رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الأربعاء 19 نوفمبر 2025 8:48 م توقيت القاهرة

الرجل الآخر !!!.. "الجزء الخامس" اللعنة تنتشر.. قصة قصيرة بقلم / ياسر عامر

(صوت دقات قلبٍ بطيئة... تتسارع شيئًا فشيئًا)

لم تكن الولادة معجزة كما ظنّ الجميع...
كانت عودةً.

منذ اللحظة التي صرخ فيها المولود، اهتزّ المكان بصوتٍ لم يكن صوت طفلٍ حديث الولادة،
بل نغمة معدنية تشبه ارتطام الحديد بالحديد.
(صوت رنينٍ حادّ يتردّد في الخلفية)

الهواء تغيّر.
رائحته صارت لاذعة كالدخان الممزوج بالدم،
والأنوار في غرفة الولادة خفَتت فجأة، كأنها ارتعبت من النظر إليه.

الأطباء تجمّدوا في أماكنهم،
أحدهم تمتم بصوتٍ مرتعش:

"عيناه… لم تَغْمُضا بعد!"

(صوت نبضات كهربائية متقطعة)

كان يحدّق فيهم بثباتٍ غير بشري،
طفل لا يصرخ… لا يتحرك… فقط يراقبهم — يبتسم أحيانًا، ابتسامة باردة كمن يحفظ وجوههم ليُعيدها لاحقًا في كوابيسهم.

في الليالي التالية، تغيّر كل شيء.
المدينة فقدت نبضها.
الناس يشكون من أصواتٍ تأتي من العدم — بكاء أطفالٍ في منتصف الليل، همسات من داخل الجدران، صرير نوافذ بلا ريح.

(صوت أنفاسٍ متقطعة… ثم صمت)

الكلاب تنبح في اتجاهٍ واحد، نحو السماء.
الطيور تدور في دوائرٍ ضيقة فوق المستشفى حيث وُلد الطفل،
كأنها تحرس شيئًا لا تجرؤ على لمسه.

كل من اقترب منه أحسّ بوخزٍ في أطرافه،
كأن برودةً تمتصّ الدفء من دمه.
الممرضات يرين ظلالًا خلف الزجاج،
والأطباء يسمعون خبطًا متكررًا على الأبواب الفارغة.

(خبط... خبط... خبط...)

أحدهم أقسم أنه رأى المولود واقفًا عند نهاية الممر،
ينظر إليه من بعيد…
ثم اختفى لحظة أضاء المصباح.

كانت الأمّ تذوب بين الحلم والجنون.
كل ليلة تستيقظ على أنفاسٍ تملأ الغرفة،
لكن حين تفتح عينيها، لا ترى سوى طفلها ينظر إلى السقف، يبتسم.
ثم يهمس بصوتٍ مزدوجٍ خافت:

"بدأ العدّ يا أمي... بدأ العدّ."

(صوت ساعةٍ تدقّ بلا توقف، يتسارع تدريجيًا)

وجهه تغيّر…
يكبر بسرعةٍ لا يصدقها عقل.
ملامحه تتقسى، عظام وجهه تتحرك كأن الزمن يعبر جسده دفعةً واحدة.
وعيناه… تشعّان بلونٍ أحمر لا يُرى إلا في الظلام.

في المدينة، الكل يحلم بالحلم نفسه:
سماء حمراء، أرض تذوب كالشموع، وصوت يقول:

"لقد عاد الرجل الآخر... وسيجمع الأعوان."

(صوت جوقة همساتٍ غامضة تردّد الكلمة الأخيرة)

"الأعوان... الأعوان..."

بدأت الحوادث.
أشخاص يموتون مبتسمين.
أطفال يولدون بعلامةٍ على صدورهم.
طيور تسقط من السماء كالأوراق اليابسة.
والناس يتهامسون:

"اللعنة خرجت من بيتها..."

كانت هي — الأم — ترى العجوز في كل مرآة.
(صوت صرير زجاجٍ يتشقق ببطء)
العجوز بنفس الرداء الأسود، نفس الابتسامة المتحجرة، تقول لها:

"أنتِ أنا… وأنا أنتِ… والدم لا يجفّ."

ذات مساء، رأت الجدران تفرز سائلًا أسود يزحف نحوها.
(صوت فقاعاتٍ مختنقة، رائحة صدأ في الهواء)
وكان المولود — أو ما تبقّى منه — يكتب على الحائط بكلماتٍ متوهجة لا تُقرأ.

حين اقتربت، التفت إليها ببطءٍ وهمس:

"الطريق فُتح يا أمي... وسيدي ينتظر."

(صوت انفجارٍ خافت، تليه همهمةٌ بشرية جماعية)

اهتزّت الأنوار.
الهواء صار أحمر.
صدى صرختها خرج مشوّهًا، كأنه يُسمع من بئرٍ بعيدة.
المدينة كلها انطفأت.

على سطح ناطحة السحاب، وقف الشاب — الرجل الآخر —
ذراعاه ممدودتان نحو السماء،
عيناه تتوهجان كجمرتين في العدم.
وصوته… خرج من كل مكبّرٍ وكل هاتفٍ وكل عقلٍ في العالم:

"لقد بدأ العصر الجديد... عصر الرجل الآخر!"

(صوت عاصفةٍ تبتلع الصدى… ثم سكون تام)

توقّفت الساعات عند الثانية بعد منتصف الليل.
السماء انقسمت نصفين.
والعالم…
استيقظ على فجرٍ بلا شمس.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
16 + 3 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.