رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الجمعة 27 ديسمبر 2024 8:29 م توقيت القاهرة

المؤامرة .............الجزء السابع

مالك عادل

نجحت إدارة أوباما بالقوة الناعمة فى تفكيك السودان إلى دولتين كمرحلة أولى، وها هى تنجح أو على وشك أن تغير خرائط دول أخرى فى الشرق الأوسط، وكان الغرب حكم العالم فى الماضى بالقوة المادية، والآن ينبغى أن يتغير إلى الاهتمام بمقاييس التنمية الاجتماعية بما فى ذلك السيطرة على الطاقة، والمنظمات، والاتجاهات الحضرية وتكنولوجيا المعلومات، والقدرة على صنع الحروب،
.
إن ثورات الشعوب العربية والإسلامية فى الشرق الأوسط هى ضد الظلم والاستبداد والفساد، وهذه من الظواهر القديمة، التى توحشت فى العصر الحديث، ولكن اندلاعها وانتشارها فجأة، واحتضان الولايات المتحدة والدول الأوروبية لها، وتحولها من مناهضة الحركات الإسلامية إلى احتضانها، ومن التحالف مع الحكام الأوتوقراطيين إلى الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، مسألة تثير التساؤل: هل نحن أمام حرب عالمية ثقافية حضارية ثالثة، كما أطلق عليها ذلك بعض الكتاب العرب والأجانب؟
.
لا توجد أجندة بدون وكيل أو أداة، ورغم تعدد الأدوار والتحركات فى المنطقة والمرتبطة بأجندات استخباراتية وخارجية لعديد من الدول أهمها إيران، قطر، تركيا، فإن الدور القطرى كان الأهم فى زعزعة استقرار المنطقة وتنفيذ التعليمات الأمريكية.
.
ويكفى للتدليل على ذلك، شيئان :
أولًا: المكالمة الفاضحة التى انكشفت بين حمد بن خليفة أمير قطر السابق، ووزير خارجيته حمد بن جاسم، والرئيس الليبى الراحل معمر القذافى، والتى توضح تآمر حمد على المملكة العربية السعودية وهو يعترف بتعاونه مع المخابرات البريطانية لإسقاط المملكة العربية السعودية وإعادة هيكلة نظامها من جديد بنظرية الفوضى الخلاقة.
وطوال زمن المكالمة كان يسمع صوت حمد ووزير خارجيته وهما يتحدثان بإسهاب عن السعودية ونظامها «الآيل للسقوط» وعن الاقتصاد وسوق البورصة المزرى فى الوقت الذى لم يسمع فيه كلام القذافى وقد سمعت ضحكاته المعروفة وكذا تدخله بصوت خافت، وأقسم حمد بالله أن السعودية منتهية على يده وأن قطر موجودة وستدخل يومًا ما إلى القطيف والشرقية، وأن الملك عبدالله مسكين مجرد واجهة وأن الحاكم الفعلى هو سعود الفيصل وأنه منتهٍ وستقسم بعده السعودية إلى عدة مناطق، بينما أخبر حمد بن جاسم القذافى أن النظام فى السعودية نظام هرم ولا يترك الفرصة للشباب ولا يستطيع العمل، إلا أنه لا أمل فى الجيش أن يقوم بانقلاب والأمل فى الصف الثانى أى المعارضة خارج السعودية. وقال إن أمريكا وبريطانيا طلبتا منه تقريرًا عن الوضع فى السعودية وأعربتا له عن نيتهما الإطاحة بالنظام الملكى هناك إلا أنهما يتخوفان من البديل الذى سيكون إسلاميًا غير مرغوب فيه، وأردف قائلًا إن قطر سحبت من السعودية التميز فى المنطقة عن طريق نقل أمريكا لجنودها من السعودية إلى قواعد قطرية، وأنهم استطاعوا شيئًا فشيئًا أن يكسروا الهيمنة السعودية على المنطقة وأن تفرض قطر نفسها فى الساحة العربية، كما أكد وزير الخارجية القطرى على أن قطر تعمل على ضرب نظام السعودية اقتصاديًا وسياسيًا وأنها وشيكة على ثورة شعبية، أما بخصوص الأمير بندر بن سلطان فقال عنه أمير قطر إنه يبيع أملاكه كى يصرف على نفسه ويسدد ديونه.
وأخذ حمد يسترسل فى حديث مطول صرح بالعديد من المعلومات الخطيرة جدًا عن السعودية، وعن كيفية التخلص منها، كما شتم العديد من الدول العربية وحكامها كالأردن ومصر التى قال عنهما إنهما بدون كرامة، وأعرب عن نيته فى أن تزول أنظمتهما قريبًا.
