إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلي الله عليه وسلم، وبعد فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار حياكم الله جميعا وطبتم وطاب سعيكم وممشاكم وتبوأتم جميعا من الجنة منزلا وأسأل الله الحليم الكريم جلا وعلا أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ودار مقامته ثم اما بعد إن المرء المسلم بلا قرآن في شهر رمضان كمن يريد حياة بلا ماء ولا هواء، وإن صلة بعض الصائمين بكتاب ربهم صلة رتيبة، لا تعدو كونها تمتمات يهزون بها آيات القرآن هزًّا،
لا يدرون ما قرؤوا ولا يفهمون ما تلوا، هم أحدهم آخر السورة فيقع في علل من عابهم الله بقوله تعالي " ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون " أي لا يعلمون إلا تلاوة لا تجاوز تراقيهم، فلربما تفننوا فيه باللحن، وتشدقوا في النطق فألهاهم هذا وذاك عن سهولة القراءة وحسن التدبر، قال أبو عمرو الداني أحد أئمة القراءات والتفسير في القرن الرابع " فليس التجويد بتمضيغ اللسان ولا بتقعير الفم ولا بتعويج الفك ولا بترعيد الصوت ولا بتمطيط الشد ولا بتقطيع المد، ولا بتطنين الغنات، ولا بخصرمة الراءات، قراءة تنفر منها الطباع، وتمجّها القلوب والأسماع، بل القراءة السهلة العذبة الحلوة اللطيفة" ألا إن شهر رمضان لفرصة كبرى في أن يطهر المرء نفسه بالصوم في النهار حتى تتهيأ لتدبر آيات القرآن في الليل فإن ساعات الليل أجمع على التلاوة.
لأن الصوم في النهار تخلية، والقيام بالقرآن في الليل تحلية، والله تعالي يقول " إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا " واعلموا أن فريضة الصلاة لم يرخص في تركها لا في مرض ولا في سفر بل إنها لا تسقط حتى في أحلك الظروف وأشد المواقف في حالات الفزع والخوف والقتال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صلي قائما فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب " رواه البخاري، فيا أيها المسلمون لقد ضرب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح أروع الأمثلة والنماذج في المحافظة على الصلاة وأدائها كما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقوم من الليل ثم يوقظ أهله ويقول لهم الصلاة الصلاة، ثم يتلو هذه الآية الكريمة من سورة طه " وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوي "
بل إنه رضي الله عنه عندما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي وأغمي عليه أراد الصحابة أن يوقظوه فقال أحدهم أيقظوه بالصلاة فإنكم لن توقظوه بشيء إلا الصلاة فقالوا الصلاة الصلاة يا أمير المؤمنين، فإذا به يستيقظ ويقول الصلاة الصلاة، لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، وهذا أحد السلف يقال له الربيع بن خثيم يهادي به بين رجلين يحملونه إلى المسجد فقيل له يا أبا يزيد لقد رخص لك لو صليت في بيتك فقال إنه كما تقولون ولكني سمعته ينادي "حي على الفلاح" فمن سمعه منكم ينادي حي على الفلاح، فليجبه ولو زحفا ولو حبوا إنها الصلاة حكم الفصل بين الكفار والمسلمين، وهي أول ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة، ولقد كان السلف يعزي بعضهم بعضا في فوات الصلاة، ويقول حاتم الأصم فاتتني الصلاة في جماعة فعزاني أبو إسحاق البخاري وحده، ولو مات لي ولد لعزاني أكثر من عشرة آلاف، لأن مصيبة الدين أهون عند الناس من مصيبة الدنيا.
إضافة تعليق جديد