رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الجمعة 4 يوليو 2025 3:22 ص توقيت القاهرة

أقوال صائم: بالرفق واللين نسمو

كتب: سامي بوادي المحامي 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نعيش في رحاب شهر رمضان أياما للعزيمة والصبر، والعبادة والأجر، صيامها شفاعة وبركة واستجابة، عند غروب كل شمس منه عيد، خلد ذكراه القرآن المجيد، بنصره المكين، وفتحه العظيم، شهر يهذب النفس ويزكى الروح، كثير من الناس يبتعدون فى هذا الشهر عن المعاصى، وعن كل ما من شأنه أن يفسد الصيام ويتقربون إلى الله، وذلك لا يعتبر تناقضا فى الشخصية، بل هو رغبة فى البعد عن كل ما يغضب الله وأمل فى التغيير نحو الأفضل فى الحياة طوال العام، فيكون شهر رمضان بمثابة البداية لميلاد جديد لأرواحهم. هومثل السفينة التى تأتى مرة واحدة كل عام تحمل معها الخير، فلنحسن استغلال هذا الشهر الكريم، نجتهد فيه ونستمتع بكل لحظة ببركة رمضان، بالرحمة والمغفرة والعتق من النار
لذاعلينا ان نحسن استقبال فيضه وان ننهل من عطاءاته، وان نجتهد في ان نتعلم من شهر رمضان خصال النبوة فإذا كان التوحيد إقرارا لله عز وجل بالعبودية، وخروجا عن هوى النفس، وإقامة الصلاة خضوع لضوابط هذه العبودية، والزكاة تحرير للنفس من الشح بحملها، ضمن تكاليف العبودية، على البذل في مواطن الخير…. فإن الصيام ضبط لشهوات النفس وتصفية للروح التي ما أن تكتمل للمرء القدرة على الشد بزمامها، والسيطرة على أهوائها، حتى ينطلق في ميادين التعبئة والدعوة والبناء.
أهم ما يميز رمضان هو الصيام، فى مفهومه الحقيقى ليس الصيام عن الطعام والشراب فقط، بل الهدف الأساسى أن نشعر بالأخرين، يعلمنا الرحمة والعطف على الفقراء والمساكين والمحتاجين، الصبر والقدرة على التحمل، الإحساس بالغير، فالصيام يطهر النفس ويهذبها ويزكيها من الصفات السيئة، يعودها على التحلى بالأخلاق الكريمة كالحلم، الكرم، الرفق، العطف، مجاهدة النفس والتحكم فى الشهوات. الصوم يعنى النضج وتحمل المسئولية وينمى قدرة الأنسان على التحكم فى ذاته ويقوى أرادته وفرصة لأعادة التوازن النفسى والسلام الداخلى.
لا يتوهم المسلمُ أن حقيقةَ الصومِ إمساكٌ عن بعض الشهوات في النهار ثم يعقبه انهماكٌ في جميع الشهوات في الليل؛ فإن الذي نشاهده من آثار هذا الصوم إجاعةُ البطنِ، وإظماءُ الكبدِ، وفتورُ الأعضاءِ وانقباضُ الأساريرِ، وبذاءة ُ اللسانِ، وسرعةُ الانفعالِ، واتخاذُ الصومِ شفيعاً فيما لا يُحَبُّ من الجهر بالسيئ من القول، وعذراً فيما تَبْدُرُ به البوادرُ من اللّجاج والخصام، والأيمان الفاجرة. كَلا إن الصومَ لا يَكْمُل ولا تَتِمُّ حقيقتُه، ولا تظهر حِكَمُهُ، ولا آثاره إلا بالفطام عن جميع الشهوات الموزعةِ على الجوارح؛ فللأذن شهواتٌ في الاستماع، وللعين شهوات من مدِّ النظر وتسريحه، وللِّسان شهواتٌ في الغيبة والنميمة ولذاتٌ في الكذب واللغو، وإن شهواتِ اللسانِ لَتربو على شهوات الجوارح كلها، وإن له لضراوةً بتلك الشهوات لا يستطيع حَبْسَهُ عنها إلا الموفقون من أهل العزائم القوية. فمن صام في نهار رمضان، ولم يصم لسانه من غيبة الآخرين وهتك أعراضهم، ولم تصم يده من إيذاء الآخرين والنيل منهم، ولم يصم قلبه من الأحقاد والغلِّ على إخوانه المسلمين، فإنَّ صيامه ناقص، وفيه تفريط كبير لحدود الله
وفي المدرسة الرمضانية  نتعلم من نبينا الرفق واللين خصلة مهمة من خصال الإيمان والنبوة،. لنا فيه جميل الأسوة في تربية الأمة على الرفق، وفي تربية القرآن على التدرج بلسم لمن أراد الشفاء. فبالرفق  نزداد  ارتباطا بهذا الشهر الكريم والرفق صفة جمال من صفات ربنا سبحانه وتعالى، أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعلم السيدة عائشة ويحثها على التخلق بها، فعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف» [رواه مسلم].