ثانيًا: قيام حمد بن جاسم، رئيس الوزراء القطرى السابق بالتورط فى قضية شراء تقارير عن تسليح الجيش المصرى لتسليمها إلى جهاز المخابرات الإسرائيلية.
.
فتلك الدلائل تستدعى مزيدًا من التفصيل فى علاقة قطر بالإخوان والمشروع الغربى والربيع العربى، من خلال التالى :
** كانت شبه الجزيرة القطرية قد تعرفت مبكرًا على الإخوان المسلمين، عندما استقبلت أولى موجاتهم المهاجرة من مصر بعد أحداث الصراع المرير مع عبدالناصر سنة ١٩٥٤، واستقبلت الموجة الثانية بعد مذبحة حماة السورية ضدهم عام ١٩٨٢، أما الموجة الثالثة فجاءت من شمال إفريقيا (تونس والجزائر وليبيا) فى تسعينيات القرن الماضى إثر نشوب الصراع بين حكومات هذه الدول، والإسلاميين، وذلك عندما انقلب الجيش الجزائرى على المسار الانتخابى الذى فازت فيه جبهة الإنقاذ الإسلامية بالأغلبية، وحل زين العابدين بن على محل الرئيس الحبيب بورقيبة العجوز، كما انقلب معمر القذافى فى ليبيا على الإسلاميين لفشل مشروعه «الفيلق الإسلامى فى الصحراء الإفريقية» وحصوله بالمال على النفوذ المبتغى داخل قصور الرؤساء، وشيوخ القبائل فى المنطقة.
وتدفقت الموجة الرابعة من الإسلاميين على قطر من السعودية التى ضيقت الخناق عليهم بعد أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١ الإرهابية فى الولايات المتحدة، ومن قبلها التفجيرات الإرهابية أيضًا فى الأراضى السعودية نفسها، فى الخبر والرياض والدمام، التى ثبت منها أن أغلب إرهابيى ذلك اليوم إما سعوديون، أو ذوو روابط مع جهات سعودية.
.
كانت الخطوة الأولى هى تأسيس منتدى الحوار الأمريكى الإسلامى عام ٢٠٠٤ برعاية وزارة الخارجية القطرية، وأصبح المنتدى محفلًا سنويًا لالتقاء الخبراء والمسئولين الأمريكيين، بجميع أطياف الإسلام السياسى، تمهيدًا لاختيار الشريك الإسلامى للاستراتيجية الأمريكية فى الوقت المناسب.
.
تأسس أيضا فى قطر، الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين، وهو منظمة يترأسها يوسف القرضاوى، الذى كان هو نفسه أحد لاجئى الإخوان إلى قطر منذ عشرات السنين، لكن دوره السياسى لم يكن ليبقى مستقلًا حتى النهاية، فقد انبرى يدافع عن المصالح والتوجهات القطرية فى كل مكان وزمان.
.
وكمبادرة قطرية خالصة أسست الحكومة القطرية «مشروع النهضة» للتدريب والنشر والندوات والمحاضرات، وأسندت قيادته إلى جاسم سلطان المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين فى قطر، ولكن بعد أن قررت الجماعة حل نفسها بذريعة أن الحكومة القطرية القائمة تطبق من تلقاء ذاتها برنامج الجماعة، وتساعد سلطان نفسه على ترويج هذا البرنامج فى جميع الدول الإسلامية، من خلال فروع جماعة الإخوان المنتشرة فيها، وفى المقدمة منها الجماعة الأم فى مصر. وتتذكرون جميعا أن المشروع الذى طرحه الإخوان فى مصر كأساس لدعايتهم الانتخابية، كان اسمه مشروع النهضة؟! بغض النظر عن أنهم عادوا وقالوا إنه لا وجود لمثل هذا المشروع؟
.
«وقد استضاف مركز جاسم سلطان «للنهضة» معظم قيادات الإخوان المصريين لتدريبهم على العمل من خلال المنظمات الديمقراطية، بدلًا من التركيز على التسلل عبر المجتمع للسيطرة أو الهيمنة، وتخرج على يدى المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين فى قطر إخوانيون بارزون، منهم طبيب الأطفال هشام مرسى، حامل الجنسية البريطانية، وزوج ابنة الدكتور يوسف القرضاوى، الذى أسس بدوره مركزًا أسماه «أكاديمية التغيير»، التى لعب من خلالها دورًا رئيسيًا فى ثورة يناير المصرية، بعد أن قرر الإخوان الالتحاق بها، وتخرج فى برنامج سلطان للنهضة «على السلابى»، وهو من وصفته صحيفة واشنطن بوست بالمهندس الحقيقى لترتيبات الحكم فى ليبيا بعد الثورة، وعاش فى قطر عدة سنوات، وهو من تلاميذ الشيخ القرضاوى، وصرح بأنه طلب مساعدة قطر فى الأيام الأولى للثورة الليبية.
