رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الخميس 15 مايو 2025 12:00 ص توقيت القاهرة

الدكرورى يتكلم عن أصل الأخلاق الإسلاميه

 
بقلم / محمــــد الدكــــرورى

القرآن الكريم هو أصل الأخلاق الإسلامية ، والإسلام يربط بين القول والعمل والقيمة والسلوك ، والأخلاق في الإسلام قاسم مشترك على مختلف أوجه الحياة ، وغاية الأخلاق في الإسلام هو  التقوى ، الذي يجعل أداء العمل الطيب واجباً محتماً ويجعل تجنب العمل الضار واجباً محتماً، ويجعل الخوف من الله أقوى .

فالقيم الأساسية في الإسلام ثابتة لا تتغير لأنها صالحة لكل زمان ومكان وإن الأخلاق والعقيدة والشريعة ليست من صنع الإنسان ولذلك فهي قائمة على الزمان ما بقي الزمان على اختلاف البيئات والعصور وإن الحق سيظل هو الحق لا يتغير.

ولذلك فإن أبرز قواعد الإسلام هو  ثبات القيم ، وبالتالي ثبات الأخلاق ، وإن الالتزام الخلقي هو قانون أساسي يمثل المحور الذي تدور حوله القيم الأخلاقية فإذا زالت فكرة الالتزام قضي على جوهر الهدف الأخلاقي، ذلك انه إذا انعدم الالتزام انعدمت المسؤولية وإذا انعدمت المسؤولية ضاع كل أمل في وضع الحق في نصابه .

والإسلام يحمل قواعد نظرية أخلاقية متكاملة تقود إلى الفضائل في أحسن ما تكون عليه، وهذا ينبع من غاية رسالة الإسلام التي هي رحمة للعالمين ، وقد جاء الخطاب من الله تعالى إلى النبي محمد صلى الله عليه ، وهو من كانت سيرته سنة يقتدى بها ، وتؤكد كتب السيرة انه لم يكن لبشر ما كان للنبي  الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم من الأخلاق، فقد كان أحسن الناس خلقاً وأكثرهم محبة ورأفة ورحمة.

كل ذلك نلمحه في ضوء العبارة البليغة التي قالتها السيدة خديجة بنت خويلد عندما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده ودخل عليها وقال: " زملوني زملوني" فزملوه حتى ذهب عنه الروع ، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: " لقد خشيت على نفسي". فقالت له خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق ". 

فالسيدة خديجة رضوان الله عليها عندما استشفت روحها الأمر العلوي ، وأبصرت أضواء الوحي الإلهي رقراقة على جبين الرسول صلوات الله وسلامه عليه، طبقت ذلك على أحواله النابضة بكل مكرمة ومعروف، فرأت أن الكل إنما ينبع من مشكاة واحدة ، فأصدرت حكمها بأن الله لا يخزيه أبدا، وأقسمت على ذلك وأردفت القسم بالدليل المطابق الذي يتضمن جميع مكارم الاخلاق. 

ومن القرآن آياتٍ قرآنية عن الأخلاق تدعو المؤمنين للتخلّق بمكارم الأخلاق، ومنها قوله تعالى في سورة آل عمران: ( وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )  

ولقد تمثلت أعظم المكارم وأسماها في الرسول صلى الله عليه وسلم فانبعثت من نفسه الشريفة عظمة الاخلاق المشرفة ووصفه ربه بقوله: " وإنك لعلى خلق عظيم"، وتحدث هو بنعمة الله عليه بقوله: " أدبني ربي فأحسن تأديبي"، كما شرحت السيدة عائشة رضوان الله عليها ماهية الخلق النبوي في إيجاز ودقة إذ تقول: "كان خلقه القرآن"، والقرآن هو كلام الله العزيز الحكيم. 

فكأن كل فضيلة حض عليها، وكل صفة حميدة دعا إليها ، قد اتصف بها الرسول صلوات الله وسلامه عليه ،وهي تتركز في صفات مثلى وأسماء حسنى اتصف بها العلي القدير سبحانه ، والحديث عن الاخلاق في ذروتها وفي القدوة الحسنة فيها، هو حديث عن الرسول الكريم صلى عليه وسلم فيما يتصل بسلوكه وأفعاله وأقواله .

