الحمد لله مُعين الصابرين، أحمده سبحانه يكشف الهم ويزيل الغم عن المكروبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، سيد الصابرين وإمام المتقين، اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد ذكرت كتب الفقه الإسلامي الكثير عن العشر الأوائل من شهر ذي الحجة، ومن أراد أن يستشعر فضل هذه الأيام ويتصور ذلك فليتدبر أن العمل الصالح فيها أفضل من الجهاد في سبيل الله، ومع ما للجهاد من هذه المكانة يبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الطاعة في العشر التي هي دون الجهاد في غير العشر أفضل منه، أما الجهاد فيها فلا شيء يعدله، وهي أفضل أيام الدنيا لقول النبي صلى الله عليه وسلم "أفضل أيام الدنيا العشر" وفيها يوم عرفة، وكما فيها أعظم يوم عند الله تعالي، وهو يوم العيد، وهو يوم الحج الأكبر.
وسمي بذلك لأن معظم أعمال الحج تقع فيه من الوقوف عند المشعر الحرام ورمي جمرة العقبة والطواف والسعي والحلق أو التقصير، ونحر الهدي للمتمتع والقارن، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالي يوم النحر ثم يوم القر " وقال الإمام ابن القيم رحمه الله " فالزمان المتضمن لمثل هذه الأعمال أهل أن يقسم الرب عز وجل به" وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله " والذي يظهر أن السبب في إمتياز عشر ذي الحجة لمكان إجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يأتي ذلك في غيره" وإن هناك إشكالان ولهما جوابهما، فالأول هو حديث النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم " إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالي يوم النحر ثم يوم القر " ألا يتعارض مع الحديث الآخر " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة"
والجواب هو لا، فإن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع ويوم النحر أفضل أيام العام، والأمر الثاني وهو أليست ليالي العشر من رمضان أفضل لأن فيها ليلة القدر ؟ وقد سئل شيخ الإسلام عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل ؟ فأجاب " أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة " وقد ندب الحديث النبوي الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العمل الصالح مطلقا في هذه الأيام، وقد كان سعيد بن جبير رحمه الله إذا دخلت العشر إجتهد إجتهادا حتى ما يكاد يقدر عليه، ومن الأمور الهامة التي ينبغي العناية بها في هذه العشر هو أداء فريضة الحج، حيث قال النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم " من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه "
وكما أن من الأمور الهامة التي ينبغي العناية بها في هذه العشر هو العمرة، فقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم العمرة في أشهر الحج مخالفا بذلك المشركين القائلين " إذا عفا الوبر، وبرأ الدبر، ودخل صفر، فقد حلت العمرة لمن اعتمر" فأعمر عائشة في أشهر الحج، وندب أصحابه إلى التمتع الذي يأتي فيه الإنسان بعمرة في أشهر الحج، وقرن في حجه بينه وبين العمرة، وإعتمر أربع مرات كلهن في أشهر الحج، وكما أن من الأمور الهامة التي ينبغي العناية بها في هذه العشر هو الإعتناء بالفرائض، إذ لا أحب إلى الله منها، ومنها كثرة النوافل من تلاوة القرآن، والتنفل بالصلاة، وإدامة الذكر، والصلة والصدقة وإعانة المحتاج وهذا باب لا يحصى أفراده ولله الحمد، وفي الإكثار من النافلة فوائد جمة، منها تزكية النفس، ويجبر خلل الفريضة بها، ونيل محبة الله تعالى.
إضافة تعليق جديد