كان هناك حالة من الغموض تكتنف العلاقة بين قطر والتيارات الإسلامية الصاعدة قبل وبعد أحداث الربيع العربى على وجه العموم، والإخوان المسلمين فى مصر على وجه الخصوص، وتلك العلاقة تثير مخاوف مشروعة حول طبيعة تلك العلاقة والثمن المقابل لها؛ فى ظل مخاوف وأطروحات حول السعى القطرى للسيطرة على مقدِّرات الوطن، واستغلال الظروف الاقتصادية والأعباء التى تمر بها المنطقة ومصر لتمرير مخططاتها وأطماعها تجاه مصر.
.
فلقد تعاملت قطر مع أحداث الربيع العربى بشكل مختلف تمامًا عن بقية دول الخليج التى حركتها مخاوف العدوى؛ لقناعتها بوجود مؤامرات أو عدم وجود نية وطنية خالصة فى دعوات التغيير، وقامت قطر بتبنى دعوات التغيير عبر الآلة الإعلامية والدعم المادى والدولى.
.
ويتضح ذلك جليًا فى العلاقة بين دولة قطر والنظام الحاكم فى تونس، والذى يأتى على رأسه حزب النهضة التونسى، فوزير الخارجية التونسى، رفيق عبدالسلام، كان رئيسًا لوحدة الدراسات والأبحاث فى مركز الجزيرة بالعاصمة القطرية الدوحة، كما أن والد زوجته، راشد الغنوشى، هو رئيس حزب النهضة التابع لجماعة «إخوان تونس».
.
كما شهدت السياسة الخارجية لقطر تغيرًا كبيرًا فيما يتعلق بالتعامل مع الثورة الليبية التى ساندتها الدوحة بالأموال والسلاح، وشاركت طائراتها فى الغارات الجوية لقوات حلف شمال الأطلسى (الناتو) على ليبيا، كما انتشرت قواتها البرية فى ليبيا، وساهمت مع المعارضة الليبية فى قتالها ضد قوات القذافى.
ويبدو ذلك أكثر وضوحًا فى تصريحات مصطفى عبدالجليل، رئيس المجلس الوطنى الانتقالى الليبى، التى أكد فيها أن نجاح الثورة الليبية يعود بشكل كبير إلى قطر، مشيرا إلى أن قطر أنفقت ما يقرب من مليارى دولار فى ليبيا، فالاستثمارات القطرية فى ليبيا تبلغ قيمتها ١٠ مليارات دولار، كما أنها وقّعت اتفاقات جديدة مع ليبيا بـ ٨ مليارات دولار عندما كانت الحرب لا تزال مستمرة هناك.
و قد بذلت قطر الكثير من الجهود، والأموال لحرمان السياسى محمود جبريل (القومى الليبرالي) من رئاسة الحكومة الانتقالية رغم فوز التحالف الذى أسسه بأغلبية مقاعد المؤتمر الوطنى الليبى، وذلك بتكتيل كل الآخرين ضده، والسبب فى رأيه فضلًا عن ضمان النفوذ القطرى فى ليبيا- هو عدم قيام حكومة غير منتمية للإسلام السياسى، ومنتمية إلى القوميين والليبراليين فى دولة غنية بالنفط مثل ليبيا، تستطيع أن تدعم القوميين والليبراليين فى بقية دول الربيع العربى، خاصة فى مصر، وذلك فى مواجهة الدعم القطرى للإسلاميين، مما ينذر بانهيار سريع لاستراتيجية الارتباط الأمريكى البناء بالإخوان المسلمين.
.
أما بالنسبة للعلاقة مع سوريا، فإن الرغبة القطرية الواضحة فى الإطاحة بنظام الرئيس السورى، بشار الأسد، تأتى من أجل إقامة نظام آخر ترأسه جماعة «الإخوان السورية»، وهو هدف تدعمه تركيا أيضًا، بالإضافة لتمكين الجماعات المتطرفة، مثل داعش وجبهة النصرة، فى بسط نفوذها على سوريا بالوكالة عنها.
.
