رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الأربعاء 24 أبريل 2024 3:43 ص توقيت القاهرة

وجوب محبة النبى صلى الله عليه وسلم

بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى

⁦⁩ مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف

⁦⁩وجوب محبة النبى صلى الله عليه وسلم

إن لحب الله ورسوله منزلة عليا في الإسلام؛ بل هو جزء من الإيمان :

فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

" لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ .( متفق عليه ).

فكلما ازداد إيمان العبد كلما اشتد حبه لله ولرسوله؛ قال تعالى: { وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ } ( البقرة: 165 ).

فمحبة الله ورسوله مقدمة على غيرهما مهما كانت منزلتهم من الإنسان .

يقول القاضي عياض في حب الرسول بين الحقيقة والادعاء حيث يقول فى كتابه الشفا بتعريف حقوق المصطفى:

" اعلم أن من أحب شيئاً آثره وآثر موافقته، وإلا لم يكن صادقاً في حبه، وكان مدعياً، فالصادق في حب النبي- صلى الله عليه وسلم- من تظهر علامة ذلك عليه، وأولها الاقتداء به واستعمال سنته واتباع أقواله وأفعاله؛ وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه والتأدب بآدابه في عسره ويسره، ومنشطه ومكرهه، وإيثار ما شرعه وحض عليه على هوى نفسه، وموافقة شهوته".

إن حب النبي صلى الله عليه وسلم لهو فرض لازم على كل مسلم ومسلمة، لا يتحقق بدونه الإيمان، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

«لا يؤمن أحدكم، حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين».

بل إن هذه المحبة مقدمة على حب النفس والمال والولد، وحذر من مخالفة ذلك، فقال:

{قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (التوبة:٢٤).

⁦⁩قال القاضي عياض رحمه الله:

“فكفى بهذا حضًّا وتنبيهًا ودلالة وحجة على إلزام محبته، ووجوب فرضها، وعظم خطرها، واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم؛ إذ قرّع تعالى من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله، وأوعدهم بقوله تعالى: {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}.

ثم فسّقهم بتمام الآية فقال: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}، وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله عز وجل. فهذه آية عظيمة تبين أهمية ووجوب هذه المحبة.

ويأتينا دليل عظيم وبليغ في قول الحق: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ…} (الأحزاب: 6)

لذا فنحن نرتبط في هذه المحبة بالقلب والنفس، وبالعقل والفكر، وبسائر الجوارح والأحوال والأعمال، فتكمُل حينئذٍ المحبة؛ لتكون هي المحبة الصادقة الخالصة الحقيقية العملية الباطنية، فتكتمل من كل جوانبها؛ لنؤدي بعض حقِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علينا.

وحبُّ المسلم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمل قلبيّ من أجَلِّ أعمال القلوب، وأمر وجداني يجده المسلم في قلبه، وعاطفة طيبة تجيش بها نفسه، وإن تفاوَتت درجة الشعور بهذا الحب؛ تبعًا لقوة الإيمان أو ضَعفه .

ولهذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يؤمن أحدكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من والده وولده، والناس أجمعين)..

وعند البخاري (6632) عن عبدالله بن هشام قال:

كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو آخذٌ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إلى من كل شيء إلا من نفسى، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم -:

(لا والذى نفسى بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك) فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلى من نفسى، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:

(الآن يا عمر).

قال ابن حجر: أي الآن عرَفت، فنطَقت بما يجب.

أن محبته ينبغي أن تكون أعظم من محبة النفس التي بين جَنبيك، وأنفاسك التي تتردد، وقلبك الذي يَخفُق، فضلاً عن محبة الزوج والأبناء أو الأمهات والآباء، فما أعظم هذه المحبة التي هي أعظم محبة لمخلوق من بني آدم في الدنيا، وفي الخليقة كلها!

وهي التي استحقها سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم - ووجبَت على كل مؤمن مسلم بالله - سبحانه.

إذن فمحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - ليست أمرًا ثانويًّا أو أمرًا مخير فيه، إن شاء المرء أحبه وإن شاء لم يحبه، بل هي واجب على كل مسلم، وهي من صميم الإيمان، ولا بد لهذا الحب أن يكون أقوى من أي حبٍّ، ولو كان حب المرء لنفسه.

