المؤامرة ...........الجزء الثانى.
..
تحققت عملية صناعة "الفوضى الخلّاقة" داخل الدول العربية بسلاح "الإسلاميين" في العراق بعد تدمير جيش عربي قوي وإشعال حرب أهلية "رايس" بشَّرت بولادة "شرق أوسط جديد" ووصفت العدوان على لبنان بـ"آلام المخاض" تعطُّش "الإخوان" للحكم جعلهم مستعدين للموافقة على جميع التنازلات السياسية لصالح الغرب .
.
يهدف مشروع ترويض الأمم إلى وضع الدول العربية بالذات تحت وصاية الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بالمعنى الفعلى لنظام الوصاية "De facto"، وإن لم يكن بالمعنى القانونى الدقيق "De juri"، وتتمثّل هذه الوصاية في التخطيط الدقيق لمعالم التغيير الذي تريد الولايات المتحدة الأمريكية تحقيقه في بنية المجتمعات العربية في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، ولا تقتصر المسألة على التخطيط فقط، ولكنها تتعدى ذلك إلى الإشراف الدقيق على التنفيذ، من خلال الإدارة الأمريكية والأوروبية مباشرة.
.
وبصرف النظر عن فشل هذا المشروع، فهناك أهمية لتعقب أصول النزعة الأمريكية للتدخل في شئون الدول، عن طريق مد جَسورًا لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية في آسيا وأفريقيا، في فرض هيمنتها ولجوئها إلى سلاح المساعدات الاقتصادية لإخضاع الدول النامية.
وكلمة "الترويض" لها أكثر من دلالة، ذلك أن الكلمة في معناها الأصلى تنصرف إلى ترويض الوحوش ونزع سلوكها العدوانى وإخضاعها حتى تصبح ألعوبة في يد المروِّض، أما في العلاقات الدولية، فترويض الأمم يعنى ببساطة أن المروِّض -وهو هنا "الدولة العظمى القادرة"- سيتجه إلى الشعوب الهمجية أو البربرية، لو استخدمنا لغة الأنثروبولوجيا الاستعمارية في القرن التاسع عشر، أو الدول المارقة Rogue Countries بلغة الخطاب الأمريكى الرسمى الآن، لكى يفرض عليها الالتزام بالنظام وفق القيم التي تؤمن بها كأنها قيم عالمية وليست قيمًا إمبريالية.
.
وإذا كان عنوان "ترويض الأمم" تعبيرًا دبلوماسيًّا عن نزعة الهيمنة الأمريكية، فإن مرجعًا آخر كان أكثر صراحة في التعبير عنها، فوضع عنوانًا هو "تأديب الأمم"، ومما يلفت النظر بشدة، أن الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس جورج بوش الابن تحاشت استخدام هذه المفاهيم التي تكشف عن فجاجة التدخل الأمريكى وعدم مشروعيته، ولذلك لجأت إلى مصطلح ذائع في علم السياسة، وهو بناء الأمم "nation building"، لتشير إلى سياسات التدخل الأمريكى في أفغانستان والعراق.
.
الواقع أنه مَن يراقب التدخل المباشر لحلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية في الصراع الدموى الذي دار بين نظام العقيد معمر القذافى المتهاوى وقوى المعارضة، يجد أن أنسب عنوان لهذه المرحلة ليس "ترويض الأمم" ولكن "تأديب النظم"، ويمكن لنا أن نعبر عن دهشتنا البالغة لأن الرأى العام العربى لم يستنكر بالقدر الكافى تدخل حلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية في الصراع الليبى بين المعارضة والنظام الاستبدادى لمعمر القذافى، فكان لا بد من إدانة هذا التدخل، انطلاقًا من مبدأ رفض التدخل الأجنبى في الشئون الداخلية العربية، حتى ولو كان ذلك لنصرة المعارضة ضد نظام استبدادى، لأن معنى ذلك إضفاء الشرعية العربية على نزعة التدخل الدولى في شئون الدول، وفى مقدمتها الدول العربية، والتي ينبغى على قوى المعارضة فيها أن تعتمد على نفسها لاقتلاع النظم السلطوية من جذورها.
