رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الأربعاء 8 مايو 2024 3:50 ص توقيت القاهرة

الدكرورى يكتب عن نبى الله يعقوب " الجزء الثانى "

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثانى مع نبى الله يعقوب عليه السلام، ونبى الله يعقوب هو أحد أنبياء بني إسرائيل، وقد عرف بالسماحة وحسن الخلق والصبر ورسوخ الإيمان بالله، كثير البكاء حتى صار من جملة بكائي التأريخ، وكان عبرانيا، ونبوته كانت في فلسطين، وكانت بعثته في زمان واحد مع إبراهيم الخليل وإسحاق وإسماعيل ولوط عليهم السلام، وكان أبوه يميل إليه اكثر من أخيه عيص ويدعو له، والنبى يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وكان اسمه إسرائيل، وكان نبيا إلى قومه، والنبي يعقوب عليه السلام، ابن النبى اسحاق ابن النبي إبراهيم عليهم السلام، وهو أحد الأنبياء الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن الكريم، كما وأخبر القرآن الكريم أن يعقوب عليه السلام، كان من أهل العمل الصالح، والعلم النافع، وهو أبو النبي يوسف عليه السلام، وقد ورد اسم يعقوب عليه السلام في القرآن الكريم ست عشر مرة، ومنها قوله تعالى " ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنى إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وانتم مسلمون " وقد كان لنبى الله يعقوب عليه السلام، اثنا عشر ابنا ذكرا، وبنت واحدة، وأبناؤه هم بنو إسرائيل، ولقد عاش نبى الله يعقوب عليه السلام سنوات من الحزن والأسى وقال بعض المفسرين، إنها أربعون سنة، ومع هذا لم تُسمع منه كلمة تضجر أو تسخط.

إنما بث حزنه وشكواه إلى الله، فدعا الله تعالى ويقول " إنما أشكو بثى وحزنى إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون " أي لا أظهر عظيم حزني إلا لله وحده فهو الذي تنفع الشكوى إليه، وهو كاشف الضر والبلاء، وأعلم من رحمة الله وفرجه ما لا تعلمونه، وهكذا شأن المؤمن الصبر، وشأنه الأكمل أن يرضى عن الله عز وجل، ويعلم أن خيرة الله خير مِن خيرته لنفسه، وكان من دعاء نبى الله يعقوب عليه السلام " قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا، فصبر جميل عسى الله أن يأتينى بهم جميعا، إنه هو العليم الحكيم " وبهذا الدعاء لما رجع أبناؤه إليه، وأخبروه أن أخاهم بنيامين قد سرق، فقال صبري على ما نالني من فقد ولدي، صبر جميل لا جزع فيه ولا شكاية، عسى الله أن يأتيني بأولادي جميعا فيردهم عليّ، إنه هو العليم بوحدتي، وإنه تعالى الحكيم في تدبيره خلقه، وقد رُوي أنه من دعاء نبى الله يعقوب عليه السلام "يا رب أما ترحم ضعفي، أما ترحم شيبتي، أما ترحم كبر سني، أما ترحم ذلتي، أما ترحم فقري، فأوحى الله له قال " يا يعقوب، وعزتي وجلالي وارتفاعي على خلقِي، لو كان يوسف ميتا لأحييته لك" وهذا الحديث يروى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قَال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فأتاه جبريل فقال، يا يعقوب إن الله يقرئك السلام.

