رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الجمعة 4 يوليو 2025 5:02 ص توقيت القاهرة

أقوال صائم..علاج اليأس في المدرسة الرمضانية

كتب: سامي بوادي المحامي 
  
رمضان شهر  تتضاعف فيه الأجور والحسنات، ويتراحم الناس فيما بينهم، وتُغفر ما تقدم من ذنوبهم وسيئاتهم، وتتغير السلوكيات والتصرفات إلى الأفضل، ويتعلم الناس فيه الصبر وقوة الإرادة ومجاهدة النفس والارتباط بالآخرة والشوق لما عند الله من نعيم مقيم وخير وفير، وفيه يتذكر المسلم ماضي أمته المجيد وانتصاراتها في معاركها الخالدة في هذا الشهر ومآثرها وخيرها للدنيا من حولها وكيف خرجت من ظروفها وتغلبت على مشاكلها وبنت مجدها من جديد. رمضان شهر يقذف في النفوس الأمل والتفاؤل بعد عام من ضيق الحياة ومشاكلها والتقصير في الواجبات والركون إلى الدنيا والانغماس في الشهوات واللذات واليأس من إمكانية التحول أو التغيير.لذلك كان الصحابة والتابعون والمسلمون من بعدهم يفرحون ويستبشرون بقدومه، ويحمدون الله على إدراكه 
ويعلمنا القرآن ان الله تعالى وحده هو المتصرف لخلقه بما ينفعهم في دنياهم وأخراهم، وهو المحمود العاقبة في جميع ما يقدره ويفعله ولو علمت سعة الرحمة لغطى ذلك علي ما تعلمه من عظيم عذابه وما انقطع لك الرجاء في النجاة يوما وما طرق اليأس قلبك ولا عقلك فمن تعلق قلبه برحمة ربه نالها ولم يفلت منها شئ وقد قيل الكبائر ثلاث: اليأْس من رَوْح الله، والقنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله وان الإلقاء إلى التهلكة هو القنوط من رحمة الله تعالى
لذا يبعث القرآن الكريم في شهر القرآن برسالة صادقة لكل إنسان استسلم لليأس والفشل؛ حتى ما عاد يرى بصيص من الأمل يدعوه للتفاؤل والمضي قدمًا في هذه الحياة فيخبرنا الذكر الحكيم أن اليأس حين يتحكم في النفس يقتلها ويفقدها لذة السعادة والحياة؛ فتستسلم له بانهزام ليسحبها فيما بعد من عنفوان الحياة ودفئها, إلى حيث برودة الأحلام الموءودة والأماني المذبوحة بسلاحه البغيض.
وقد خبرنا كتاب الله تعالى عن طبيعة أكثر الناس في حالي الرَّخاء والشدة؛ أنهم إذا أذاقهم الله منه رحمة من صحة، وغنى، ونصر، ونحو ذلك فرحوا بذلك فرح بطر لا فرح شكر وتبجح بنعمة الله. وحال تصيبهم ضر او مرض او فقر يستاؤو ويتذمرو مع انه من عمل ايديهم ومعصيتهم باتو متزمرين  و ييأسون من زوال ذلك الفقر والمرض ونحوه. وهذا جهل منهم وعدم معرفة
وهذا خلاف وصف المؤمن، فإنه يشكر الله عند النعمة ويرجو ربه عند الشدة" وقال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. "{لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} أي: لا تيأسوا منها، فتلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وتقولوا قد كثرت ذنوبنا، وتراكمت عيوبنا، فليس لها طريق يزيلها، ولا سبيل يصرفها، فتبقون بسبب ذلك مصرين على العصيان، متزودين ما يغضب عليكم الرحمن، ولكن اعرفوا ربكم بأسمائه الدالة على كرمه وجوده، واعلموا أنه يغفر الذنوب جميعًا من الشرك، والقتل، والزنا، والربا، والظلم، وغير ذلك من الذنوب الكبار
