه الكريم " وإنك لعلى خلق عظيم" وخلقه صلى الله عليه وسلم هو اتباع القرآن والسير على منهج القرآن فعلا للأوامر وتركا للنواهي، وهذا هو خلقه الكريم صلى الله عليه وسلم، كما قالت أم المؤمنين رضي الله عنها السيدة عائشة لما سئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت " كان خلقه القرآن والمعنى أنه كان صلى الله عليه وسلم يعمل بأوامر القرآن الكريم وينتهي عن نواهي القرآن ويسير على المنهج الذي رحمه القرآن صلى الله عليه وسلم، فهذا هو الخلق العظيم الذي أعطاه الله تعالى نبيه وهو الامتثال لأوامر الله وترك نواهيه والاستقامة على الأخلاق والأعمال التي يحبها ويرضاها سبحانه وتعالى، ومن تدبر القرآن الكريم واعتنى به وكثر من تلاوته يريد فهم هذه الأخلاق ويريد العلم بها وجد ذلك.

فيقول الله سبحانه وتعالى " كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب " ويقول سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة الإسراء " إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا " ويقول الله تعالى " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " ويقول الله تعالى " وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون " ويقول الله سبحانه وتعالى " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين " فهذا الكتاب العظيم فيه بيان الأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة ، وبيان الأخلاق الذميمة والأعمال السيئة ليحذرها المؤمن ويحذرها إخوانه المسلمين ، وليحذر أعمال الكافرين والمنافقين والفجار والمجرمين، لأن الله سبحانه بينها ليحذرها عباده المؤمنون، كما بين الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة ليأخذ بها المؤمنون وليستقيموا عليها، فعلينا جميعا رجالا ونساء أن نتدبر كتاب الله وأن نتعقل كتاب الله في جميع الأوقات ليلا ونهارا حتى نعرف هذه الصفات وهذه الأخلاق التي يحبها سبحانه ويرضاها، وحتى نعرف الصفات والأخلاق التي يذمها ويعيبها وينهى عنها، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بعثه الله مبينا في أعماله وأقواله وسيرته الحميدة كل ما يحبه الله ويرضاه، وناهيا عن كل ما يبغضه ويباعد عن رحمته كما قال تعالى " وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون " وقال سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم " وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذى اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون"

فرسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يبين لنا الأخلاق والصفات التي يرضاها ربنا والتي أمرنا بها سبحانه وتعالى، ويبين لنا أيضا بتفسيره وسنته ما قد يخفى علينا من الأخلاق والأعمال التي ذمها وعابها سبحانه وتعالى، ومن ذلك ما بينه سبحانه وتعالى في سورة الفاتحة فإنه أنزلها ليستقيم عليها المؤمنون ويعملوا بمقتضاها وهي أم القرآن فعلمهم كيف يحمدونه ويثنون عليه ويطلبون منه الهداية سبحانه وتعالى، وهذه من الأخلاق العظيمة أن تكثر الثناء على ربك وتحمده، وأن تعترف بأنك عبده وأنه معبودك الحق وأنه المستعان هذا من الأخلاق العظيمة وأن تطلب منه الهداية والتوفيق قال تعالى "الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين " وهى تعليما لعباده سبحانه أن يثنوا عليه بهذه الأسماء العظيمة ويقول بعد هذا " إياك نعبد وإياك نستعين إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين" وقال الله عز وجل لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين" يعني الفاتحة سماها صلاة لأنها ركن الصلاة " فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال الله حمدني عبدي وإذا قال الرحمن الرحيم قال الله أثنى علي عبدي وإذا قال مالك يوم الدين قال الله مجدني عبدي" لأن التمجيد كثرة الثناء "وإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال الله سبحانه هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل" فإياك نعبد حق الله، وإياك نستعين حاجة العبد ومطلوبه أن يستعين بربه لأنه المستعان سبحانه وتعالى المالك لكل شيء عز وجل القادر على كل شيء.

فيستعين به العبد في عبادته وطاعته وترك معصيته، ويستعين به أيضا في أموره الخاصة من أمور الدنيا كما في حديث ابن عباس رضى الله عنهما قال رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، "فإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله" فربك هو المستعان وهو المعبود بالحق ، فيعلمك سبحانه وتعالى أن تقول " إياك نعبد وإياك نستعين" وهذا بينك وبين ربك، إياك نعبد حقه عليك، وإياك نستعين حاجتك إليه تستعين بربك على أمر دينك ودنياك، فعبادته وحده هي أعظم الأخلاق أن تعبده وحده وتخصه بالعبادة، لا تعبد معه ملكا ولا نبيا ولا وليا ولا صنما ولا شجرا ولا كوكبا ولا غير ذلك، تعبده وحده سبحانه وتعالى كما قال عز وجل فى كتابه الكريم " وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم" وقال سبحانه وتعالى " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه " وقال تعالى " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء" وهو المعبود بالحق عز وجل كما قال سبحانه وتعالى" ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل " وهذه العبادة هي أعظم الواجبات وأعظم الحقوق وأعظم الأخلاق أن تعبده وحده أينما كنت في الشدة والرخاء في الصحة والمرض في السفر والإقامة حتى تلقى ربك لا تصل إلا له ولا تدع إلا إياه، ولا تستغيث إلا به ولا تذبح إلا له، ولا تنذر إلا له، ولا تتصدق إلا له، تقصد بأعمالك كلها وجهه سبحانه وتعالى دون كل من سواه، لأن العبادات كلها يجب أن تكون لله وحده، وكل العبادات التي أمر الله بها وشرعها لنا يجب أن تكون لله وحده، فلا يستغاث بالأموات ولا ينذر لهم.

