رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الخميس 3 يوليو 2025 9:39 م توقيت القاهرة

الدكرورى يتكلم عن عدو الإسلام أبو جهل

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

لما صدع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بأمر ربه، ودعا أهل مكة إلى التوحيد وترْك عبادة الأصنام، لقي من قريش عنتاً وشدة، وإعراضاً وإيذاءً، وكان أبو جهل من أوائل وأشد المشركين إيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم، وأبو جهل كنية لعدو الله عمرو بن هشام، كنَّاه بها النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن كان يُكنى بأبي الحكم، وذلك لشدة عداوته وإيذائه للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين .

وكان كفار الجاهلية وزعماؤهم من أهل مكة وقريش يبذلون كلّ ما استطاعوا لمحاربة النّبي صلّى الله عليه و سلّم وأصحابه و صدّهم عن دين الله تعالى، و كان من أبرز هؤلاء رجلٌ اسمه عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي المعروف بـ " أبو جهل ".

وهو أبو جهل هو عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي القرشي الكناني وكان سيدا من سادات بني قريش من قبيلة كنانة وكان من أشد المعادين للنبي محمد نبي الله ، وكنيته أبو الحكم، ولكن أبو جهل كناه بها النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، بعد أن كان يُكنى بأبي الحكم، وذلك لقتله امرأة عجوزا طعنا بالحرباء من قُبُلها حتى الموت، بسبب جهرها بالإسلام، وهي سمية بنت خياط .

وأبو جهل فرعون هذه الأمة ليس جاحداً بالله، وليس ملحداً، وليس مدعياً الألوهية، بل هو يستغيث بالله رب السماوات والأرض له، حين يطلب العون، وهو يعرف بأن الله تعالى رب السماوات والأرض له من القدرة ما لا طاقة للبشر بحربه، ومع ذلك كله لم يجعله هذا الأمر يقرب خطوة واحدة من الإيمان، أو يحسب في عداد المؤمنين .

ومن مواقف وصور الإيذاء والعداء من أبي جهل للنبي صلى الله عليه وسلم، التي سجلتها السيرة النبوية، وهى ضرب النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي عند الكعبة ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قال أبو جهل: هل يعفّر محمَّد وجهه بين أظهركم (بالسجود والصلاة)؟ فقيل: نعم، فقال: واللات والعزى لئن رأيتُه يفعل ذلك لأطأنّ على رقبته، أو لأعفرنَّ وجهه في التراب .

قال: فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، ليطأ على رقبته، قال: فما فجئهم (بغتهم) منه إلا وهو ينكص (يرجع) على عقبيه، ويتقي بيديه، قال: فقيل له: ما لك؟ قال: إن بيني وبينه لخندقاً من نار وهولاً وأجنحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو دنا مني لاختطفته الملائكة عُضْوَاً عُضواً " . رواه مسلم .

ونشأ عمرو في مكّة و تربّى فيها، وحين بلغ أشدّه وجدت فيه قريش الحكمة وصواب الرّأي، فسمّاه بعضهم بـ " أبي الحكم "، وقد كان للمشركين في مكّة دارٌ تسمّى دار النّدوة يجتمع فيها زعماؤهم وحكماؤهم يتشاورون في الأمور الكبيرة ويتخذون فيها القرارات المصيريّة، و قد كان عمرو من رجال دار النّدوة، و كانوا يستشيرونه في كلّ شيءٍ.

فلمّا بُعث النّبي صلّى الله عليه و سلّم فقد عمرو عقله وجنّ جنونه واستشاط غضباً، لأنه كان يرى أنّ بني مخزوم وهي القبيلة التي كان ينتمي إليها تستحقّ أن تكون فيها النّبوة، وقد عبّر عن ذلك يوماً بقوله لزعماء قريش: «إنّ بني هاشم قد حظوا بالسّقاية الرّفادة ثمّ جاؤوا ليحظوا بالنّبوة كذلك»، فكان سبب عدم إسلامه كفره وتكبّره وعناده عن قبول دعوة الحق، إلى جانب القبليّة التي كانت في نفسه و التّحيز لعشيرته بني مخزوم.

وبعد أن رأت قريش منه ذلك سمّاه عمّه الوليد بن المغيرة أبو جهل لأنّه فقد الحكمة التي كانت يتمتع بها بعد بعثة النّبي -عليه الصّلاة و السّلام-، وقد بقي أبو جهل يحارب الإسلام والمسلمين، وقد كان صاحب فكرة قتل النّبي الكريم، ويروى أنّه حاول قتله مرّةً برمي حجر عليه، و لكنّ الله عصم نبيه فرأى أبو جهل إبلاً عظيمة تهمّ أن تأكله وحالت بينه وبين ما يريد .

ومن صور العداء الشديد من أبي جهل للنبي صلى الله عليه وسلم، أنه طاف بالبيت ذات ليلة ومعه الوليد بن المغيرة، فتحدثا في شأن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو جهل: والله إني لأعلم أنه لصادق ، فقال له: مه ، وما دلك على ذلك؟ قال: يا أبا عبد شمس، كنا نسميه في صباه الصادق الأمين، فلما تم عقله وكمل رشده، نسميه الكذاب الخائن ، والله إني لأعلم إنه لصادق ، قال: فما يمنعك أن تصدقه وتؤمن به؟ قال: تتحدث عني بنات قريش أني قد اتبعت يتيم أبي طالب من أجل كسرة، واللات والعزى إِنِ اتَّبَعْتُهُ أبداً، فنزل قول الحق سبحانه وتعالى ( وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ ) .