بالحفاظ علي الرزانة والتريث مع ما يرتبط بها من التحلي بالحلم والأناة وضبط النفس والتحمل والصبر في ميادين الجهاد، وأول الجهاد جهاد النفس نحملها على الإذعان لأمر الله، وإقامة دينه، والقيام عند حدوده لتقوم داعية منافحة عنه. وما رمضان إلا شهر لتعويد النفس على الصبر والأناة. يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: “الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن امرؤ سابه أو قاتله فليقل إني صائم “عنف يقابله رفق، سباب يقابله حلم وتذكير بهدف سلوكي خلقي مرجو من هذه العبادة هو ضبط المؤمن للسانه من أبرز تجليات ضبطه لشهواته، فالكلام شهوة، فإن كان سبابا وشتما، فما ذلك من خصال النبوة في شيء، وما ذلك من صفات المسلم الذي يسلم المؤمنون من لسانه ويده.
.وممَّا يعجب له المطَّلع على أحوال بعض العوام حيث يحفظ هؤلاء حديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ :(الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهنَّ ) ثم يقفون عند هذا الحدِّ، وينسون أو يتناسون تكملة هذا الحديث:( إذا اجتنبت الكبائر).
فليدرك الإنسان نفسه ، وليجدد توبته لربه، وليبتعد عن منكرات الأخلاق والأقوال والأعمال؛ فإنَّ رسول الهدى ـ عليه الصلاة والسلام ـ يقول في الحديث الصحيح: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه
وما معنى حقيقة الصيام إن كان المرء يصوم عن الطعام والشراب، ولكنَّه لا يصوم عن السباب والفحش والبذاءة باللسان، ولا يصوم عن غض البصر عمَّا حرَّم الله؟!
ذكر الإمام ابن رجب ـ رحمه الله ـ أنَّ بعض السلف قال:" أهون الصيام ترك الشراب والطعام، وقال جابر رضي الله عنهما: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ، ودع أذى الجار ، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء!!"
يقول الإمام ابن رجب (فصيامنا هذا يحتاج إلى استغفار نافع، وعمل صالح له شافع، كم نخرق صيامنا بسهام الكلام ، ثمَّ نرقعه ، وقد اتسع الخرق على الراقع، والمقصود أنَّ من أراد الصوم الحقيقي فليحفظ الرأس وما حوى، والبطن وما وعى ، ويذكر الموت والبلى، ويريد الآخرة فيترك زينة الدنيا فهذا عيد فطره يوم لقاء ربه وفرحه برؤيته:
إن تحويل الأمة من إسلام فطري موروث إلى تمثل واضح لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه سلام الله، ومن فتنة متأجج أوارها إلى تجديد، ومن ضياع في الفهم إلى فهم تنويري متجدد يغرف من النبع، ليتطلب رفقا بالأمة وتدرجا في تربيتها حتى يقف الناس عند السلوك الإسلامي المكتمل، ويتطلعوا إلى خلق النبوة، فيحبوا الدين ويحبوا إقامته.
سيف مصلت، وقلب قاس لا تلامسه الرحمة، ووجه عبوس، وطبع خشن وخلق جاف، وأحكام معسرة منفرة… ما لهذا تحتاج الأمة لتستمال قلوب أبنائها وتهفو لطلب وجه الله وتطبيق أحكامه.
رمضان شهر للاستمداد الدائم والروحانية العالية والذكر والتبتل، والبذل ومواساة ذا الحاجة… فلنستغلها تزودا من خصال النبوة حتى تستمر وظيفة هذا الشهر السنة جميعها، ونكون من المتحققين بما كان عليه حال السلف الصالح الذي كان يستعد لرمضان ستة أشهر وينتفع به ستة أشهر فتتحصل له التقوى.