مهما بلغ الكرب ، واشتد الأمر ، وضاقت السبل ، وانقطعت الأسباب ، ونفذت الحيل ، فلا (تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ) ، ولا تقنطوا من رحمة الله ،(وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ)، فإن لك ربا لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، فقدرته فوق الأسباب ، وفرجه يأتي من حيث لا تحتسب ، وأمره بين الكاف والنون ، يقول للشيء كن فيكون ، وهو سبحانه يجبر كسر المؤمنين، ويسد خلل المتوكلين ، فلا يأس مع الإيمان، وإنما اليأس سمة من سمات الكافرين. لأن اليأس من رحمة الله تعالى لا يحصل إلا إذا اعتقد الإنسان أن الإله غير قادر على الكمال، أو غير عالم بجميع المعلومات، أو ليس بكريم، بل هو بخيل، وكل واحد من هذه الثلاثة يوجب الكفر، فإذا كان اليأس لا يحصل إلا عند حصول أحد هذه الثلاثة، وكل واحد منها كفر، ثبت أن اليأس لا يحصل إلا لمن كان كافرا” 
فلِما يُغلقُ المرءُ على نفسه باب الرجاء؟ وأبوابُ الخيرات كثيرة، وأسباب المغفرة عديدة... فرائضُ ونوافل، واجبات ومستحبات، جود وإحسان، ذكر ودعاء وقرآن... فهنيئا لمن اجتهد في أنواع الطاعات والقربات لكسب ما به يثقل ميزانه من الحسنات.
فمَن الذي أنزل من السماء ماء بعدما قنط العباد من شدة القحط والجفاف ومَن الذي كشفَ الضرّ عن أيّوبَ حين ناداه ومَن الذي رزق عبده زكرياء بغلام بعدما كبرت سنة واشتعل رأسه شيبا ومَن الذي نجّا نبيَّه موسى ومن معه بعدما أدركه فرعون وجنده ومَن الذي نجّا نبيَّه إبراهيم بعدما ألقِيَ في نار مشتعلة ومَن الذي نجّى نبيّه محمدا صلى الله عليه وسلم بعدما أحاط به الأعداء وهو في غار ثور     انه الله 
فمَهْمَا كانتْ هُمُومُك ومَصائبك، لا تيأسْ من رَوْح الله، ولا تقنط من رحمته، ففضلُ الله عظيم، وكرَمُه جزيل، وعَطاؤه عَميم، ورَحمته وَسِعَتْ كل شيء..
حين تضعف الإرادة، وتلين العزيمة، فإن النفس تنهار عند مواجهة أحداث الحياة ومشاكلها التي لا تكاد تنتهي. وحين يفشل مثل هذا الإنسان في موقف أو مجموعة مواقف، فإنه يصاب باليأس الذي يكون بمثابة قيد ثقيل يمنع صاحبه من حرية الحركة، فيقبع في مكانه غير قادر على العمل والاجتهاد لتغيير واقعه بسبب سيطرة اليأس على نفسه، وتشاؤمه من كل ما هو قادم، قد ساء ظنه بربه، وضعف توكله عليه، وانقطع رجاؤه من تحقيق مراده. الياس  عنصرٌ نفسي سيء؛ لأنه يقعد بالهمم عن العمل، ويشتت القلب بالقلق والألم، ويقتل فيه روح الأمل.
لذا كان اليأس من أصعب المُشكلات التي تُواجه شخص ما، ويعرف اليأس بأنّه شعور يُصيب الشخص يجعلُه يفقِد الأمل في تحقيق ما يُريده، وهذا الشعور يُؤدي به في نهاية المَطاف إلى فقد "شهيّة الحياة" إذا تُرَك الأمر دون عِلاج فقد يتفاقم الأمر أكثر مما كان عليه أولاً. بلا أدنى شكْ فشِل الإنسان في عمل ما، أو في عِلمه يدفعُه لليأس، في هذه الحالة إذا كان اليأس لازَم فترة مُعينة وانقضى بعد ذلك، فالأمر طبيعيا، لأنّ حياة الإنسان وأفعاله وأعماله تُترجم إلى انفعالات وأحاسيس، فتّارة تكون فرح وتّارة أخرى حُزن، ولكن إذا طالت مرحلة اليأس فهذا يستدعِي عِلاجها.
