رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الجمعة 3 مايو 2024 8:25 ص توقيت القاهرة

كيف نتعامل مع اليتيم ؟

محمد سعيد أبوالنصر
اهتم الإسلام بالإنسان ،وزاد اهتمامه بالصعيف والمسكين واليتيم ،ولما لا .والإسلام دين الرحمة والتكافل والتناصر، دين الأخوة والتعاون والتآزر، قال تعالى: ((وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب)) ، وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))
فمن هو اليتيم ؟ وكيف أتعامل معه ؟
اليتيم هو: من مات عنه أبوه وهو جنين في بطن أمه، أو صغير لم يبلغ الحلُمَ، ويستمر وصفُه باليُتم حتى يبلغ أشُدَّهُ. جاء في دائرة الأئمة والخطباء عن كيفية التعامل مع اليتيم ما يلى بتصرف وإضافة :"إن مما عني به الإسلام رعاية اليتيم؛ فلقد عني الإسلام بأمر اليتيم عناية فائقة، فأمر أولا بالعناية النفسية التي تخفف عنه لوعة الفراق، وتزيل عن كاهله وطأة الانقطاع عن الأب الحاني، فجعل خير البيوت بيتا فيه يتيم قد امتزج بمن فيه من أطفال، يعيش حياتهم، ويشاطرهم حنان والدهم، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه))، ويذهب هدي الإسلام أبعد من ذلك؛ ليرشد بتفصيل واضح إلى كل ما من شأنه توفير الأمن النفسي لليتيم، وإشعاره بالرعاية والحنان والإحسان والتكريم، قال تعالى: ((فأما اليتيم فلا تقهر)) ، بل نجد القرآن الكريم يجعل الاعتداء على نفسية اليتيم ضربا من ضروب التكذيب بالدين، قال سبحانه: ((أرأيت الذي يكذب بالدين، فذلك الذي يدع اليتيم ))
وإلى جانب الرعاية النفسية لليتيم حث الإسلام ورغب في رعايته ماديا، بتوفير ما يحتاجه من ملبس ومأكل ومشرب وسائر احتياجات الحياة، ويتعاظم ثواب كافل اليتيم إذا جعل ذلك على نفقته الخاصة، قال تعالى: ((يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم)) ، وقال سبحانه: ((ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا)) ، ولقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- قدوة في ذلك، فقد كان يضم الأيتام إليه، ويجعلهم كأبنائه ومن يعول من أسرته، وذلك كما فعل بأولاد أبي سلمة -رضي الله عنه- الذي مات عن أولاد صغار، وعن زوجته الكريمة أم سلمة -رضي الله عنها-، فتزوجها النبي -صلى الله عليه وسلم- وقام بكفالتها هي وأولادها جميعا كما يكفل أولاده وأهل بيته، والرعاية المادية لليتيم لا تقتصر على توفير متطلبات جسده، بل تتعدى ذلك إلى رعاية ماله بحفظه وصيانته وعدم الاعتداء عليه، فقد جاء الوعيد صريحا وغليظا على من سولت له نفسه استغلال ضعف اليتيم بأكل ماله والاستيلاء عليه، قال تعالى: ((إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا)) ، ففي هذا الوعيد ما يكفي زاجرا لمن تسول له نفسه التفريط في أموال اليتامى؛ إذ لا طاقة لأحد بعذاب الله تعالى الذي رتبه على فعل ذلك، فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات)) قالوا: يا رسول الله وما هن؟ فذكر منها: ((أكل مال اليتيم))، بل إن الإسلام سد في سبيل ذلك كل سبب قد يؤدي إلى هضم حق اليتيم في ماله، كضم ماله إلى مال وليه؛ ليتمكن بذلك من أكل جزء من مال اليتيم، قال تعالى: ((وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا)) ، بل أمر سبحانه بالمحافظة على أموال اليتامى وصيانتها إلى أن يأنس القائم عليها رشدا من أصحابها، فعندئذ يدفعها إليهم، قال سبحانه: ((وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا)).
لقد تحرج الذين عندهم أيتام من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين سمعوا هذه القوارع والنذر، فعزلوا طعام الأيتام وشرابهم، فصاروا يأكلون منفردين، ويعيشون منعزلين، وامتنع آخرون من كفالة اليتيم تعففا، وكان هذا موضع حرج آخر لهم، لأن عزل اليتيم وفصله عن أترابه من الأطفال له الأثر السيء في تربيته، فسألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنزل القرآن مجيبا لهم، قال تعالى: ((ويسـألونك عن اليتـمى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من لمصلح ولو شاء الله لاعنتكم إن الله عزيز حكيم)) ، إذ الغاية هي إصلاح اليتيم، بكل ما يشمله لفظ الإصلاح، وما تتسع له معانيه مما يتعلق بشخص اليتيم، ثم قال سبحانه: ((وإن تخالطوهم فإخوانكم)) أي إنهم إخوانكم، وشأن الأخوة ..المساواة والمخالطة في الكسب والمعاش، إنها مخالطة صادقة مبنية على المسامحة وانتفاء مظنة الطمع، أما إذا فسدت النوايا واستغل ضعف اليتيم وقلة إدراكه، فقد جاء الوعيد: ((والله يعلم المفسد من المصلح)).
