رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

السبت 27 يوليو 2024 12:13 م توقيت القاهرة

الدكروري يكتب عن آدم بين طريق الخير وطريق الشر

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن نبينا ورسولنا محمدا عليه الصلاة وأتم التسليم، أما بعد لقد كان من الملائكة اعتراض علي خلق آدم عليه السلام قياسا منهم على ما كان من أمر الجن حين انفردوا بسكناها، فقتل بعضهم بعضا، وسفك بعضهم دماء بعض، والملائكة يتأذون من هذه المناظر كما يتأذون مما يفعل على الأرض من منكرات فقد ورد في الأحاديث الشريفة "أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب أو تمثال أو تصاوير، وأنها لا تصحب رفقة معهم كلب أو جرس" وتتأذى من أكلة الثوم أو البصل إذا دخلوا المسجد ففي الحديث عند مسلم " من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم" 

وتتأذى من تعري الإنسان إلا في الخلاء، وطلب من الإنسان أن يستتر وهو في الحمام، وأن الملائكة الكرام الكاتبين لا تفارق الإنسان إلا عند الجنابة أو الغائط أو الغسل، فتبتعد عنه، وتتأذى من المنكرات ومجالس اللهو والخنا والمسكرات والموبقات، وهذا ما خشيته من هذا المخلوق الجديد لما أخبرها المولى عز وجل أنه سيستخلفه في الأرض، وأما من قال باعتراضهم على الله، أو عصيانهم عند سماع خبر إيجاد هذا المخلوق، فقوله "وهم" وخطأ فهو لم يعرف طبيعة الملائكة فالله خالقهم وقال تعالي عنهم " لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون" وكما ينزعجون من أخطاء الإنسان، يسعدون أيضا بطاعته وعبادته، ومجالس القرآن والذكر والعلم، ويقفون على أبواب المساجد يوم الجمعة يسجلون الحضور حسب تبكيرهم وقدومهم. 

فإذا صعد الخطيب على المنبر طووا صحفهم وجاؤوا يستمعون الذكر، وقال ابن كثير في البداية والنهاية في قول الحق سبحانه وتعالي " إني جاعل في الأرض خليفة" فأخبرهم بذلك على سبيل التنويه بخلق آدم وذريته، كما يخبر بالأمر العظيم قبل كونه، فقالت الملائكة سائلين على وجه الاستكشاف والاستعلام عن وجه الحكمة لا على وجه الاعتراض والتنقص لبني آدم والحسد لهم، كما يتوهمه بعض جهلة المفسرين، وأما جواب الله تعالى لهم " إني اعلم ما لا تعلمون" فليس تبرئة للإنس من سلوك هذا السبيل، وإنما لإعلامهم أن إخبارهم بما أراد هو للعلم لا للمشورة، وأن هذا النوع الذي سيخلف الجان في إعمار هذه الأرض سيكون من نوع مختلف عنكم وعن الجان، فإن كنتم من النوع الصرف الذي يوحد ولا يذنب.

فإن المخلوق الجديد سيكون في امتحان عسير، يتنازعه طريقان، طريق الخير وطريق الشر، وأيهما غلب عليه سيحتم له المصير الأبدي إما إلى جنة وإما إلى النار، وقولهم " ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك" كأنهم يريدون أن ينفردوا بالوجود، وألا يشاركهم مخلوق في هذا، لا حسدا، لأنهم لا يعرفون الحسد، وإنما كيلا يتأذوا من جحود المخلوق وكفره ونكرانه ولكي يثبت لهم ربهم أهمية هذا المخلوق زوده بالعقل، وزينه بالعلم فعلمه أسماء الأشياء الحسية والمعنوية ولغة التخاطب، فكان ناطقا، وهذا يدل على أن الأشياء خُلقت قبله من حيوان وجماد، فاحتاج لتعلم أسمائها، وجعلت الأرض مسكنا صالحا له حيث ظلت ملايين السنين تتقلب من حال إلى حال، وطور إلى طور، حتى ناسبت سكناه، وأصبح ما فيها مسخرا له.

فكان خلقها وتكوينها وخلق ما فيها من أقوات في أربعة أيام من أيام الله، التي لا يعلم مداها الزمني وفق سنواتنا إلا الله تعالي، وبقية خلق الكون في يومين، ليكتمل الخلق للسموات والأرض في ستة أيام، وهكذا خضعت الأرض لهذا التشكيل الرباني لتناسب عيش الإنسان، ومن هذه الآيات نستنتج أنه لا توجد حياة تناسب الإنسان على الكواكب الأخرى لأنها عُدت من بقية الكون التابعة للسموات ولم يشملها ما جرى للأرض، وأما هذا العدد من الأيام للخلق فتلك حكمة الله، والله تعالى قادر أن يخلقها بكلمة " كن " ولعل هذا الحديث يوضح الخلق بكلمة " كن" فقد ورد أن الملائكة طلبوا من ربهم الجنة لهم، فكان الجواب لن أجعل صالح من خلقت بيدي كمن قلت له كن، فيكون، وهذا يدل على أن خلق آدم الذي استغرق زمنا قبل نفخ الروح فيه ليس كمثل الملائكة الذين خلقوا بكلمة "كن" ولله الأمر من قبل ومن بعد في كيفية خلق عباده كما يشاء بما يريد.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.