يعتقد بعض المحللين والدبلوماسيين الغربيين أن زعماء قطر إنما يتلمسون طريقهم وسط الأوضاع الجديدة، ويجربون؛ ليروا ما يمكنهم تحقيقه بالثروة الضخمة، التى تجمعت من احتياطيات الغاز الطبيعى على مدى الخمسة عشر عامًا الأخيرة، ولاتزال فى أراضى قطر ثروة من الغاز الطبيعى تقدر بنحو ١٧ تريليون دولار، لكن آخرين يرون أنهم إنما يتبعون استراتيجية مدروسة، والمخاوف هنا من مقامرة كبيرة على مستقبل الشرق الأوسط. وحتى المؤيدون لقطر يشعرون بقلق من احتمال أنها تتجاوز حدودها وتفضل أطرافًا سياسية على غيرها.
وتُعد قطر، منذ فترة طويلة، بلدًا يحوى تناقضات محيرة فى بعض الأحيان؛ فهى من نواح كثيرة من بين أكثر دول الخليج محافظة، لكنها أبدت أيضًا أكبر حماس بشأن التغييرات التى أتى بها الربيع العربى، وفى السنوات الأخيرة اشتهر الشيخ حمد والشيخة موزة بأنهما من دعاة الحداثة، وقد رفعا مكانة قطر بشكل كبير بإطلاق شبكة الجزيرة الفضائية، والاستضافة الناجحة لدورة الألعاب الآسيوية فى ٢٠٠٦، بالإضافة للحصول على استضافة كأس العالم لكرة القدم، ومن بين كل دول مجلس التعاون الخليجى كانت قطر منذ فترة طويلة الأقرب لإيران، على الرغم من تقربها من واشنطن واستضافتها لقوات أمريكية، وهى تحاول بث روح جديدة فى جهود السلام بين السودان وجماعات التمرد فى دارفور بعرضها تقديم مساعدات للتنمية.
.
وعلى نفس النحو قد تكون علاقتها بجماعة الإخوان المسلمين عملية ومرِنة، ولكن البعض يعتقد أن قطر أقدمت على رهان خطر بوضع الجماعة فى قلب استراتيجيتها فى المنطقة.
.
وبرزت قطر بشكل واضح كنقطة تمحور لهذه الجماعة، التى نشأت أصلًا فى مصر فى عام ١٩٢٨، ولها الآن وجود من خلال جماعات محلية فى كثير من دول العالم الإسلامى، ويقيم العديد من الأعضاء الحاليين أو السابقين فى الجماعة، ومن بينهم الشيخ يوسف القرضاوى، فى قطر، بعد هروبهم من دول أخرى.
.
ويقول مسئولون غربيون عملوا مع القطريين فى ليبيا وسوريا إنهم فضلوا فى كل الحالات العمل مع الجماعات التى لها صلة بالإخوان المسلمين، ويشددون على تعاطف الشيخ حمد الواسع مع الجماعة، مؤكدين أن ذلك هو نفس نهج ابنه تميم، الذى أصبح أميرا للبلاد.
.
نمضى في كشف العلاقة بين قطر والإسلاميين، فقد تمت دعوة عدد من المعارضين السابقين للعقيد الليبى معمر القذافى من المنتمين للتيارات الدينية، إلى الاجتماع الخاص بتمويل ومساعدة حملة الرئيس المعزول محمد مرسي وقت أن كان مرشحا لجماعة الإخوان في مصر، في مواجهة الفريق أحمد شفيق، حيث تم التنسيق لذلك الاجتماع الذي حضره عدد من رجال الأعمال العرب بواسطة قطر، التي وجدت في نتيجة الجولة الأولى من الانتخابات مؤشرا خطيرا للغاية على سياستها في المنطقة مع تزايد احتمالات فوز المرشح المنافس الفريق أحمد شفيق.
.
وأكدت مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى أن الشيخ أحمد بن ناصر بن جاسم آل ثان رئيس المخابرات القطرية، وصل إلى مصر في زيارة سرية، عقد خلالها عددا من الاجتماعات المغلقة مع مرشد الإخوان في فيلّا بمصر الجديدة، ثم اتسع الاجتماع ليشمل عددًا من قيادات حزب الحرية والعدالة بمن فيهم المرشح لمنصب الرئيس الدكتور محمد مرسي؛ لتقييم الموقف ومعرفة كيف يمكن أن يفوز مرسي وماذا يحتاج.
.
وقالت المصادر إن قطر كانت تنتظر فوز جماعة الإخوان بمنصب الرئيس، لكى تنفذ مشروعًا احتكاريًّا تسيطر به على قناة السويس تم الاتفاق عليه مع نائب المرشد ورجل الجماعة القوى خيرت الشاطر، ويقضى المشروع بأن تحصل قطر على حق استغلال قناة السويس لمدة ٩٩ سنة.

الى اللقاء فى الجزء الثامن

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.