ويقول لك " أما تستحى أن تشكو إلى غيرى؟ فقال يعقوب، إنما أشكو بثى وحزنى إلى الله، فقال جبريل عليه السلام، الله أعلم بما تشكو يا يعقوب، ثم قال يعقوب عليه السلام، أى ربى أما ترحم الشيخ الكبير؟ أذهبت بصرى وقوست ظهرى فأردد على ريحانتى أشمه شمة قبل الموت ثم اصنع بى يا رب ما شئت، فأتاه جبريل عليه السلام فقال، يا يعقوب إن الله يقرئك السلام، ويقول لك " أبشر وليفرح قلبك فوعزتى لو كانا ميتين لنشرتهما لك " ولكن قيل أن هذا حديث موضوع مكذوب لا صحة له، ولا يجوز نسبته لنبى الله يعقوب عليه السلام، ولا الدعاء به، والنبى يعقوب عليه السلام، هو أبو الأسباط الاثنى عشر، وإليه ينسب شعب بنى إسرائيل، وقد وصف النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، النبي يعقوب بأنه الكريم، وأدرجه في سلسلة آبائه الأنبياء الكرام إبراهيم وإسحاق عليهما السلام، فعن ابن عباس رضى الله عنهما قال، أن النبى الكيم محمد صلى الله عليه وسلم قال " الكريم ابن الكريم ابن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن اسحقاق بن ابراهيم عليهم السلام " رواه البخارى، وهكذا فقد أطلق القرآن الكريم على يعقوب عليه السلام اسم إسرائيل، وقد جاء ذلك في موضعين فى كتاب الله عز وجل فأحدهما فى قوله تبارك وتعالى فى سورة آل عمران

" كل الطعام كان حلا لبنى إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراه قل فأتوا بالتوراه فاتلوها إن كنتم صادقين " وأما عن الموضع الثانى فكان فى قوله سبحانه وتعالى فى سورة مريم " أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا وأجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا" وإن معنى إسرائيل في اللغة العبرية هو روح الله، أو عبدالله، أو صفى الله، وقد حفل القرآن الكريم بالعديد من الآيات التي تخاطب ذرية إسرائيل عليه السلام، حيث ورد هذا الخطاب في نحو أربعين موضعا في القرآن الكريم، نحو قوله تعالى فى سورة البقرة " يا بنى إسرائيل اذكروا نعمتى التى أنعمت عليكم وأوفوا بعهدى أوف بعهدكم وإياى فارهبون " وقال ابن قتيبة في كتاب المعارف، بأنه قد تزوج نبى الله إسحاق عليه السلام رفقا بنت نامور، وهي بنت عمه، فولدت له عيصو ويعقوب توأمين، ولما تقدم بإسحاق السن ورق جلده شكا يعقوب عليه السلام، أخاه عيصو إلى والده، وقال يا أبت، إني أشكو إليك عيصو أخي، وأستنصرك على توعده وتهديده، فإنه منذ رفعتني بعين رعايتك ودعوت لآلي بالبركة وتنبأت لي بنسل طيب وملك موروث وعيش لين.

فحسدني لهذه الدعوات وحقد علي، وأنكر العلامة التي توسمتها فيّ، فراح ينالني بقارص كلامه، ويتوعدني ويهددني، حتى زال ما بيني وبينه من ود، وتقطع ما كان يجمعنا من رحم، ثم هو فوق ذلك كله يفاخرني بامرأتيه هاتين اللتين تزوج بهما من كنعان، ويكاثرني بما يرتقبه من أولاد يضيقون عليّ الرزق، ويزحمونني بمناكبهم في الحياة، وقد شكوت إليك لتحكم بيني وبينه بما وهبك الله من رأي حكيم وحلم راجح، فقال نبى الله إسحاق عليه السلام وقد أهمه ما رأى من القطيعة بين الأخوين، يا بني إنني كما ترى من هذه اللمة البيضاء ومعنى اللمة هو الشعر الذي يجاوز شحمة الأذن، والجبين المتغضن، والظهر المتقوس، أصبحت شيخا متهدما، خذلتني قوتي، ووقفت بي الأيام على ثنية الوادع، وإنه يوشك أن يوفيني الأجل ويقطع ما بيني وبين الحياة من أسباب، ولا آمن عليك بعدي، أن يعالنك، أي يصارحك أخوك بالعداوة، ويحسر لك اللثام عن بطش وكيد، وهو في منعة من شدة أسره، وهو الخلق القوي، وقوة خلقه، وفي حرز من أصهاره وذوي قرباه، وما أرى إلا أن تزمع رحيلا إلى فدان آرام من أرض العراق، حيث خالك لابان بن بتويل، فابن على إحدى بناته، أي تزوجها، فإنك تنال العز والشرف والمجد والمنعة، ثم عُد بعدها إلى هذه الأرض.

