رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الجمعة 26 أبريل 2024 6:17 ص توقيت القاهرة

رمضان .. والتدين الظاهري

دكتور

حسين علي

أستاذ المنطق وفلسفة العلوم بآداب عين شمس يكتب....

شهر رمضان له عبق خاص يميزه عن كل شهور السنة، يكفي أنه الشهر الذي أُنزِلَ فيه القرآن. والمسلمون يحتفون في كل بقاع الدنيا بقدوم هذا الشهر احتفاءً كبيرًا، غير أن احتفاء المصريين واحتفالهم به يتخذ أشكالاً عجيبة وغريبة، سر غرابتها أنها تنطوي على تناقضات ومفارقات فجة، منها على سبيل الدلالة لا الحصر أن غالبية المصريين يتأهبون لاستقبال الشهر بتوفير ما لذ وطاب من المأكولات والمشروبات وبكميات كبيرة ترهق البطن والجيب، رغم أن جوهر فريضة الصوم يتمثل في العزوف عن شهوات النفس والبطن والغريزة. يسلك المصريون المسلمون وكأنهم مقبلون على شهر «إفطار»، وليس شهر «صيام». أظن أنه لو أُجريت إحصائية لحصر الكميات التي يتم استهلاكها خلال شهر رمضان من مأكولات ومشروبات، لتبين لنا بوضوح أنها أضعاف ما يُستهلك في أي شهر آخر من شهور السنة.

أليس في ذلك دلالة على أننا في سلوكنا الديني نغفل، بل نهمل الجوهر ونتمسك بالمظهر؟

الواحد منا حين يصدر عنه ما ينم عن نفاد الصبر، نقول لبعضنا البعض:

«معلهش .. أصله صايم.. الصيام يعمل أكتر من كده!! »

وكأن الصيام يعطي رخصًة للمرء بارتكاب الأخطاء، في حين أن الصيام يرقى بالنفس ويتسامى بها، فلا يصدر عن صاحبها إلا كل خير، ولا ريب أن الصبر والمثابرة والتعاطف والتسامح هى فضائل يجب أن يتحلى بها الصائم، أما نفاد الصبر وسرعة الغضب بحجة «أنني صائم»، فهى سلوكيات تتناقض تناقضًا تامًا مع الغاية الحقيقية لهذه الفريضة.

مشهد عجيب وغريب، ومؤسف في الآن نفسه، نلاحظه جميعًا في شهر رمضان خلال اللحظات التي تسبق أذان المغرب، نشاهد انطلاق السيارات في شوارعنا بطريقة جنونية، الكل يسابق الزمن حتى لا يفوته الطعام حين يؤذن المؤذن، في حين أن هذا المهرول قد فاته أن الهدف من الصيام هو الإحساس بألم الجوع الذي يعايشه الفقراء والمساكين طويلاً.

مشهد آخر نادرًا ما نراه في غير شهر رمضان، ونعني به ازدحام المساجد بالمصلين حتى إن بعض الشوارع قد تُغلق بسبب كثافة عدد المصلين داخل المسجد، واضطرار عدد كبير منهم اللجوء إلى الصلاة في بحر الشارع. هذا الإقبال المكثف لا نجده سوى في رمضان، وكأن المعبود موجود في هذا الشهر فحسب، وهذا في ظني تفكير أخرق، ينم عن عقلية مسطحة، صاحبها «متدين موسمي» يتعبد موسميًا، إذا حل شهر رمضان صام وصلى، وإذا انقضى الشهر فلا صلاة ولا صيام!!

هل هكذا يكون التدين الحق؟ إنه تدين ظاهري،يتمسك صاحبه بالقشور، ويترك اللباب. إن كثيرًا مما نعاني منه مصدره التدين الظاهري الذي يصل إلى حد الزيف. حكى لي أحد الأشخاص أنه كان يرافق إمرأة، وحدث أثناء زناه بها أن سمعت صوت الأذان فطلبت منه بحدة وصرامة أن يتوقفا حتى انتهاء الأذان ثم يكملا ما كانا يمارسانه. انتبهت تلك السيدة لصوت الآذان، ولم تنتبه إلى كونها تمارس الفحشاء. تناقض فج في السلوك ينبني على تدين زائف لم يصل إلى شغاف القلب، ولم يمسس جوهر الروح !!

 

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.