رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الثلاثاء 7 مايو 2024 5:15 م توقيت القاهرة

الدكرورى يكتب عن نبى الله يعقوب " الجزء الأول "--

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

إن الأنبياء والرسل كلهم صادقون مرسلون من عند الله عز وجل، والمؤمنون يؤمنون بأن الله واحد أحد، ويصدقون بجميع الأنبياء والرسل والكتب المنزلة من السماء على عباد الله المرسلين والأنبياء ولا يفرقون بين أحد منهم فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض بل الجميع عندهم صادقون راشدون وإن كان بعضهم ينسخ شريعة بعض بإذن الله تعالى حتى نسخ الجميع بشرع الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقال الله تعالى فى كتابه الكريم فى سورة البقرة " كل آمن بالله وملائكته ورسله لا نفرق بين أحد من رسله " فلا فرق بين رسول الله تعالى والأنبياء والمرسلين من قبله في صدقهم ورسالتهم وبعثهم، وإنما الفرق من ثلاثة وجوه وهي أدلة ختم النبوة والرسالة فلا نبوة بعد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، ولا رسالة، فالأنبياء والرسل جاءوا لهداية البشرية في أطوارها المختلفة وذلك شبيه بأساتذة المراحل التعليمية فالجميع معلمون والكل يكمل بعضهم بعضا في تلبية حاجة العقل البشري بمراحله حتى انتهى الأمر ببعثة المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، الذي جمع الكمالات الإنسانية والمنهج الكامل المحفوظ، فقال تعالى فى سورة فاطر " وإن من أمة إلا خلا فيها نذير " ولو أوكل الله تعالى البشرية إلى عقولها لضلت.

ولما كان الله سبحانه أرحم بعبيده من عبيده بأنفسهم اجتبى من البشر رسلا وأنبياء يبلغون وحي الله إلى الناس ويعطون الصورة العملية للالتزام فهم القدوة والمثل، وإن الإيمان بالأنبياء والرسل من أركان الإيمان، أي إن من جحد نبيا من الأنبياء، أو من كفر بنبى من الأنبياء، أو بهم جميعا، فهو ليس من أهل الإيمان، وإن الإيمان بالرسل يُشعر بالطمأنينة في القلب، ويبعث على التوازن بين الدين والدنيا، ومآل ذلك خيرية الدارين، وصلاح الأمرين، أمر الدنيا، وأمر الآخرة، وفساد الإيمان بهم فساد للروح ولعنة للجسد، وإن الإيمان بالرسل ركن من أركان الإيمان فلا يصح إيمان عبد حتى يؤمن بجميع أنبياء الله ورسله فمن آمن ببعض وكفر ببعض فهو كافر بالله وبجميع رسله فقال تعالى " إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا، أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا، والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما " وإن من حقوق الرسل والأنبياء علينا بعد حق الإيمان بهم أن نحبهم في الله وأن نوقرهم ونجلهم ونعظمهم دون غلو في أحد منهم فلا يدعى لأحد منهم علم الغيب.

ولا التصرف في شيء من الكون ولا تصرف لهم شيء من العبادة فلا يدعون ولا يستغاث بهم ولا تقرّب إليهم النذور لأن الله تعالى نهى أن يعبد معه أحد سواه ولو كان نبيا رسولا، ولقد اختار الله تعالى الأنبياء والمرسلين، وفضلهم على العالمين، وجعلهم أئمة هدى للعابدين، فقال عز وجل " وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا" وذلك ليقتدي الناس بهم، ويهتدوا بسيرتهم، وقال سبحانه وتعالى " أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده" ومن هؤلاء الأنبياء، والصفوة الأتقياء هو نبي الله يعقوب عليه السلام، الذي نشأ في بيت علم وحكمة، وتلقى فيه قبسات النبوة، فهو النبي ابن النبي ابن النبي، يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن، عليهم السلام أجمعين، ونبى الله يعقوب ابن إسحاق بن إبراهيم وهو أحد الأنبياء المذكورين في التوراة والقرآن، وبحسب بعض الروايات و‌الآيات القرآنية فإن يعقوب كان على دين جده الخليل إبراهيم عليهم السلام وكذلك كان أبناءه من بعده، وقد ذكرت الروايات التاريخية أنه ولد وعاش فترة من الزمن في أرض كنعان، ومن ثم ارتحل إلى أرض حرّان وتزوج هناك من ابنتي خاله، كان له كذلك جاريتان، وبعد مدة من الزمن عاد هو وأولاده ومن بقي من زوجاته إلى أرض كنعان، ثم ارتحل في آخر حياته إلى مصر، وعاش هناك حتى وفاته، وكانت وصيته أن يُدفن عند والده إسحاق وجدّه إبراهيم عليهم السلام في أرض كنعان.