وسأل المسور بن مخرمة ، خاله أبا جهل عن حقيقة محمد صلى الله عليه وسلم، إذ قال: يا خالي ، هل كنتم تتهمون محمداً بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فقال: يابن أختي، والله ، لقد كان محمد فينا وهو شاب يدعى الأمين، فما جربنا عليه كذباً قط، قال: يا خال ، فما لكم لا تتبعونه؟ قال: يابن أختي ، تنازعنا نحن وبنو هاشم الشرف، فأطعموا وأطعمنا، وسقوا وسقينا، وأجاروا وأجرنا، حتى إذا تجاثينا على الركب (جلسنا على الركب للخصومة) كنا كفرسي رهان (متساويين في الفضل) .

قالوا: منا نبي، فمتى ندرك مثل هذه؟ وقال الأخنس بن شريق يوم بدر لأبي جهل: يا أبا الحكم، أخبرني عن محمد، أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس ها هنا من قريش أحد غيري وغيرك يسمع كلامنا؟ فقال أبو جهل: ويحك ، والله إن محمداً لصادق، وما كذب محمد قط، ولكن إذا ذهبت بنو قصي باللواء والحجابة والسقاية والنبوة، فماذا يكون لسائر قريش؟".

ورغم علم وشهادة أبي جهل للنبي صلى الله عليه وسلم بالصدق والأمانة إلا أنه لم يؤمن به؛ حسداً واستكباراً، وقد قال الله عنه وعن أمثاله ، ممن كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يؤمنوا به، وهم يعلمون صدقه ونبوته: ( فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) سورة الأنعام .

لقد كان أبو جهل فرعون هذه الأمة ، شديد الأذى للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكم لاقى المسلمون من إيذائه واستهزائه، وظل مستكبراً حتى آخر لحظات حياته، وقد شاء الله تعالى أن يكون مقتله في غزوة بدر على يد غلامين صغيرين (معاذ بن الجموح ومعاذ بن عفراء) وأحد ضعفاء المسلمين (عبد الله بن مسعود) الذي كان نحيل البدن، قصير القامة .

وعن عبد الرحمن بن عوف قال: بينا أنا واقف في الصف يوم بدر، فنظرت عن يميني وعن شمالي، فإذا أنا بغلامين من الأنصار، حديثة أسنانهما، تمنيت أن أكون بين أضْلَعَ منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عم، هل تعرف أبا جهل؟ قلت: نعم، ما حاجتك إليه يا ابن أخي؟ قال: أُخبرتُ أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذي نفسي بيده، لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر، فقال لي مثلها .

فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس، قلت: ألا إن هذا صاحبكما الذي سألتماني، فابتدراه بسيفيهما، فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبراه، فقال: "أيكما قتله؟" قال كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال: "هل مسحتما سيفيكما؟" قالا: لا، فنظر في السيفين، فقال: "كلاكما قتله، سلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح" وكانا معاذ بن عفراء، ومعاذ بن عمرو بن الجموح . رواه البخارى ومسلم

وعن ابن مسعود قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، يوم بدر، فقلت: قتلت أبا جهل؟ قال: "آلله الذي لا إله إلا هو؟" قال: قلت: آلله الذي لا إله إلا هو، فرددها ثلاثاً، قال: "الله أكبر، الحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، انطلق فأرنيه" فانطلقنا فإذا به، فقال: "هذا فرعون هذه الأمة" رواه احمد .

وأبا جهل وهو في الرمق الأخير يصر على كفره وعناده، ويقول: أأعمد من رجل قتلتموه؟ لقد ارتقيت مرتقىً صعباً يا رويعي الغنم ، وتقع الأقدار العجيبة مع فرعون هذه الأمة أن يكون من الذين أسهموا بقتله غلامان من الأنصار في مقتبل الشباب حديثة أسنانهما، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، الذي كان يسميه رويعي الغنم، ولم يقتله صناديد المسلمين، حمزة أو علي، أو أبطال الأنصار سعد بن معاذ أو أبو دجانة أو سعد بن عبادة، إنما كتب الله تعالى أجله على يد الغلامين من الأنصار، وعلى يد رويعي الغنم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، الذي كان قصير القامة، نحيل البدن .

وقد دُفِن أبو جهل في قليب بدر بعد أن تعفنت جثته وجثث أقرانه من طغاة قريش، الذين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم قبل المعركة بأسمائهم، فعن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عقبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، " فوالذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق، لقد رأيت الذين سَمَّى صرعى (قتلى) يوم بدر .

ثم سُحِبوا إلى القليب قليب بدر، وفي ذلك عبرة للذين يصدون عن سبيل الله، ويعتدون على الضعفاء ويظلمونهم، ويغترون بقوتهم ومكانتهم، فمآل هؤلاء الطغاة الظلمة في كل زمان ومكان ، إلى عاقبة سيئة في الآخرة، وقد يُمَكِّن الله عز وجل للضعفاء والمظلومين منهم في الدنيا، كما حدث لأبي جهل يوم بدر، فقال الله تعالى: ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
16 + 2 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.