في شهر سبتمبر عام 2002، أعلنت "كونداليزا رايس"، مستشارة الأمن القومى الأمريكى آنذاك، أن الولايات المتحدة تريد أولا تحرير العالم الإسلامى، ونشر الأسلوب الديمقراطى في ربوعه , وتريد ثانيا تغيير الأنظمة السياسية العربية .
.
وفى السابع من أغسطس 2003 عادت كونداليزا رايس مرة أخرى لتتحدث عن المشروع الأمريكى الخاص بالتغيير في الشرق الأوسط وذلك عبر مقال لها في صحيفة "واشنطن بوست" بعنوان "تأملات في التحول المنتظر بالشرق الأوسط" جاء فيه أن الولايات المتحدة سبق لها أن تعهدت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بقليل، بتحويل أوروبا في المدى البعيد وقد التزمت بذلك مع الأوروبيين بالديمقراطية والازدهار، "وهو ما تمكنّا من تحقيقهما اليوم، والآن يتعين على الولايات المتحدة وأصدقائها وحلفائها العمل من أجل تحقيق تحول في المدى البعيد في جزء آخر من العالم وهو الشرق الأوسط".
.
وعادت "رايس" لتبشر بولادة "شرق أوسط جديد"، سينمو ليحقق "حلًا سحريًّا" لعلاج أزمات المنطقة المزمنة، حيث وصفت العدوان على لبنان بأنه "آلام مخاض لولادة شرق أوسط جديد"، ووضحت عبارتها بالآتى: "حان الوقت لوجود شرق أوسط جديد.. حان وقت القول لمن لا يريدون شرق أوسط جديدا إن الغلبة لنا".
.
ثم تعترف رايس بأن مسيرة تحول الشرق الأوسط لن تكون سهلة، وستأخذ وقتًا من جانب الولايات المتحدة وأوروبا، ووفقا لتصريحات كبار المسئولين الأمريكيين، فإن إدارة الرئيس الأمريكى بوش دعت في يونيو 2004 الحكومات العربية وحكومات دول جنوب آسيا لتبنى إصلاحات سياسية كبرى ومنها إقامة نظم للمحاسبة فيما يتصل بانتهاكات حقوق الإنسان وبالذات ما يتصل منها بحقوق المرأة وكذلك العمل على طرح بعض الإصلاحات الاقتصادية.
.
وفى إبريل عام 2005 وفى إجابتها عن سؤال وُجه لها، عن الفوضى التي يمكن أن يولّدها التدخل الأمريكى في "الشرق الأوسط"، قدمت رايس الفرضية التي تقوم عليها نظريتها، وهى: "أن الوضع الحالى ليس مستقرًّا، وأن الفوضى التي تنتجها عملية التحول الديمقراطى في البداية، هي فوضى خلاقة، ربما تنتج في النهاية، وضعًا أفضل من الذي تعيشه حاليًّا".
.
و قد كشف "توماس بارنيت"، أحد أهم المحاضرين الرئيسيين في وزارة الدفاع، فى حديثه عن الفوضى الخلاقة تحديد منطقة "الشرق الأوسط"؛ للبدء لتطبيق الإستراتيجية الجديدة بها، ورأى أن الدبلوماسية لا تعمل في منطقة، لا تكمن مصادر التهديد الأمنية فيها في علاقات الدول البينية، بل هي في داخل دول المنطقة -ذاتها- ثم وصل بارنيت إلى مرحلة الفوضى الخلاقة، إذ تصور شكلها فى حدوث، نوع من الانهيار الكبير، أو التفكك الإقليمى.