وقد أثنى الله تعالى عليهم في القرآن الكريم، فقال عز وجل " واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار، إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار، وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار" وكما مدح الله تعالى يعقوب عليه السلام، بالعلم الذي آتاه الله إياه، فقال سبحانه وتعالى " وإنه لذو علم لما علمناه " فلنأخذ قبسا من فيض علمه وحكمته، وقيمه الإيمانية والتربوية، التي نشأ عليها أبناءه، ولقد أمضى نبى الله يعقوب عليه السلام حياته في طاعة ربه، ودعوة قومه، وتربية أبنائه، فلم يترك نصيحة إلا أداها لهم، ولم يدخرها عنهم، فغرس قيم الإيمان في نفوسهم، وأكد على توثيق صلتهم بربهم، قائلا لهم " يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون " وحرص عليه السلام على أن يستمروا في طاعة الله تعالى من بعده، فقال لهم " ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون " وعزز عليه السلام في قلوبهم صدق التوكل على الله تعالى، لذلك قال لهم " إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون" أي به وثقت أن يحفظكم، ويحميكم ويرعاكم، فمن توكل على الله كفاه كل ما أهمه، ولقد قال الله تعالى " ومن يتوكل على الله فهو حسبه " .

وكما غرس نبى الله يعقوب عليه السلام في نفوس أبنائه الثقة بالله تعالى، والتمسك بالأمل والتفاؤل، فإنه قال لبنيه " ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون " فأمرهم ألا يقطعوا رجاءهم وأملهم من الله، فما أعظم الأمل تنال به المطالب، ويثمر كل خير، ولقد مد يعقوب عليه السلام جسور الثقة بينه وبين أولاده، فعندما رأى يوسف عليه السلام رؤياه، ما وجد أقرب إلى قلبه من أبيه ليقصها عليه، فقال " يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين " وهكذا يجب أن تكون العلاقة بين الابن وأبيه، قائمة على الثقة المتبادلة، والحوار البناء، ولما استمع يعقوب إلى رؤيا ابنه يوسف عليهما السلام، خشي تسلل الحسد إلى نفوس إخوته، وأن يوقع الشيطان العداوة بينهم، فقال " يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين " فالأب الواعي الحكيم ينصح أبناءه بما ينفعهم، ويؤلف بين قلوبهم، ويزرع المحبة بينهم، ويجنبهم أسباب الخلاف، فيغلق على الشيطان سبله ومنافذه، ليكونوا أسرة واحدة، مترابطة متماسكة، ولقد كان يعقوب عليه السلام حريصا على سلامة أبنائه، يبعدهم عن كل ما يضرهم، فحين أرادوا السفر ودعهم بوصية غالية، ونصيحة ثمينة.

" وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة " فإنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة وخشي أن تصيبهم العين، وهذا من علمه وحكمته عليه السلام، فليحرص الآباء على سلامة أبنائهم، ويحصنوهم من الحسد، ويعوذوهم بالله تعالى من العين، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " استعيذوا بالله، فإن العين حق " ويعلمنا نبى الله يعقوب عليه السلام، أن معالجة أخطاء الأبناء تحتاج إلى صبر وحكمة، فعندما نزغ الشيطان بين يوسف عليه السلام وإخوته، كان يعقوب عليه السلام حليما مع أبنائه، حكيما في تعامله معهم، صبورا على تربيتهم، فلم يزجرهم ولم يعنفهم، مع علمه بسوء صنيعهم، وإنما بين لهم خطأهم، وعظم ما فعلوه، فقال لهم " بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون " وظل يعقوب عليه السلام مع غياب ابنه الآخر ثابتا على صبره، راضيا بقضاء الله وقدره، لم تتزعزع في الله ثقته، ولم ينقطع فيه أمله، فقال لأبنائه " فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم" وهو عليه السلام يغرس بذلك في نفوسهم قيمة الصبر والتحمل، فما أجمل الصبر يستعان به على الشدائد، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ومن يصبر يصبره الله، وما أعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصبر"

ولقد صبر نبى الله يعقوب عليه السلام على أبنائه مدة طويلة حتى فاز بمقصوده، وأسعد الله قلبه باجتماع بنيه، فإن الصبر مفتاح الفرج، وتعلمنا قصة نبى الله يعقوب عليه السلام، أن الصبر على تربية الأبناء، وحسن التعامل معهم يثمر كل خير، فقد من الله تعالى على يعقوب عليه السلام باجتماع أبنائه، والتأليف بين قلوبهم، فندموا على فعلهم، وأقروا بخطئهم، فقال الله تعالى " قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين " فما كان منه عليه السلام إلا أن قال لهم " سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم " فلم يكتف عليه السلام بالعفو والصفح عنهم، بل وعدهم أن يسأل الله تعالى لهم المغفرة، ليعلم الآباء أن يعفوا ويصفحوا عن أبنائهم، ويدعوا لهم بالخير، ويتجنبوا الدعاء عليهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم " فهل نتأمل هذه الفوائد الغالية؟ ونربي أبناءنا على هذه القيم الفاضلة؟ ولقد ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، قصص الأنبياء، وسيرة المرسلين، لنستخلص منها الدروس ولنستلهم منها العبر، ولنتفكر في أمرهم، ونقتدي بأفعالهم وأقوالهم، فالعاقل من وعظ بغيره.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.