اليوم : السبت الموافق 30 نوفمبر 2024
الحمد لله فتح باب التوبة للمذنبين، ووعد بحسن العاقبة للصادقين، أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخليله إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وصحبه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد إن من الأمانات هو الأمانة في العطية والوصية، فالمسلم إذا أعطى أحدا عطية ليس فيها معصية، فلا يجوز له الرجوع في عطيته؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم شبه ذلك بأقبح الصور، وأشنعها فقال " العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه " وقال صلي الله عليه وسلم "لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده" رواه البخاري ومسلم.
فالوالد عليه أن يعدل في العطية بين أولاده، العطية التي ليس لها سبب يجوز فيه التفاوت، كالعيديات يجب أن يساوي بينهم " للذكر مثل حظ الأنثيين " فإن كان هناك سبب يدعو للتفاوت، كأن كان بأحد أولاده مرض يحتاج إلى نفقة علاج، أو دين ركبه، أو إعانة لزواج يحتاجه، أعطاه ما يعينه، فإذا قامت بالولد الآخر حاجة مثل حاجة الأول، أعطاه مثلما أعطى الأول، وإن مات قبل أن يزوج الصغار وقد زوج الكبار، فليس عليه مسؤولية ولا يؤاخذ عند الله لأن نيته أن الصغار إذا كبروا فسيعينهم مثلما أعان الكبار إذا إستطاع، والمسلم لا يجور في الوصية فلا يزيد على الثلث، ولا يوصي لوارث، ولا يحرمه لأن الله تعالى قال في كتابه " غيار مضار " وقال ابن عباس رضي الله عنهما "الإضرار في الوصية من الكبائر"
وإذا قام المسلم على وصية نفذها لأنها أمانة فيخرج حقوق الله من تركة الميت أولا، من زكاة أو كفارات أو نذور لم تخرج وحقوق الآدميين من ديون وغيرها، وينفذ ما أوصى به الميت إن كان أوصى بشيء، ولا يبخس إخوانه الصغار حقوقهم إذا قام على تركة أبيه، ولا يتعدى الذكر على الأنثى فيأخذ حقها، ولا يقسم التركة قسمة جاهلية، فيقول السيولة في البنك للرجال، وذهب الأم للنساء قسمة جاهلية ما أنزل الله بها من سلطان، فما الذي يحمل المسلم على تنفيذ الوصية والعدل، والعمل كما أمر الموصي؟ إنه يخاف الله تعالي، حيث قال الله عز وجل " فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه علي الذين يبدلونه " وانظر إلى الوعيد الذي ذكره الله بعد أن بيّن قسمة المواريث، فقال تعالي " ومن بعص الله ورسوله " أي في المواريث " ويتعدي حدوده " أي الأنصبة التي حددها " يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين "
وإن المسلم يعلم أمانة الرهن، فلا يبيع شيئا مرهونا إلا بموافقة المرتهن، ويعلم أمانة الكفالة، فلا يأخذ مقابلا على كفالة لأنها إحسان يبتغي به وجه الله تعالي، ويعلم أمانة الوكالة فلا يتوكل إلا في أمر مباح، والمسلم يسعى في الصلح بين المسلمين يرجو ثواب الله عز وجل، وإذا عرض عليه صلح يقبله، ولا يتعنت ولا يعاند ولا يكابر، بل يتنازل كل طرف ليحصل الصلح لأن الله ندب إليه، وأراده، وأمر به فقال تعالي " وأصلحوا ذات البين " ويتنازل هذا عن شيء من الدين، أو شيء من الدية، أو بعض حقوق الشراكة لتصلح الأمور، والمسلم إذا استعار شيئا حفظه وحافظ عليه، ورده إذا إنتهت المدة، أو إنتهت حاجته إليه لأنه يعلم أمانة العارية.
إضافة تعليق جديد