رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الأحد 19 مايو 2024 4:15 م توقيت القاهرة

نمور سري لانكا البشرية

بقلم - مروة الحمامصى

هي جماعة عسكرية أشعلت حرباً أهلية دامت ثلاثة عقود فكانت أطول حرب أهلية في آسيا , أسالت من الدماء الكثير واستهدف غضبها ذوي المناصب السياسية الهامة قامت في "سري لانكا " عام 1976م وقدر عدد ضحايا حوالي مئة ألف قتيل معظمهم من المدنيين العزل , وقد اطلقوا على أنفسهم "جبهة نمور ايلام - تاميل " واتخذوا من النمر المزمجر والذي يحيط به سلاحي سنكي والرصاصات رمزاً لهم . وإذا أردنا أن نعرف مالذي أثار غضب هؤلاء ليدفعهم لتكوين جبهة للقتال , لابد أن نعرف في البداية الظروف المحيطة بهم ؟

رمز جبهة نمور ايلام تاميل

على جزيرة "سري لانكا" أو سيلان سابقا التي تقع في أقصى جنوب شرق الهند ويفصلها عنها مضيق" بالك " , والذي لايزيد عرضه عن 32كيلومتراً مربعاً , يقسم عدد السكان - حوالي 22 مليون نسمة - إلى قسمين : الأول : "سنهال " ويشكلون "70%" من السكان ومعظمهم يدين بالبوذية , والثاني : "تاميل" ويشكلون "23%" من عدد السكان معظمهم من أصول سريلانكية , و "6%" من أصول هندية جلبتهم بريطانيا للعمل في زراعة الشاي .

ويدين التاميل بالهندوسية , و"20%" منهم يدينون بالاسلام , "6%" يدينون بالمسيحية , ويتركز التاميل في شمال وشرق الجزيرة . أما باقي سكان سري لانكا فهم من أصول عربية وملايوية وأندونيسية . ونجد أن كلا من السنهال والتاميل لهم نفس الملامح والصفات الجسمانية للهنود في لون البشرة والأجساد النحيلة .

اللون الأخضر يوضح تركز التاميل في سري لانكا

وللتاميل لغة خاصة تمسكوا بها , رغم أن أغلبية السكان يتحدثون السنهالية , ويغلب عليهم الأمية والفقر في حين أن التاميل هم من يملكون السيطرة الاقتصادية وقد نالوا دعم بريطانيا التي جعلتهم في الصدارة في ادارة البلاد , لذلك كانت الخطوات الأكيدة لسري لانكا نحو التقدم وخاصة بعد أن نالت استقلالها عام 1948م , أن تغير من تلك الثوابت , فضم أول برلمان "58" "من السنهال" 29 "من التاميل و"8" مسلمين. وبذلك امسك السنهال بزمام الأمور , وظهرت مجموعة منهم من المثقفين وصناع القرار , وظهرت العصبية الطائفية وفضلت البوذية عما سواها من أديان للتاميل , بل ونزعت الجنسية السريلانكية عن مليون تاميلي بحجة أن بريطانيا أتت بهم من الهند , وأقصي ثلث نواب البرلمان التاميليين , وأقرت السنهالية لغة رسمية وحيدة , وأممت المدارس التاميلية , لمنع تدريس لغتهم , فغادر آلاف الموظفين التاميل لعدم قدرتهم على استخدام لغة السنهال , وحل السنهال محلهم .

وأوغرت صدور التاميل بالكراهية بعد أن باتوا في أوضاع سيئة , وارادوا تكوين وطن خاص لهم بلغته التاميلية , فلجأوا لاستعمال القوة وكونوا جبهة مسلحة اطلقوا عليها " نمور التاميل " عام 1976م وتركزت تلك القوات في شيه جزيرة جفنة في الشمال , وحصلت على مساعدات مالية وأسلحة من تاميل جنوب الهند , فقامت حرب عصابات على الحكومة السريلانكية عام 1983م , وبلغت ذروتها عام 1987م , فكان على حكومة الجارة الكبرى الهند التدخل للصلح عام 1987م , حيث ارادت أن تصبح قوة اقليمية - وكان وقتها رئيس الوزراء راجيف غاندي – وعقد الطرفان الصلح على البنود الآتية :

- أن تدير المقاطعات الشمالية والشرقية ادارة تاميلية ويقتصر عملها على الادارة وحفظ الأمن كخطوة لتحقيق الحكم الذاتي .