فالمحبة شرط لتحقق الايمان وتذوُّق حلاوته، وإدراك معانيه..

إننا نتعلق ونرتبط برسول الله صلى الله عليه وسلم من جوانب شتى:

في جانب العقل معرفة وعلمًا، نقرأ ونحفظ سيرته وحديثه وهديه وسنته، والواجب منها والمندوب منها ونحو ذلك.

ومحبة بالقلب، وهي عاطفة مشبوبة، ومشاعر جياشة، ومحبة متدفقة، وميل عاصف تتعلق به النفس والقلب برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لما فيه من المعاني الحسية والمعنوية.

ثم محبة بالجوارح تترجم فيها المحبة إلى الاتباع لسنته وفعله عليه الصلاة والسلام، فلا يمكن أن نقول إن المحبة اتباع فحسب! فأين مشاعر القلب؟

ولا يصلح أن نقول إنها الحب والعاطفة الجياشة، فأين صدق الاتباع؟

ولا ينفع هذا وهذا! فأين المعرفة والعلم التي يؤسس بها من فقه سيرته وهديه وأحواله عليه الصلاة والسلام؛ لذا فنحن نرتبط في هذه المحبة بالقلب والنفس، وبالعقل والفكر، وبسائر الجوارح والأحوال والأعمال، فتكمل حينئذ المحبة؛ لتكون هي المحبة الصادقة الخالصة الحقيقية العملية الباطنية، فتكتمل من كل جوانبها؛ لنؤدي بعض حق رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا.

⁦⁩ومن هنا ذكر العلماء أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم على ضربين:

أحدهما : فرض :

وهو المحبة التي تقتضي الإيمان بنبوته، وبعثته، وتلقي ما جاء به بالمحبة والقبول، والرضا والتسليم.

ودرجة ثانية هي: محبة مندوبة :

وهي تقصي أحواله ومتابعة سنته، والحرص على التزام أقواله وأفعاله قدر المستطاع والجهد والطاقة.

ومن الأدلة كذلك:

قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

“ثَلاث مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاوَةَ الإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ” ..

رواه مسلم.

ومن الأدلة كذلك:

حديث جميل رائع، قال فيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

“مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ” رواه مسلم.

فكلنا محب لرسول الله صلى الله عليه وسلم محبة وجوبٍ، ومحبة اختيارٍ وتعظيمٍ له عليه الصلاة والسلام، وأمر هذا الوجوب لا يحتاج لأدلة، فلعلنا ندرك عظمة هذا الوجوب عندما ندرك هذه النصوص الواضحة في أن محبته ينبغي أن تكون أعظم من محبة النفس التي بين جنبيك، وأنفاسك التي تتردد، وقلبك الذي يخفق، فضلاً عن محبة الزوج والأبناء، أو الأمهات والآباء..

فما أعظم هذه المحبة التي هي أعظم محبة لمخلوقٍ من بني آدم في الدنيا، وفي الخليقة كلها، وهي التي استحقها سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، ووجبت على كل مؤمن بالله سبحانه..

قال ابن رجب رحمه الله في “جامع العلوم والحكم”:

“فمن أحب الله ورسوله محبةً صادقةً من قلبه؛ أوجب له ذلك أن يحب بقلبه ما يحبه الله ورسوله، ويكره ما يكره الله ورسوله، ويرضى ما يرضى الله ورسوله، ويسخط ما يسخط الله ورسوله، وأن يعمل بجوارحه بمقتضى هذا الحب والبغض؛ فإن عمل بجوارحه شيئًا يخالف ذلك بأن ارتكب بعض ما يكرهه الله ورسوله، أو ترك بعض ما يحب الله ورسوله مع وجوبه والقدرة عليه، دلّ ذلك على نقص محبته الواجبة، فعليه أن يتوب من ذلك، ويرجع إلى تكميل المحبة الواجبة”.

أسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يعظم محبة رسوله في قلوبنا، وأن يجعل محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعظم عندنا من محبة أنفسنا وأهلنا، وآبائنا وأمهاتنا، وأزواجنا وبناتنا، وأن يجعل محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طمأنينة قلوبنا، وانشراح صدورنا، وأن يجعل محبته عونًا لنا على طاعة الله - عز وجل - وحُسن الصلة به؛ إنه - سبحانه وتعالى - ولِيُّ ذلك والقادر عليه..

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.