بقلم / محمــــد الدكـــــرورى
نعم الله علينا كثيرة، يذكرنا بها سبحانه كي نشكره، ونعرف قدرها فنحمده، ونعمة البصر من أعظم النعم أثرا، امتن الله تعالى بها على الإنسان فقال عز وجل:( ألم نجعل له عينين) أي: ليبصر بهما، ويدرك عظيم تدبير الله تعالى في كونه، وتسييره لمخلوقاته في الليل والنهار، قال سبحانه:( يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار).
وجعل الله تعالى النهار بضيائه وإشراقه لنبصر به معايشنا، وننظر في جمال هذا الكون، وتلك نعمة كريمة نبهنا الله عز وجل إليها، فقال سبحانه:( قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون).
فنعمة البصر تستحق الشكر، قال عز وجل:( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) ولقد أسبغ الله علينا نعمه، وأتم علينا فضله، فنعمه لا تعد ولا تحصى، وإن من أعظم تلك النعم نعمة البصر ، وشكر هذه النعمة من أوجب الواجبات على العبد، حيث لا يكافئها عمل الليل والنهار وإن بلغ عمر الإنسان كله، ذلك أن العين لهي الدرة الثمينة التي لا تقدر بثمن.
وقد سماها الله عز وجل الحبيبة والكريمة، كما جاء في حديث رواه البخاري والترمذي وابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل قال: إذا أخذت كريمتي عبدي وفي رواية: حبيبتي عبدي فصبر واحتسب لم أرض له ثوابا دون الجنة".
إن خَلق العين من أعظم أسرار قدرة الخالق سبحانه وتعالى فهي برغم صغرها بالنسبة إلى كل المخلوقات من حولها، فإنها تتسع لرؤية كل هذا الكون الضخم بما فيه من سماوات وأراضٍ وبحار وجبال وأنهار وأشجار وكل المخلوقات.
والبصر مرآة الجسم، وآلة التمييز، وهو النافذة التي يطل منها على العالم الخارجي، ويكشف بها عن أسرار الأشكال والأحجام والألوان ، وبالعين يتفكر الإنسان في نعم الله عليه، وفي هذا الجمال الذي أودعه الله في هذا الكون الفسيح، وبالعين يدفع الإنسان عن نفسه الكثير من الشرور، وبها يتعلم الكثير من المعارف والعلوم، وبها تشيّد الحضارات، وتبنى الأمم، وتتعارف القبائل والشعوب، وبها يستدل على عظمة الله ووحدانيته سبحانه وتعالى.
ولذلك؛ فإن الأعرابي في الصحراء استدل على وحدانية الله من خلال النظر في خلقه فقال: "البعرة تدل على البعير، وأثر السير يدل على المسير، وسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، أفلا تدل على اللطيف الخبير؟!" والعين تذرف الدموع لتنظفها من الأوساخ والترسبات، وهي تعبر في كثير من الأحيان عن ما في داخل النفس من فرح وحزن.
وما أجمل أن تكون هذه الدموع لله رهبةً وخوفاً وخشيةً منه عز وجل فيكون له الثواب الجزيل ، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم "لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع" رواه الترمذي.
وقالَ رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّه -تعالى-، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّق بالمَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه، اجتَمَعا عَلَيهِ وتَفَرَّقَا عَلَيهِ، وَرَجَلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمالٍ، فَقَالَ: إِنّي أَخافُ اللَّه، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةَ فأَخْفاها حتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمالهُ ما تُنْفِقُ يَمِينهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ" رواه البخاري ومسلم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله" رواه الترمذي ، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه إذا وقف على قبرٍ؛ بكى حتى يبل لحيته! فقيل له: تذكُر الجنة والنار فلا تبكي، وتبكي من هذا؟! فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن القبر أول منزل من منازل الآخرة، فإن نجا منه، فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه؛ فما بعده أشد منه!". قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما رأيت منظراً قط إلاّ القبر أفظع منه!".
إن نعمة البصر من أعظم النعم إذا استخدمها العبد في طاعة الله عز وجل، وفيما يعود عليه بالنفع في دنياه وآخرته؛ أما إذا كانت خلاف ذلك، فإن نعمة البصر قد تكون سبباً للحسرة في الدنيا والندامة في الآخرة، فكم من ذنوب ومعاصٍ كان سببها النظر الحرام .
ولقد نهى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أيضا عن إطلاق النظر، فقد قال عندما مر بقوم يجلسون على الطرقات: "إياكم والجلوسَ على الطرقات! فإن أبيتم إلا المجالسَ فأعطوا الطريق حقها: غض البصر، وكف الأذى، ورَدُّ السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر" رواه البخاري ومسلم.
وإن من أخطر الأمور التي جنتها الأمة بسبب غياب فقه البصيرة من القلوب كثرة مشاكلها واختلافها، وظهور الفتن؛ ولعل من أخطر هذه الفتن استحلال الدماء، وإزهاق الأرواح، وإقلاق الأمن، وتخويف الناس، وتغليب المصالح الخاصة على المصالح العامة، والصراع والخلاف على أتفه الأمور، والانتصار للنفس حتى وإن كانت على باطل.
لقد ضعف الإيمان في قلوبنا فضاعت البصيرة، وتعلقت القلوب بالدنيا فزاد الشقاء وحلت التعاسة في حياتنا، وتهاون الكثيرون بالطاعات والعبادات؛ فجفت الأرواح، وتبلد الفكر وقست القلوب، ولم ينتفع الإنسان بنعم الله عليه ، فخاف الله على قدر قدرته عليك، واستحي منه على قدر قربه منك ، واتق الله أن يكون أهون الناظرين إليك .
إضافة تعليق جديد