كتب ضاحى عمار
ما حدث لم يكن مفاجأة لإيران، بل بدا وكأن طهران كانت تكتب سيناريو المواجهة لحظة بلحظة. فقبل الضربة الجوية الأمريكية بثلاثة أيام فقط، أخلت الاستخبارات الإيرانية المنشآت النووية بالكامل. خطوة سبقت تحرك واشنطن، وكشفت أن يد إيران كانت على الزناد، وعينها تراقب تحركات الخصوم بدقة شديدة.
المثير فى الأمر أن العملية العسكرية التى قادها ترامب لم تُحقق إلا هدفًا واحدًا: حفظ ماء وجه أمريكا بعد أن تلقت هي وتل أبيب صفعات صاروخية موجعة من طهران، أطاحت بمواقع عسكرية حساسة فى تل أبيب، فى ضربة غير مسبوقة أربكت الجيش الإسرائيلى، وفتحت باب التساؤل عن مدى قدرة الردع الأمريكية – الإسرائيلية الحقيقية.
اللواء يونس السبكى، الخبير الاستراتيجى، يقرأ المشهد من زاوية أخرى، مؤكداً أن الإيرانيين ليسوا هواة، ولا يتحركون بعشوائية. ما فعلوه من إخلاء للمواقع النووية يكشف أنهم توقعوا الضربة بل وربما أرادوا لها أن تقع. ويضيف: طهران لن تتخلى عن مشروعها النووى، لأنه بالنسبة لها مشروع بقاء، وورقة قوة استراتيجية تتوازن بها مع الغرب وإسرائيل
لكن الضربة لم تمر مرور الكرام، ووفقاً للمحللة السياسية مها الشريف، رئيسة تيار المستقبل ضد العنف والإرهاب، فإن ما أقدم عليه ترامب ليس أكثر من مغامرة يائسة هدفها تحقيق انتصار وهمى أمام الداخل الأمريكى المتأزم، ومحاولة بائسة لترميم الهيبة الأمريكية المتآكلة فى الشرق الأوسط بعد سلسلة الإخفاقات المتلاحقة".
ما يدعو للقلق فعلاً هو أن الرد الإيرانى، كما تشير المؤشرات الأولية، لن يكون رمزياً أو محدوداً. بل كل التوقعات تتحدث عن رد قاسٍ قد يطال قواعد أمريكية فى الخليج، وتحديداً فى قطر، والسعودية، والإمارات. وهذا يعنى، ببساطة، أن ترامب ألقى بالخليج كله فى مرمى النيران، وأوصل رسالته لهم بكل وضوح: احتموا بى.. وادفعوا الثمن
الخبير العسكرى يونس السبكى يؤكد أن الخليج اليوم أمام استحقاق أمنى غير مسبوق، ويتابع: الولايات المتحدة لن تخوض حروباً من أجل الخليج، لكنها ستبيعه السلاح وستفتح له سوق الخوف، وهذا ما تفعله منذ سنوات". ويتساءل: هل دول الخليج جاهزة فعلاً لسيناريو الرد الإيرانى؟ وهل لديها استراتيجيات ردع أم أنها ستكتفى بالاستغاثة
ومع دخول لاعبين كبار مثل روسيا والصين على الخط، يزداد تعقيد المشهد، وتتحول المنطقة من ساحة توتر إلى برميل بارود ينتظر شرارة إضافية. التدخل الروسى المحتمل ولو بشكل غير مباشر سيقلب الحسابات الأمريكية، وقد يدفع المنطقة نحو تحالفات جديدة تخرج واشنطن منها أقل نفوذاً مما كانت عليه فى السابق.
مها الشريف تحذر من سقوط العرب فى فخ الوهم الأمريكى من جديد، مشددة على أن الحماية الأمريكية ما هى إلا ورقة ضغط لابتزاز الخليج سياسيًا واقتصاديًا، والواقع يؤكد أن المصالح فقط هى ما يحكم تحركات واشنطن.
ومن هنا، تتجلى الرؤية الاستباقية للقيادة المصرية. فالرئيس عبد الفتاح السيسى قرأ هذا المشهد مبكرًا، وبدأ فى تنويع مصادر السلاح، وعمل على نقل القوة العسكرية إلى سيناء، ووضع أسس عقيدة دفاعية حديثة تقوم على الردع والجاهزية الشاملة.
ما يحدث الآن هو إعادة تشكيل لخريطة القوة فى الشرق الأوسط. أمريكا تصنع حربًا لتبيع السلاح، وتنعش اقتصادها المنهك، وتفتح شرايين المال نحو خزائن شركاتها العسكرية الكبرى. أما العرب، فهم من يدفعون الفاتورة دمًا ومالاً فى كل مرة.
اللواء عمر سليمان، رحمه الله، قالها منذ سنوات: مصر ستظل الدولة الوحيدة المستقرة، وكل ما حولها سيكون مشتعلاً. والواقع اليوم يثبت أن الاستقرار ليس صدفة، بل هو قرار وسياسة واستعداد دائم لأسوأ الاحتمالات.
وإذا كانت الضربات الأمريكية قد أصابت أهدافاً خالية من البشر والعتاد، فإن الضربات الإيرانية المقبلة قد تكون أكثر إيلامًا، وأكثر اتساعًا. وما لم تتدارك المنطقة نفسها، فسنكون على موعد مع مشهد مختلف تمامًا، لا يشبه إلا البدايات الأولى لحروب غيّرت وجه التاريخ.
السؤال الحقيقى ليس عن موعد الضربة التالية بل عن قدرة العرب على النجاة منها
إضافة تعليق جديد