وجع الفراق .. خواطر حره

كتب _ محمد نبيل عشرى

ان الفراق هو سنه من سنن الحياه التى كتبت على كل حى ؛ وهو أمر متوقع حدوثه مهما طالت السنوات او قلت ؛ فكل ما وجد على الأرض مكتوب عليه ان يهاجر ويفارق ؛ فالطيور تهاجر أوطانها التى عاشت بها على الأقل مره كل عام ؛ والأسماك تهاجر مواطنها المائيه للعديد من الأسباب والدوافع ؛ والشمس تهاجر يوميا للغروب وتعود فى الصباح مشرقه تملئ الكون نورا وكأنها عزعليها لحظات الوداع وهى ترى الجميع يودعها بحاله من السكون او بالدموع المحبوسه احيانا وهذا هو النوع الذى تتوهج شجونه ليلا ويسرح خياله فى امور صعب على قلبه وعقله تقبلها حتى انها تؤرقه طوال الليل وتفض مضجعه او تكون سبب فى هجر وفراق النوم لعينيه .

والبشركذلك يهاجرون اوطانهم بحثا عن فرص عمل واوضاع اقتصاديه افضل او بسبب اوضاع سياسيه غير مقبوله بالنسبه لهم وقد يهاجرون هجرانا أبديا كهجران الحياه لعلة الموت وهو اصعب انواع الهجران .
 او يهاجرون بعضهم البعض بسبب تبدل الظروف او انتهاء المنفعه او للإنفصال اذا استحالت الحياه بينهما بل وقد يكون الرحيل أحيانا لفرط الحب او للتضحيه ففي علم النفس هناك دراسه تقول ان الرجل الذى يحب المرأة حبا قويا اقرب الى العشق ولايستطيع امتلاكها يصبح هذا الحب قاب قوسين كرها في ظاهره من خلال تعامله معها ويحتفظ بمشاعر الحب الحقيقية في أعماقه !!. وهو ما لا يدركه الطرف الاخر احيانا وعلى اثره يتخذ قرارا بالفراق .
ويكون الفراق اشد ما يكون على النفس حينما يفارقونك اشخاص اخبرتهم من قبل انك لا تقوى على فراق احد ابدا فيفارقوك هم وهم يعلمون انهم بذاتهم الاقرب لقلبك ووجدانك من بين كل البشر .
وبلا شك ان الفراق شئ مريرعلى النفس حتى اننى  اعتقد أحيانا ان كل من تكلم عن صعوبة ومرارة الصبر يبدو انه لم يتذوق يوما ألم الفراق .
 ان الفراق هو جرح في القلب، هو الألم والغصّة لابتعاد أشخاص نحبهم ، إعتدنا على وجودهم ، رسمنا طريقنا معاً وبنينا أحلامنا ، ولكن بلحظة انتهى كل هذا، فرقتنا الأيام أصبحنا وحيدين نعاني من ألم وحزن الفراق، فما أصعب الفراق وما أشد عذابه، ونا اقسى لحظاته مهما تعددت اسبابه او اجناس المفارقين .
ولهذا فإن خطبة الوداع التى قال فيها النبى صل الله عليه وسلم لأصحابه ( لعلى لا ألقاكم بعد عامى هذا ... ) هى اصعب لحظه مرت على تاريخ البشريه بعد لحظة موت قائلها عليه افضل الصلاة واتم التسليم . وهى لحظة وداع تاريخيه فى تاريخ المسلمين وغيرهم .
وتأتى صعوبة الوداع والفراق فى ادراك البشر ان الله كتب الوداع والفراق للغرباء فى المطارات والقطارات او للعابرين فى الطرقات ويصعب علينا جميعا ان نتقبل فكرة وداع من نحب .
وللفراق اداب لخصها الله سبحانه وتعالى فى سورة البقره بقوله عز من قائل :

 ( ۚوَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)
 ولا عجب ان عرفت ان الله سبحانه وتعالى قال قبل هذه الجمله جمله قرآنيه عظيمه جدا فى نفس السوره ونفس الايه حيث قال تعالى ( وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ) فى اشاره الى غفران الزلل وتقبل العلل لعدم الفراق والإفتراق .
كما قال الادباء والحكماء ان للفراق اداب اهمها ان يكون بأناقه وذوق وترفع عن الخطأ لأن مواقف البشرمع بعضهم البعض تعيش بالذاكره اكثر من اسمائهم . 
وان لا تهجر بجرح أو أذى  اى ان تهجر الهجر الجميل كما وصفه القرآن .
وان تبقى على الود والذكر الطيب وان لا تؤلم شخصا بدأت معه بشكل جميل لأن العِبرة دائماً تكون في النهاية بل واحرص على ان يكون الفراق رائع كلحظات البدايه .
وكان الله فى عون المفارق دون رغبه من زحام الأصوات والأفكار وثبات الصوره التى دائما يراها أمام ناظريه فهى تقتل كل شئ جميل بيومه بل وبحياته كلها الى ان يشاء الله لهذه اللحظات القاسيه ان تعبر وتكون ماضى يسقط بمضى السنين عليه .

كفانا الله وإياكم شر كل ما لا نقوى عليه ولا تطيقه نفوسنا الضعيفه .