ولا يطلب منهم النصر على الأعداء ولا شفاء المرضى، ولا يطلب من الأنبياء ولا من الكواكب ولا من الملائكة ولا من الجن ولا من غير ذلك، وكل هذا يختص بالله وحده سبحانه فهو الذي يدعى ويرجى ويسأل سبحانه وتعالى، أما المخلوق الحي فلا بأس أن يسأل فيما يقدر عليه فيما يجيزه شرع الله المطهر بينك وبينه، كما قال الله في قصة نبيه موسى عليه السلام " فاستغاثه الذى من شيعته على الذى من عدوه" وقال تعالى " فخرج منها خائف يترقب" فلا بأس في الأشياء الحسية الدنيوية أن تخشى اللص والسراق فتغلق بابك أو تجعل عليه حراسة خوفا من شرهم كما قال تعالى عن موسى عليه السلام" فخرج منها خائف يترقب" أى خرج من مصر خائفا يترقب من شر الفراعنة وهذا من الأسباب الحسية التي شرعها الله لعباده، وهكذا قول الله سبحانه وتعالى" فاستغاثه الذى من شيعته على الذى من عدوه" والمعنى أنه استغاثه الإسرائيلي على القبطي فأغاثه نبى الله موسى عليه السلام لأنه حي موجود قادر على المطلوب، فإذا قلت لصاحبك يا فلان أعني على إصلاح سيارتي، وهو حاضر يسمعك فلا بأس بذلك فليس هذا من العبادة، وهكذا لو قلت يا أخي أقرضني كذا وكذا من المال أو ساعدني على بناء هذا البيت وهو من خواص إخوانك القادرين تطلب منه المساعدة في شيء يقدر، عليه فهذا ليس من العبادة أيضا ولا بأس به في الحدود الشرعية، أما أن تأتي لميت فتقول يا فلان أو يا سيدي فلان انصرني أو اشف مريضي أو نحو ذلك فهذا شرك أكبر، أو تطلب من الجن أن يغيثوك ويمنعوك من عدوك.

أو تطلب من الملائكة أو من الأنبياء الذين قد ماتوا فهذا من الشرك الأكبر، أو تدعو الشمس أو القمر أو النجوم وتسألها النصر أو الغوث على الأعداء وما أشبه ذلك فكل هذا من الشرك الأكبر المخالف لما بينه الله تعالى في قوله سبحانه وتعالى " إياك نعبد وإياك نستعين" وهذا هو توحيد الله تعالى وهذا هو الخلق العظيم خلق الرسل وأتباعهم توحيد الله والإخلاص له دون كل ما سواه سبحانه وتعالى، وهكذا طلب الهداية تطلب من ربك الهداية فأنت في حاجة إلى الهداية ولو كنت أتقى الناس ولو كنت أعلم الناس، أنت في حاجة إلى الهداية حتى تموت ولهذا علمنا سبحانه وتعالى في الفاتحة أن نقول في كل ركعة "اهدنا الصراط المستقيم " في اليوم والليلة سبع عشرة مرة في الفريضة غير النافلة " اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم " وكان النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعلم الناس وأكمل الناس هداية صلى الله عليه وسلم ومع هذا يقول في استفتاحه في الصلاة " اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراطك المستقيم" فهو صلى الله عليه وسلم يطلب من ربه الهداية وهو سيد ولد آدم قد هداه الله وأعطاه كل خير، ومع هذا يطلب صلى الله عليه وسلم من ربه الهداية فإننا كلنا في حاجة إلى الهداية العالم والمتعلم والعامة والخاصة والرجال والنساء كلنا في حاجة إلى الهداية ولهذا شرع الله تعالى لنا أن نقول" اهدنا الصراط المستقيم"

وإن المعنى دلنا على الخير وأرشدنا إليه وثبتنا عليه، والصراط المستقيم هو دين الله عز وجل وهو القرآن والسنة ويعني ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليهوسلم، فهذا هو الصراط المستقيم وهو الإسلام وهو الإيمان والبر والتقى وهو دين الله، وتطلب من ربك الهداية لهذا الصراط أن تستقيم عليه وأن يثبتك عليه حتى تموت وأنت على هذا الصراط وهو صراط المنعم عليهم من الرسل وأتباعهم وهو الصراط الذي استقاموا عليه وساروا عليه فقال تعالى " ومن يطع الله ورسوله فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا" ثم يقول الله تعالى " غير المغضوب عليهم ولا الضالين" والمعنى أنك تسأله أن يجنبك طريق هؤلاء المغضوب عليهم والضالين، والمغضوب عليهم هم الذين عرفوا الحق ولم يعملوا به وهم اليهود وأشباههم، والضالون هم الجهال الذين يتعبدون على غير علم وهم النصارى وأشباههم، وأيضا تسأل الله تعالى أن يجنبك طريق هؤلاء وهؤلاء، وأن يهديك طريق المنعم عليهم وهم الرسل وأتباعهم أهل العلم والعمل الذين عرفوا الحق وعملوا به هؤلاء هم أهل الصراط المستقيم، وتسأل الله تعالى أن يهديك طريقهم وأن يمنحك العلم النافع والعمل الصالح حتى تستقيم، وهذا كله من الأخلاق العظيمة، وقال الله تعالى فى أول سورة البقرة " ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون"

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.