وقال "بارنيت" أن التدخل المباشر من قوى خارجية باعتباره العامل المساعد الأعظم من أجل حدوث الفوضى الخلاقة، إذ يقول: "إن الشىء الوحيد الذي سيغير المناخ الشرير، ويفتح الباب لفيضان التغيير، هو أن تتدخل قوة خارجية لتفتح باب التغيير، ونحن الدولة الوحيدة، في إشارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التي يمكنها ذلك"، ثم يحسم حدود هذه النظرية، بالقول: "إن هدف هذه الإستراتيجية، هو انكماش الثقب، وليس مجرد احتوائه".
و قد أكد "جار هارت"، الخبير في الإستراتيجية والأمن القومى، فكرة الفوضى الخلاقة عندما كتب في كتابه "القوة الرابعة" أنه "يجب على ناشر الديمقراطية أن يأخذ في الحسبان هذا العصر الثورى، وأن يأخذ في الحسبان أن الحقيقة الواقعة الثورية السياسية الجديدة، هي سيادة الأمة الدولة"، أي أن مفهوم (الأمة - الدولة)، يجب أن يطغى على مفهوم (الدولة - الأمة)
.
استندت الإستراتيجية الغربية في تحقيق هدفها إلى مرحلتين:
.
المرحلة الأولـــى: تكشَّفت -كما تذهب إليها نظرية الفوضى الخلاقة- في العراق، حيث حقق الأمريكان هدفًا مزدوجًا؛ فقد دمروا جيشًا عربيًّا قويًّا وأشعلوا حربًا أهلية، ودقوا نزاعًا بين السنة والشيعة كان له تأثير سيئ على امتداد المنطقة، كما تدخل الغرب لتقسيم السودان إلى نصفين، وخلقوا دولة جديدة في الجنوب في حالة عداء ومواجهة مع العرب والمسلمين في الشمال، وفى ليبيا، ودمر الناتو جيشًا عربيًّا آخر، حتى إن الأسلحة الغربية غذَّت الخصومة بين الميليشيات المتصارعة التي تقاسمت ما تبقى من الدولة الليبية.
.
المرحلــة الثانيــة: جاءت مع التمويل الغربى للحركات الثورية التي تتكون من ناشطى الإنترنت والمنظمات غير الحكومية وناشطى حقوق الإنسان، الذين ساهموا في إحداث الفتنة في الوطن العربى، ومع سقوط الأنظمة العربية ، جاءت القوى الغربية لتضخيم حالة الاضطراب.
.
وهذه المرحلة تتضمن عددًا من الإجراءات، أهمها:
- الخروج في تظاهر جماعى، واستفزاز الأمن من قبل عناصر مندسة أو من قبل مخترقين من جهاز الأمن نفسه، سقوط الأمن في انهيار مفاجئ .
شيوع الفوضى، هجوم جماعى من الخارجين عن القانون لترويع الآمنين بشكل متزامن في طول البلاد وعرضها، والانقضاض على بقايا من جهاز الأمن وسحقه بشكل متزامن ومترابط،.
.
- الدعوة لاستمرار التظاهر لتغييب المتظاهرين عما يحدث في الواقع، والدفع ببعض الرموز التي يتعلق بها المتظاهرون لحثه على الاستمرار، واللعب بعقول المتظاهرين وتضخيم دورهم لكى يدفعهم هذا لتوهم أنهم يحصلون على مكاسب،.
.
- شغل الجهات القادرة على إحداث التوازن مثل الجيش بقضايا فرعية لشغله عن مهمته الأساسية التي هي الدفاع عن الوطن ضد التهديدات الخارجية، ومحاولة زعزعة النظام والجبهة الداخلية، وإفساد أي محاولات للتهدئة لكى يبقى الوضع كما هو عليه لكى تسقط الدولة في انقسامات مما يؤدى إلى ثورة عارمة.
اللقاء مع الجزء الثالث.......
إضافة تعليق جديد