رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

السبت 6 سبتمبر 2025 11:29 ص توقيت القاهرة

الدكرورى يتكلم عن " إبن زيد بن حارثة "

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي ، أبوه زيد بن حارثة ، كان مولى لخديجة فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه رسول الله وزوّجه أم أيمن حاضنته واسمها بركة ، فولدت له أسامة بن زيد رضي الله عنه ، فهو مولى لرسول الله من أبويه، ويكنى أبا محمد، ، وكان يسمى “حِبّ رسول الله “ وقد ولد رضي الله عنه بمكة سنة 7 قبل الهجرة، ونشأ حتى أدرك ولم يعرف إلا الإسلام لله تعالى ولم يدن بغيره، وهاجر مع رسول الله إلى المدينة، وكان رسول الله يحبه حبًّا شديدًا، وكان عنده كبعض أهله .

وقد اشترى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حَلّةً كانت لذي يَزَن ، اشتراها بخمسين ديناراً ، ثم لبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجلس على المنبر للجمعة ، ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكسا الحُلّة أسامة بن زيد ، وقد كان أبوه زيد بن حارثة  رضي الله تعالى عنه ، شديد البياض، ولكنه لما تزوج أم أيمن ، وهي امرأة حبشية سوداء  جاء أسامة رضي الله تعالى عنه شديد السواد، فكان سواده كالليل، ولهذا كان يطعن في نسبه المنافقون، ويقولون: هذا ليس من هذا.

وتعرفون خبر ذلك الرجل الذي يعرف في القيافة، فلما رأى أسامة وأباه في المسجد قد ناما والتحفا ببرد، ولم تظهر إلا أرجلهما، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، ففرح بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وسر به ، وكان نقش خاتم أسامة بن زيد رضي الله عنه: (حِبّ رسول الله ) وقد زوّجه النبي وهو ابن خمس عشرة سنة ، وقد استشهد والده زيد بن حارثة رضي الله عنه زوج أم أيمن ووالد أسامة في مُؤْتة، واستشهد أيمن ابنها وأخو أسامة من أمه في حُنين .
  

وعلى الرغم من حداثة سن أسامة رضي الله عنه الا أنه كان مؤمنا صلبا ، قويا ، يحمل كل تبعات دينه في ولاء كبير ، ولقد كان مفرطا في ذكائه ، مفرطا في تواضعه ، وحقق هذا الأسود الأفطس ميزان الدين الجديد ، وقبل وفاة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بعامين خرج أسامة أميرا على سرية للقاء بعض المشركين ، وهذه كانت أول امارة يتولاها ، وقد أخذ فيها درسه الأكبر من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وعلى صغر سنِّه، فقد ولاَّه النبي قيادة جيش المسلمين المتوجه لغزو الروم في الشام، وجلس أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقسّم أموال بيت المال على المسلمين ، وجاء دور عبد الله بن عمر، فأعطاه عمر نصيبه ، ثم جاء دور أسامة بن زيد، فأعطاه عمر ضعف ما أعطى ولده عبد الله ، وإذا كان عمر يعطي الناس وفق فضلهم، وبلائهم في الإسلام، فقد خشي عبد الله بن عمر أن يكون مكانه في الإسلام آخرا، وهو الذي يرجو بطاعته، وبجهاده، وبزهده، وبورعه، أن يكون عند الله من السابقين.

 
هنالك سأل أباه قائلا:" لقد فضّلت عليّ أسامة، وقد شهدت مع رسول الله ما لم يشهد"..؟
فأجابه عمر:" إن أسامة كان أحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك ، وأبوه كان أحب إلى رسول الله من أبيك" ، فمن هذا الذي بلغ هو وأبوه من قلب الرسول وحبه ما لم يبلغه ابن عمر، وما لم يبلغه عمر بذاته ؟ إنه أسامة بن زيد ، الذى كان لقبه بين الصحابة: الحبّ بن الحبّ ، أبوه زيد بن حارثة خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي آثر الرسول على أبيه وأمه وأهله، والذي وقف به النبي على جموع أصحابه يقول:

" أشهدكم أن زيدا هذا ابني، يرثني وأرثه" وظل اسمه بين المسلمين زيد بن محمد حتى أبطل القرآن الكريم عادة التبنّي ،  أسامة هذا ابنه ، وأمه هي أم أيمن، مولاة رسول الله وحاضنته، لم يكن شكله الخارجي يؤهله لشيء ، أي شيء ، فهو كما يصفه الرواة والمؤرخون: أسود، أفطس ، أجل ، بهاتين الكلمتين، لا أكثر يلخص التاريخ حديثه عن شكل أسامة! ولكن، متى كان الإسلام يعبأ بالأشكال الظاهرة للناس؟ ومتى ، ورسوله هو الذي يقول:

" ألا ربّ أشعث، أغبر، ذي طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبرّه" فلندع الشكل الخارجي لأسامة إذن ، لندع بشرته السوداء، وأنفه الأفطس، فما هذا كله في ميزان الإسلام مكان ، ولننظر ماذا كان في ولائه ؟ ماذا كان في افتدائه ؟ في عظمة نفسه، وامتلاء حياته ؟ فلقد بلغ من ذلك كله المدى الذي هيأه لهذا الفيض من حب رسول الله عليه الصلاة والسلام وتقديره .

وكان أسامة رضي الله عنه مالكا لكل الصفات العظيمة التي تجعله قريبا من قلب الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكبيرا في عينيه ، فهو ابن مسلمين كريمين من أوائل المسلمين سبقا إلى الإسلام، ومن أكثرهم ولاء للرسول وقربا منه ، وهو من أبناء الإسلام الحنفاء الذين ولدوا فيه، وتلقوا رضاعتهم الأولى من فطرته النقية، دون أن يدركهم من غبار الجاهلية المظلمة شيء.
 

وهو رضي الله عنه على حداثة سنه، مؤمن، صلب، ومسلم قوي، يحمل كل تبعات ايمانه ودينه، في ولاء مكين، وعزيمة قاهرة ، وهو مفرط في ذكائه، مفرط في تواضعه، ليس لتفانيه في سبيل الله ورسوله حدود ، ثم هو بعد هذا، يمثل في الدين الجديد، ضحايا الألوان الذين جاء الإسلام ليضع عنهم أوزار التفرقة وأوضارها.

وقد ولّاه النبي قيادة جيش المسلمين المتوجه لغزو الروم في الشام الذي كان في صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة، وقد تأخر أسامة بالجيش لما بلغه نبأ مرض الرسول، وانتظر حتى وصل الخبر بوفاة الرسول، فلما استُخلف أبو بكر، سار إلى الجرف، فأمر أسامةَ أن يسير بالجيش إلى الوجهة التي وجهه إليها الرسول ومشى معه أبو بكر يودعه، وأسامة راكبٌ فرسه، فقال: يا خليفة رسول الله، إما أن تركب، وإما أن أنزل. 

فقال أبو بكر: والله لا تنزل ولا أركب ، وما عليَّ أن أغبر قدميَّ ساعةً في سبيل الله ، ثم ودع أسامةَ وأوصاه بوصية جامعة تصلح أن تكون أساساً لقوانين الحرب والجهاد، حيث قال له: سيروا على بركة الله، واغزوا باسم الله، وقاتلوا من كفر بالله، ولا تغدروا ولا تغلُّوا، ولا تقتلوا شيخاً كبيراً ولا امرأةً ولا طفلاً، ولا تقطعوا شجرةً، ولا تذبحوا شاةً إلا للأكل ، وقد رجع أسامة من تلك الغزوة ظافراً منتصراً، وشارك بعد ذلك في حروب الردة، والفتوحات التي تلت.

وقد اعتزل أسامة بن زيد الفتن بعد مقتل عثمان بن عفان، وعِندما قتل الخليفة علي بن أبي طالب تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب عن الخلافة لِمعاوية بن أبي سفيان عندئذٍ بايع أُسامة معاوية مع عدد كبير من الصحابة مثل سعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة ، وكان قد سكن المزة غرب دمشق ثم رجع فسكن وادي القرى ثم نزل إلى المدينة المنورة فمات بِها بالجرف وقيل أنه مات سنة 54 هـجريه، وقيل ظل حياً حتى أواخر خلافة معاوية وقيل انه مات سنة 61 هجرية... والله أعلم .

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
4 + 0 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.