- نزع سلاح التاميل وخاصة نمور التاميل , وأن تدخل الهند بقوات لحفظ السلام في سري لانكا.

- إعادة توزيع السكان التاميل وعودة التاميل الهنود لأراضيهم وكذلك تاميل سري لانكا لأراضيهم .

وعارض السنهال الاتفاقية بمختلف طوائفهم الشعبية والسياسية والدينية لأنهم رأو أن التاميل ينالون حقوقاً لايستحقونها , وكذلك اعترض التاميل على الاتفاق , وعادوا لحمل السلاح والذي لم تسمح به الهند فزادت الهند من قواتها إلى 30 ألف جندي وحاصرت مضيق "بالك" لمنع الامدادت العسكرية للتاميل . واستمرت الحرب الاهلية السريلانكية لسنوات عديدة بين الحكومة وبين نمور التاميل وانتقلت من الشمال لمركز الحكومة في العاصمة "كولومبو", وراح ضحية تلك الحرب حوالي 100 ألف من الجنود والمدنيين العزل من السنهال والتاميل , وضربت فيها اهداف اقتصادية بواسطة عمليات انتحارية وراح ضحيتها مئات من المدنيين حيث تم تفجير المركز التجاري الدولي بالعاصمة , وتفجير البنك المركزي , تفجير فندق الميريديان , كما قام التاميل باستهداف شخصيات سياسية – منها ماتم قبل أن تظهر النمور عام 1976م – حيث تم اغتيال زعيم الاستقلال "باندرانيكا" عام 1959م , السياسي "بريماداسا"عام 1993م , رئيس الوزراء الهندي راجيف غاندي عام 1991م , بباقة زهور ملغومة راح ضحيته مالايقل عن 13 ضحية أخرى , وعشرات المصابين , ثم اغتيال مرشح الرئاسة "جاميني ديسكانيا" عام 1994م , وتدمير موكب رئيسة الوزراء تشاندريكا باندرانيكا" ومقتل عدد كبير من الحرس واصابة وفقد عينها اليمني عام 1999م , ولم يكن كل شعب التاميل في تعاون مع جبهة نمورهم في أعمال العنف , فقد رفض مسلمو التاميل التعاون معهم ضد الحكومة فتعرضوا للقتل وتدمير المنازل والطرد , فكان كثير منهم يعيشون في مخيمات اللاجئين , كما تم تفجير كنيسة نافالي ومقتل العديد من المدنيين , وكان أطفال المدارس يتم خطفهم وقتلهم أو دفنهم أحياء . ولم تنتهي أطول حرب أهلية في آسيا إلا بعد مقتل برابهاكاران زعيم نمور التاميل عام 2009م على يد الجيش السريلانكي في كمين والذي بدأ حياته بأولى عملياته باغتيال رئيس بلدة جافني عام 1975م , ولم يمنح الوقت بتناول كبسولات السيانيد التي كان معتاداً تناولها من قبل عناصر نمور التاميل عند القبض عليهم وصفيت مراكز قوة النمور الثلاثة: السياسية , والمنظمة لجمع الأموال للتمويل , والعسكرية بقوتها البحرية التي اعتمدت على الزوارق الخفيفة بعد أن دمرت تقريبا نصف القوات البحرية الحكومية , ونمور الجو وتمتلك خمس طائرات خفيفة وهي الجهة الارهابية الوحيدة في العالم التي تمتلك قوة جوية , والنمور السود صاحبة العمليات الانتحارية , وأخيرا جناح المخابرات وذبح بذلك النمر الغاضب المتعطش للدماء .

وسري لانكا الآن تحاول التعافي من تلك الحرب المدمرة , ولكن جارتها الكبرى الهند لاتراها بعين الرضا فقد استعانت في اقامة المشاريع الضخمة بمنافسة "الهند" العتيدة "الصين " , فقد رأت سري لانكا أن الارتماء في احضان الصين البعيدة التي تحترم البوذية خير من الجارة الهندوسية التي كان بعض مواطنيها مستحوذين على خيراتها فيما مضى و ايضاً السبب في تمويل حربهم الأهلية .

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.