إن الإنسان معرضٌ في حياته لأنواع من الفشل في بعض التجارب، وحريٌ أن يوقظ في نفسه روح الأمل، فيراجع نفسه باحثًا عن أسباب الفشل ليتجنبها في المستقبل، ويرجو من ربه تحقيق المقصود ، ويجعل شعاره : لا يأس مع الحياة.وهذا المسلك خيرٌ لصاحبه من إلقاء اللوم على الآخرين، مما يترتب عليه سوء الطبع والاتكالية، والانهزامية، ثم اليأس والانعزال. وكان الصالحون يتقربون إلى الله عز وجل بقوة رجائهم وبعدهم عن اليأس، هذا ذو النون المصري كان يقول في دعائه : اللهم إليك تقصد رغبتي ، وإياك أسأل حاجتي ، ومنك أرجو نجاح طلبتي ، وبيدك مفاتيح مسألتي ، لا أسأل الخير إلا منك،ولا أرجو غيرك ، ولا أيأس من رَوحك بعد معرفتي بفضلك.
لان اليأس وإنْ كان شُعورا فرديا أيْ أنّه يخُص الفرد بعينِه، فهو يعتقد أنّ فشلُه في أمر ما لا يعود بالضرر إلا على نفسه فقط، فقد يكون مُخطِئ في هذا الاعتقاد، لأنّ الفرد هو أساس المجتمع، وإنْ صلُح أفرادُه صلُح المُجتمع بالكامل، فالمُجتمع لا يقوم وأفرادُه غارِقين في يأسِهم، بل يُريد منهم قوة يستنِد عليها، وتدفعُه إلى الأمام، وهذه ثِمَة تأثيرات لليأس على المُجتمع: قِلّة الإنتاج فالإنسان اليائِس يميل للخُمول والكسَل والإحبّاط مما يدفعُه إلى قِلة وربما عدم العمل. أثبتت الدّراسات أنّ أحد أسباب الانتحار هو اليأس الشديد، بالتالي يُؤثر على المُجتمع وعدم استقرارُه، فتزداد المخاوِف عند أفراده. يعمَل على تفكيك الرّوابط الأسريّة. حِرمان المُجتمع من الطاقَات الإبداعية التي يُفترَض بأنْ يمتلكها الفرد في شبابه، ولكنْ إذا سيطّر اليأس على حياة الإنسان في ريْعانِ شبابه فتُعد خسارة للمُجتمع
فقد انعم الله علينا بأن أنزل القُرآن على عباده لهدايتهم، ولعبادته من خلال تلاوته وحِفظِه، وأيضا ليكون العلاج الأمثَل لكل المشاكل التي قد تعترِض في طريق الإنسان فهو خير عِلاج للمشاكل النفسيّة، ويُعدْ من أفضل الطُرق للتخلُص من الانفعالات السّلبية لقُدرة القُرآن على إنزال السّكينَة في قلوب اليائِسين، فالمُدوامة على سماع القرآن وتلاوتِه يضمن لك الرّاحة والاستقرار النفسّي، فلا نعجب من أنّ القرآن ذكر في مواضع عدّة كلمة اليأس وهو يُبغضُه ويُنزِلُه منزلة الكُفر عندما قال الله سُبحانه وتعالى "وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ". فيُصرّح القرآن أنّ الذي ييأس هو الكافر، لأنّ الإنسان المسلم يُؤمن بالله ويثِق فيه، وأنهُ من السّهل إذا تعرّض لمشكلة ما أنْ يلجأ لله فهو الأقدر على تيسير أمورنا. وفي رمضان تفتح مدرسة القرأن ابوابها بكل ترحاب وجد فإذا عودّت نفسك على القرآن فهذا يجعلُك تشعُر بالطمأنينّة، وسيُخلّصك من المشاعر السّلبية التي تقودُك لليأس.
وعلي الصائم حقا أن يتأمل قصص العظماء, وكيف تغلبوا على لحظات القنوط والظلام.. فيمنح ذاته من سبل الرجاء في الله ماينعش الأمل ويحثه يتسلل إلى النفس المتشائمة؛ فيمحو عنها شيئا من لحظات اليأس التي أحالت أيامه إلى حلكة معتمة لا بصيص لخيوط النور فيها! 