وقد كان من تعاليم السماء للنبي العدنان السمح اندفع بالتي هي أحسن فكان منه الرفق والعفو والصفح. ولما كانت النفوس السليمة للصفاء وعاء وللعطاء سقاء، فأصحابها في نعمة من الله ذي المن والعطاء، يحبهم لما صبروا وتحملوا ويتفضل عليهم بحبه تعالى لما فيهم من رفق
فالرفق واللين ورقة من شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء توتي أكلها بإذن ربها، فضيلة خلقية كرم الله تعالى بها الانسان وفضله على سائر خلقه قال تعالى والمسلم مدعو لكسب الفضائل ومقاومة الرذائل وامتلاك القوة الإيمانية الإرادية ليرقَى صعُدا في معارج الكمال الروحي والكمال العلمي والكمال الخلقي والكمال الاجتماعى  وما الأمر كلام في الهواء أو شعارات جوفاء، ظاهرها المناداة بالحب والاحترام، وباطنها إصرار على العداوة والازدراء بل هي حركة دؤوبة على تغيير ما بالأنفس من أمراض وأدواء
ومن ثمرات التحلي بخلق الرفق محبة الله ذي المن والعطاء والتى وجبت للسمح كريم الخصال، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ سَمْحَ الْبَيْعِ ، سَمْحَ الشِّرَاءِ ، سَمْحَ الْقَضَاءِ “وظل تحت عرش الرحمن وقرب ودنو من جوار الكريم المنان.وكذلك محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرب منزلة منه عليه أفضل الصلاة والسلام يوم القيامة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا” 
وايضا بلوغ أفضل درجات العبادة. روى ابن حبان في صحيحه والحاكم مرفوعا عن عائشة رضي الله عنها: “إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم”وروى أحمد والطبراني مرفوعاعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: “إن المسلم المسدد ليدرك درجة الصوام القوام بآيات الله بحسن خلقه وكرم ضريبته”
وصدق الشافعي رحمه الله تعالى حين قال :
إذا رمت أن تحيا سليما من الردى         ودينك موفور وعرضك صين
فلا ينطقن منك اللسان بسوأة                 فكلك سوءات وللناس ألسن.
فالشدة والبأس لا تطلب من المسلم إلا في أوقات قليلة وهي أوقات الالتحام في المعارك –كما بينا- أما الرفق فهو المطلوب في كل الأوقات، والمطلوب في كل الأشياء، وهو لا يزيد الشيء إذا دخل فيه إلا جمالا وزينة، وإذا خرج منه كان الشيء مشينا غير مستساغ، ولذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لعائشة وهو يعلمها فضل الرفق، فقال : : «يا عائشة ارفقي فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه ولا نزع من شيء قط إلا شانه» [رواه مسلم، وأبو داود واللفظ له]. وقال صلى الله عليه وسلم : (إن الله يحب الرفق في الأمر كله) [رواه البخاري ومسلم].
ولذا من حرمه الله الرفق فلا خير فيه، وهو محروم من كل الخير، لأن الرفق باب الخير، ولذا نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا ذلك فيقول : « من يحرم الرفق يحرم الخير كله» [رواه مسلم]، وأخبر بذلك السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها، فقال صلى الله عليه وسلم : « يا عائشة إنه من أعطى حظه من الرفق فقد أعطى حظه من خير الدنيا والآخرة» [رواه أحمد]. وعنه صلى الله عليه وسلم في توصيته للسيدة عائشة رضي الله عنها : « ارفقي فإن الله إذا أراد بأهل بيت كرامة دلهم على باب الرفق» [رواه أحمد].
وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم الرفيق اللين السهل بالنجاة من النيران، فقال صلى الله عليه وسلم : « تدرون من يحرم على النار يوم القيامة كل هين لين سهل قريب حديث تدرون على من تحرم النار على كل هين لين سهل قريب» [رواه الترمذي]، وكان في دعاءه صلى الله عليه وسلم يطلب الرفق لمن رفق بأمته، فكان يقول : « ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به» [رواه مسلم].
والرفق هو ثمرة حسن الخلق، وأما العنف فهو ثمرة الغضب والفظاظة والحرص
يعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم الابتعاد عن العنف واللجوء إلى الرفق في الأمور كلها: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه".إن من يعش بين الناس محروما من الرفق، متصفا بالعنف محرومٌ من الخير كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من يحرم الرفق يحرم الخير كله". إن العنف شَيْن خلقي، وظاهرة قبيحة تؤدي إلى شيوع الأحقاد والعداوات، كما أنه يبعث في النفوس الرغبة في التحدي والعناد، وعدم الاستجابة للمطلوب منها، وإن كان المطلوب حقا وخيرًا. إن العنف في معالجة الآلة يكسرها، وفي مقارعة الخطوب يحطم الطاقات، ويدمر القوى.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
9 + 7 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.