وإنني لأرجو لك عيشا أخفض من عيش أخيك، أي أفضل، ونسلا طاهرا خيرا من نسله وولده، والله يكلؤك بعينه ويحفظك برعايته، فكانت هذه الكلمات وقعت في نفس نبى الله يعقوب عليه السلام، من أبيه إسحاق عليه السلام، أندى من الماء البارد على فؤاد مُحتر، وجد فيها متنفسا لصدره، ونزعت نفسه إلى منبت الأهل وبلد الآباء والأجداد، فاستودع أبويه بدموع ثخينة، وشيعاه بدعوات طيبة كريمة، وخرج مخترقا الصحراء، مسريا بالليل سائرا بالنهار، يرفعه نجد ويخفضه وخد، ولقاء خاله نصب عينيه، وكلمات أبيه ملء سمعه وبصره، وعناية الله ترمقه وترعاه، وكان كلما أتبعه السير وأضناه بُعد الشقة، تذكر الأمل الذي يرجوه والخير الذي يرتقبه، فيسهل الحزن وينقاد السير، وقد طلع يوم تحرقت سمائمه الريح الحارة، وهبت سوافيه ذرات الرمل، ورمت الشمس الأرض بسهامها المحماة، فشق على يعقوب السير، وبعدت أمامه الشقة، وتلفّت أمامه فإذا بصحراء ممتدة إلى حيث ينتهي البصر، ورمال لا معالم بها، فأدركه السأم، وأحس بالتعب، ووقف ساعة بين الإحجام والإقدام، أيواصل السير أم يؤثر العافية والراحة على هذا السفر الشاق ويقنع من الغنيمة بالإيمان؟ وفيما هو يفكر لمح صخرة تكتنف ظلا، فدلف إليها ليجلس ساعة.

يريح فيها جسمه ويبرد قدميه، وما أسند ظهره إلى الصخرة حتى أدركته سِنة فنام، ورأى في نومه رؤيا صالحة شدت من أزره، ورأى أن الله سيؤتيه عيشا رضيا، ويمنحه ملكا واسعا، ويرزقه نسلا طيبا مباركا يورثهم الأرض ويعلمهم الكتاب، فقام من نومه منشرح الصدر وقد انفسحت أمامه رقعة الأمل، إذ رأى تعزيزا لنبوءة أبيه، وبشيرا بتحقيق أمانيه، وانطلق يعدو كالسهم مستأنفا السير بعزم جديد، وبعد أن قضى أياما يطوي فيها الأرض، أشرف على سواد رآه فعقد به حبل الأمل والرجاء، أن يكون هذا موطن خاله لابان، وخف مسرعا، فوجد أن رجاءه لم يخب، فاستراحت نفسه، ورأى أغناما وطيورا وشجرا ورعاة، بعد أن فارق الصحراء ووصل إلى أرض نبى الله إبراهيم عليه السلام، التي بدأت فيها رسالته، وفي أرض خاله غايته التي يرجوها، والتي قطع في سبيلها الصحاري والقفار، ساجدا شاكرا وحامدا، ومعترفا بتوفيقه وهدايته، فلما وصل يعقوب الغريب سأل الناس متلطفا، أفيكم من يعرف لابان بن بتويل؟ فقالوا له، ومن منا لا يعرف لابان صهر إسحاق الرسول؟ إنه عميد بيئته، وشهاب قومه، وصاحب هذه القطعان التي تسيل بها هذه البطاح، فطلب من يرشده إلى مكانه، فإذا بنته راحيل مقبلة تغدو، فرحبت به وانطلقت معه إلى منزل والدها.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.