إن المثل الأعلى للأفراد هو الشرف والنزاهة، والاستعلاء على الهوى والشهوة، وعِرفان الحق والواجب، والاستمساك بأهداف الفضيلة، والاندماج في جو روحي خالص بعيد عن نقائص المادة، وشوائب الروح، والْمُثُل العلى للجماعة: هي التعاون، والإيثار، والتضحية، وإنكار الذات، والمحبة والمودة، والصدق والإخلاص، والأمانة، والوفاء، والتسامح، وسلامة الصدر .

والحديث عن الاخلاق في رحاب السنة هو بيان لما جاء في القرآن الكريم، لأن السنة مبينة للقرآن وقد كان خلق الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن ، وإن مشيئة الحق تبارك وتعالى قضت أن تلقى السماء بالأمانة الالهية ، وان تختم الرسالات بآخر رسول يكون خاتم النبيين يتمم مكارم الاخلاق.

وفي آداب الدخول والاستئذان: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا ) سورة الأحزاب 

ويخرج بالبشر من بين أسوار ليل متجهم، وجهالة مطبقة، ووثنية محدقة ، وإلى واحة فجر مترعرع على ضفافة كل فضائل الخير ، فيعطر الوجود عبيره، ويمنح الحياة رشده، ويخرج الناس من الظلمات إلى النور ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم). 

وعلى يده تمت المكارم فعاش العالم في ظل أيامه وقد وجد الحق الذي افتقده والعدل الذي غاب عنه ، والفضائل التي دفنت تحت وطأة الظلام  ، فاستعادت الحياة رشدها ويقينها، وبدأت في ظل إيمانها ، وما أفاء عليها من سعادة وإشراق ترى الوجود بمنظار على هدي خاتم النبيين صلوات الله وسلامه عليه.. 

وصدق الله إذ يقول: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما) ومن فضل الله ورعايته للرسول صلى الله عليه وسلم أن منحه خصائص تميزت بها شخصيته الكاملة ، وتمتعت على ضوئها حياة الناس، ونعم الجو الإسلامي بما ساد فيه من دفء الإيمان وراحة اليقين.
 

وقد أبرز هذه الخصائص في حديثه الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرعب ، وأحلت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأرسلت إلى الخلق كافة ، وختم بي النبيون". 

وإن من أمهات الاخلاق في الإسلام هى النصيحه ، وفوق إنها دعوة للخير وارشاد للغير ،فهي عبادة من أسمى العبادات ، فإن المقصود بالعبادة جانبان: الجانب الأولي: شكر الله تعالى على نعمه الجليلة ، الجانب الثاني: مواصلة السعي إلى سعادة الإنسان وربحه دنيا وآخره . 

ومن كمال الدين إرشاد الغير ونصحه ، قال صلى الله عليه وسلم  " الدين النصيحة " وبهذا المنهج الالهي تسمو النفس الإنسانية إلى الكمال ، حيث لا يقتصر الإنسان على أداء الأمور الواجبة عليه فحسب ، بل يحاول ما استطاع أن يسعد ذويه واخوانه ويبث بينهم سعادة الإيمان وحلاوته ، فيوجه النصح النافع والرشد الناجح .

والناظر إلى نعم الله تعالى التي أنعم بها على الإنسان ، يرى نفسه عاجزا كل العجز أن يحيط بها لا يعجز عن إدراك الكثير منها ، أو عن إدراك جوانب العظمة فيها ، فهي تبدأ من مطلع نشأته وفجر خلقته، فقد خلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم، فجعل له عينين يبصر بهما، ولسانا يترجم به عما يريد، وشفتين يستعين بهما على النطق وعلى الغذاء، وهداه النجدين طريق الخير وطريق الشر .
 

ووجه سبحانه إلى عمل الخير وإلى شكر ربه سبحانه على ما أولاه من النعم السابغة ، ومن لم يؤد حق ربه في نعمه ، ولم يشكره عليها ، فقد تعرض إلى سبل الخسران والبوار، لأن شكران المنعم على الفضل ينمي النعمة ، ويستدر عليها أرباح الدنيا ، وأرباح الدين : ( لئن شكرتم لأزيدنكم ). 