هذا وإن تعاليم الإسلام في مال اليتيم لا تقتصر على المحافظة عليها من الاعتداء والنقص، بل إنه يحث على استثمارها وتنميتها؛ حتى لا تستهلكها الزكاة ومتطلبات الحياة، فقد ورد في الأثر عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: ((اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة))، وفي رواية: ((ألا من ربى يتيما له مال فليتجر به، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة))، على أنه يجب على ولي أمر اليتيم أن يختار لاستثمار أمواله مجالا مأمونا ومشروعا، فإنها أمانة في يده، مسؤول عنها أمام الله تعالى، ولا يقدم على شيء من ذلك حتى يستشير من لهم خبرة ودراية في مجال الاستثمار وتنمية الأموال.
هذا وإن من مظاهر الخطأ والجهل أن تحبس تركة الميت فلا تقسم؛ بحجة أن في الورثة أيتاما، فترى الأموال تذهب، والمزروعات تهمل وتموت، والعقارات تخرب وتهجر، والنقود تجمد، بعلل واهية، وحجج من الحق خالية، يتوهم أصحابها أن قسمة الميراث مظهر من مظاهر الفرقة، وصورة من صور التقاطع، والحق أن الفرائض معلومة، والأنصبة في التركات مقسومة ومحسومة، وليس هناك مبرر شرعي لتأخير قسمة التركة حتى يبلغ الصغير، أو تخرج المعتدة من عدتها أو تتزوج البنت إلى غير ذلك من الآجال التي ما أنزل الله بها من سلطان، إن في مثل هذه التصرفات من المحاذير ما لا يخفى على العقلاء، ولا يغيب عن نظر النبهاء، فربما أنكرت الحقوق في التركات بمضي الأيام، وربما أهدرت وخربت بعض الأموال بكر السنين والأعوام، فبأي حق يحرم وارث من نصيب وجب له بموت مورثه؟ أم بأي دليل تعطل الأموال ليكبر الصغير؟ بل قد يصل الأمر إلى موت بعض الورثة لينضم ورثة جدد إلى قائمة المنتظرين؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون.
إن اليتيم هو طفل اليوم، وهو رجل الغد، وستكون سلوكياته المستقبلية أسيرة التربية التي تلقاها في صغره، فإذا أخذ اليتيم حظه من التربية السليمة في صغره أينعت ثمارها وارفة في غده على مجتمعه، لذلك لا عجب أن نجد ذلك الاهتمام المبكر برعاية الأيتام في الإسلام، ومن مظاهر إكرام اليتيم أن يحرص من كفله على تأديبه ورعايته كما يفعل مع ولده، فقد روي عن الإمام علي -كرم الله وجهه- أنه قال: ((أدب اليتيم مما تؤدب به ولدك، واضربه مما تضرب به ولدك))، وهذا نبي الله زكريا -عليه السلام- يتابع السيدة مريم ويراقبها، ويسألها عن الرزق الذي وجده عندها، قال تعالى: ((فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله)) ، وإذا كان كافل اليتيم في مقام والده، فإنه يؤمر بكل ما يؤمر به الوالد من تربية حسنة وتنشئة سليمة متقنة، على مكارم الأخلاق وجميل الصفات، يعلمه ما يصلح دينه ودنياه، وما يضمن له السلامة في دنياه وأخراه، ولئن كان اليتيم قد فقد أباه فإنه قد يكون ناعما بحياة أمه، وكم أثبتت أمهات في تربية أولادهن ما عجز عنه كثير من الرجال، ولا ريب أن وظيفة الأم في عملية تربية الولد عميقة الأثر، فهي التي ترعاه وتعلمه وتجيب عن أسئلته منذ الصبا، وفاعلية الأمومة وقوتها مرتبطتان بقوة إيمانها بالله عز وجل وبتحرير إرادتها وتمام علمها بما لها وما عليها، يدفعها في ذلك خوفها من ربها إن فرطت في واجبها، وترجو وجهه الكريم فتنبري لإتقان وظيفتها، لتخريج أجيال ذات رسالة وفاعلية في بناء مستقبل الأمة.
واحرصوا على رعاية الأيتام وتربيتهم على معالي الأمور وما يصلح دينهم ودنياهم، ترقى بذلك مجتمعاتكم ويعلو في الناس شأنكم.
وأدوا ما أوجب الله عليكم في شأن اليتامى وأموالهم، فإنهم أبناؤكم وأمانة في أعناقكم.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.