رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

السبت 10 مايو 2025 6:46 م توقيت القاهرة

الصحابى الجليل عبد الله بن مسعود

بقلم / محمــــد الدكــــرورى
إذا تكلمنا عن الصحابى الجليل عبد الله بن مسعود سيكون الحديث طويل ، إذ كان من السابقين والمجاهدين، والعلماء العاملين، فإنه كان مزريًا بنفسه، متواضعًا لله تعالى، حذرًا أن يداخله كِبْرٌ أو عُجْبٌ، فكان يقول: " لو تعلمون ذنوبي ما وطئ عقبي رجلان، ولحثيتم على رأسي التراب، ولوددت أن الله غفر لي ذنبًا من ذنوبي، وأني دُعيت عبدَ الله بنَ روثة".

وجاء في سيرته العطره رضي الله عنه أنه مرض فعاده عثمان وقال: "ما تشتكي؟! قال: ذنوبي، قال: فما تشتهي؟! قال: رحمةَ ربي، قال: ألا آمر لك بطبيب؟! قال: الطبيبُ أمرضني، قال: آلا أمر لك بعطاء؟! قال: لا حاجة لي فيه".

وعاش بضعًا وستين سنة، وتوفي سنة ثلاث وثلاثين، وأوصى أن يصلي عليه الزبير بن العوام، وجاء نعيه إلى أبي الدرداء فقال: " ما ترك بعده مثله ".

وقال أبو وائل: " ما أعدلُ بابن مسعود أحدًا "، وقال الأعمش: " كان شقيقٌ يذكر صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يذكر ابن مسعود! فقلت له: أراك لا تذكر ابن مسعود، قال: " ذاك رجل لا أفضل عليه أحد".

وقال علقمة: " جاء رجل إلى عمر فقال: إني جئتك من عند رجل يملي المصاحف عن ظهر قلب؛ ففزع عمر، فقال: ويحك! انظر ما تقول، وغضب، فقال: ما جئتك إلا بالحق، قال: من هو؟! قال: عبدُ الله بن مسعود، فقال: ما أعلم أحدًا أحقَّ بذلك منه، وسأحدثك عن عبد الله: إنا سمرنا ليلة في بيت أبي بكر في بعض ما يكون من حاجة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم خرجنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين أبي بكر، فلما انتهينا إلى المسجد إذا رجل يقرأ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يستمع إليه .

فقلت: يا رسول الله، أعْتَمتْ، فغمزني بيده: اسكت، فقرأ وركع وسجد، وجلس يدعو ويستغفر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "سل تعطه"، ثم قال: "من سرَّه أن يقرأ القرآن رطبًا كما أنزل فليقرأ قراءة ابن أم عبد"، فعلمت أنا وصاحبي أنه عبد الله، فلما أصبحت غدوت إليه لأبشره، فقال: سبقك بها أبو بكر، وما سابقته إلى خير قط إلا سبقني إليه".

والصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، الذي هو قدوة لطلبة العلم، وأسوة للمعلمين، وهو من السابقين الأولين، قال رضي الله عنه: لقد رأيتني سادس ستة ما على الأرض مسلم غيرنا ، فمناقبه غزيرة، وسيرته حميدة، وروى علوما كثيرة ، فهو العالم المفسر الفقيه، أول من جهر بقراءة القرآن في مكة.

ودفعه حب العلم إلى التعلم من النبي عليه الصلاة والسلام، قال رضي الله عنه: جاء النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فقلت: علمني ، فمسح رأسي وقال: " يرحمك الله، فإنك غليم معلم" فنالته بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ، فكانت له همة عالية ورغبة صادقة في تحصيل العلم وطلبه، فلازم النبي صلى الله عليه وسلم لينهل منه علما وهديا، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حرصه على طلب العلم قربه وأدناه، حتى قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: قدمت أنا وأخي إلى المدينة، فكنا نظن ابن مسعود وأمه من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثرة دخولهم ولزومهم له.

وقد كان شغوفا بأخذ العلم من مصدره، قال رضي الله عنه: أخذت من فم النبي صلى الله عليه وسلم سبعين سورة لا ينازعني فيها أحد ، وبذل الجهد، وتكبد المشقة ليستزيد من العلم، فقال رضي الله عنه: ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت، وفيم أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه.

وكان رضي الله عنه يعمل بما يتعلم، ويتأسى بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل شيء، قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: ما أعرف أحدا أقرب سمتا وهديا بالنبي صلى الله عليه وسلم من ابن أم عبد ، أي: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، وقال حذيفة رضي الله عنه: إنه أشبه الناس هديا وقضاء وخطبة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأتقن رضي الله عنه كل ما تعلمه، فأحبه النبي صلى الله عليه وسلم ، وأحب أن يسمع قراءته للقرآن الكريم، فقال له صلى الله عليه وسلم " اقرأ علي " قال: أقرأ عليك، وعليك أنزل؟

قال صلى الله عليه وسلم " إني أحب أن أسمعه من غيري " فقرأ عليه من أول سورة النساء إلى قوله تعالى:( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) قال له النبى " أمسك ". فإذا عيناه تذرفان صلى الله عليه وسلم .

ونصح النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن يتعلموا القرآن الكريم من ابن مسعود رضي الله عنه فقال " من أراد أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأ على قراءة ابن أم عبد " فرفع العلم مكانته، وأعلى مقامه، وخلد في العالمين ذكره.

ولقد كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه غزير العلم، رفيع الشأن بين الصحابة، يعرفون قدره، ويقدرون علمه، قال عنه عمر رضي الله عنه: كنيف ، أي: وعاء ، ملئ علما، وأرسله إلى الكوفة، وكتب إليهم: إني والله آثرتكم به على نفسي، فخذوا منه، فكان رضي الله عنه قدوة للمعلمين، يرفق بطلابه، ويعاملهم بجميل أخلاقه، فقد اجتمع بعض الناس عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

فقالوا: ما رأينا رجلا أحسن خلقا، ولا أرفق تعليما، ولا أشد ورعا، ولا أحسن مجالسة من ابن مسعود، فقال علي رضي الله عنه: اللهم إني أشهدك أني أقول مثل ما قالوا أو أفضل.

ونتعلم من الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه اعتناءه بمظهره، وطيب رائحته، فكان من أجود الناس ثوبا، ومن أطيبهم ريحا، وكان يعرف بالليل بريح الطيب ، فأحبه الناس لغزارة علمه، وحسن خلقه، وطيب جوهره، وجمال مظهره، وأقبلوا عليه، لا يملون حديثه، ولا يشبعون من علمه، قال أحد طلابه: كان عبد الله يحدثنا كل خميس فيتكلم بكلمات، فيسكت حين يسكت ونحن نرجو أن يزيدنا.

وهاجر الهجرتين، وصلى إلى القبلتين، وشهد المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أجهز على أبي جهل، وبايع بيعة الرضوان، وشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وكان من السابقين إلى الإسلام؛ حتى قال: "لقد رأيتني سادس ستة وما على ظهر الأرض من مسلم غيرنا"، ذلكم هو أبو عبد الرحمن الهذلي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.