لان في دنيانا العسر وجه من وجوه المواقف الصعبة التي يواجهها الفرد ولوحة من اللوحات المتكررة في مسيرة حياته وإفراز من إفرازات صراع الإنسان مع الحياة فالبطالة ، المرض ، العجز ، الضياع ، الخسارة ، الفشل ، والكآبة ، ... كلها مفردات للعسر الذي يواجهه الإنسان منذ ولادته وحتى مماته والعسر الذي يبدأ من الشوكة الواخزة للجسم وإن كان نسبياً لا ينتهي بحدود أو حالات معينة. واليأس الذي يصيب النفس ويرهقها بظلاله ويخيم عليها بكوابيسه هو الآخر شكل من أشكال العسر ولربما الأسوأ منه، واليأس هو منتهى الإحباط ويمثل أقسى درجاته واعلاها هو أحد اوجه العسر أيضاً 
ومواساة المعسر في كل حالاته البسيطة والحادة تمثل بلسماً يخفف من شدة العسر ووقعه على النفس. فكثيراً ما تنساب دموع الراحة النفسية الممزوجة بالأمل والفرحة عند انفراج العسر وانتفاء الضيق خصوصاً عند النساء وكبار السن، وكثيراً ما يكون وقع المواساة اشد واجمل إذا كانت محتوية على عنصر المفاجأة.
لكن الوعد الإلهي بزوال العسر عن العبد والتأكيد على وجود اليسر واقترانه معه يمثل القطرة التي تروي عطشاناً يبس لسانه من العطش، وأملا يسعى إليه كل معسور الحال وطاقة حيوية تختزل كل شوائب الانهيار ومقومات اليأس. 
وسواء كان العسر ماديا أم نفسياً فإن سورة الانشراح الكريمة التي تؤكد آياتها على اقتران اليسر بعد العسر لشرح صدر المكروب وترفع عنه وزره وتفرج عنه همه الذي أثقل عليه إن الوعد الإلهي بزوال العسر وحلول اليسر هو الذي يحول اليأس إلى أمل والجزع إلى صبر وجلد ليستطيع العبد مواصلة مسيرته اليومية وينظر للحياة نظرة جديدة ملؤها التوجه لله.
فلننظر إلى الأمور بعين التفاؤل وإن بدت في ظاهرها على عكس ذلك،، ولندع اليأس والتخذيل ألم يقل حبيبنا المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم «تفاءلوا بالخير تجدوه» فافتح نوافذك ردع الضياء يغزو حجيراتك المظلمة.فزواياها الكئيبة بشوق لخيوط الأمل المنيرة!
وما اعظم من ايام تعم فيها روح التفاؤل والتعلق بروح الله وكرمه من ايام الرحمة والمغفرة والعتق من النار ايام استجابة الدعاء كل يوم وقت افطار الصائمون حقا ايام القيام والتهجد والدعاؤ سجودا ليلا كيف لا يُبشَّر المؤمن بفتح أبواب الجنان  كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران كيف لا يبشر العاقل بوقت يُغَلُّ فيه الشيطان  من أين يشبه هذا الزمانَ زمان
فما وجدنا  رمضان الا شهر بث الروح الجديده  شهر شد الهمم وتقوية العزم والاستبشار بالقبول والقرب من روح الله  والامل في طاعته وكرم عطائه
إن المسلم الحق لا يتمكن اليأس من نفسه أبدًا، فكيف يتطرق اليأس إلى النفس ونحن نعرف ان الله بشرنا بان لا نييأس من روح الله أم كيف يتمكن منها الإحباط ونحن تعلم أن كل شيء في هذا الكون إنما هو بقدر الله تعالى فهذا يجعله يتلقى الأمور بإرادة قوية ورضىً تام، وعزم صادق على الأخذ بأسباب النجاح. إن القرآن يزرع في نفوس المؤمنين روح الأمل والتفاؤل ولذا قيل  لولا الأمل ما بنى بانٍ بنيانًا، ولا غرس غارسٌ غرسًا.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
2 + 18 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.