وربح الدنيا المادي يكون شكره بالرحمة والاحسان والتعاطف والتواصل الذي تتفجر به ينابيع الرحمة الدافقة في قلوب المحسنين في يوم ذي مسغبة ، وربح الدين الأخروي يتمثل شكره في صدق الولاء لله في السراء وفي الضراء ، وفي بذل النصحية للمسلمين تواصيا بالصبر وبالرحمة.

ويجب علينا ان ننظر الى الخلق العظيم لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم  فقد بيّن الله عز وجل، خلق رسوله الكريم محمّد -صلّى الله عليه وسلّم وأثنى عليه في مواطن عديدة، قال تعالى ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) وأوضح الله سبحانه وتعالى ، وجوب التأسي بنبيّه والاقتداء بخلقه العظيم، قال تعالى ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) 

ومن جملة الآيات الكثيرة التي عظَّم الله فيها خلق نبيّه، قوله تعالى ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) والتزكية هي التطهير من أدناس الأعمال والأقوال والأخلاق.

وأن الاخلاق من غير الاخلاص لا وزن لها ولا قيمة، ولا أثر لها ولا نتيجة، فهي تصبح جوفاء لأنها لم يقصد بها وجه الله وإنما قصد بها سواه ، وحقيقة الاخلاص ، هو التبري عن كل ما دون الله تعالى ، ومعنى هذا أن كل عمل يصدر عن المسلم يكون لوجه الله سبحانه وتعالى بعيدا عن كل ما دونه حتى سكناته وحركاته ، وظاهره وباطنه كل ذلك يكون في مرضاة الله تعالى .

والاخلاص هو أن يكون سكون العبد وحركاته لله تعالى خاصة ، وهذه العبارة جامعة وافية بالمقصود ، والاخلاص صدق النية مع الله تعالى ، والاخلاص في ضوء القرآن الكريم تتحدد ملامحه بأن تكون العبادة خالصة لله وحده وأن يكون كل ما يصدر عن الإنسان مقصودا به وجه الله تعالى: ويقول الله تعالى مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم: ( إنا أنزلنا اليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص). 

ومعلوم أن خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم هو خطاب لامته كذلك ولكن تأكيدا لأمر الاخلاص فقد جاء الامر عاما في قول الله تعالى ( فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون) وقد أشار الله سبحانه إلى العبادة على أساس من الاخلاص وإلى إقامة الصلاة وايتاء الزكاة بأن ذلك هو دين الملة القيمة. 

وقال تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ) وبينت الأية مقام الاخلاص بالنسبة للحق وللخلق، كما وضحت أن الاخلاص والعمل قرينان لا ينفصلان فتبين أنه لابد من الاخلاص في قوله (مخلصين)، ولابد من العمل في قوله: (ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة). 

أما عن الاخلاص في ضوء السنة الشريفة فأول ما ننظر إليه هو ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الاعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى ، فمن كان هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها ، أو إلى امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه ) 

وفي هذا الحديث يرسي الرسول صلى الله عليه وسلم قاعدتين من أهم القواعد الإسلامية ، احداهما: هي الأساس الذي يقوم عليه كل عمل وثانيهما جزاء كل عامل ، ولذا كان هذا الحديث من الاحاديث المهمة التي تقوم عليها أصول الإسلام.

ولهذا كان المنهج السديد في إصلاح الناس وتقويم سلوكهم، وتيسير سُبُل الحياة الطيبة لهم ، أن يبدأ المصلحون بإصلاح النفوس وتزكيتها، وغرس معاني الأخلاق الجيِّدة فيها، ولهذا أكد الإسلام على إصلاح النفوس، وبين أن تغيير أحوالِ الناس مِن سعادة وشقاء، ويُسرٍ وعُسر، ورخاءٍ وضيق، وطمأنينة وقلق، وعز وذل، كل ذلك ونحوه تَبَعٌ لتغير ما بأنفُسهم من معان وصفات .

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.