المؤامرة ............ الجزء السابع عشر
.
تفاصيل الاجتماعات الغامضة بين «الإخوان» و«البرادعي»
التحولات والمُصادمات بين نظام مبارك وجماعة الإخوان عملت على إحداث نوع من المُجابهة المبكرة والمفاجئة، نظرا لعدم إقدام النظام على تقديم تنازلات من قِبله للجماعة.
.
وفى ضوء اضطلاع الأخيرة بدور جديد، مع قدوم الدكتور محمد البرادعى للبلاد واتساع آفاق التوقعات والأهداف، ومن هنا جاءت فكرة تأسيس الجمعية الوطنية للتغيير، التي اعتمدت على الزخم الدولى والمحلى الذي صاحب عودة البرادعى من جهة، وشعبية الجماعة وقدرتها التنظيمية على الأرض من جهة أخرى.
.
تأسست الجمعية الوطنية للتغيير في أواخر فبراير ٢٠١٠ عقب عودة البرادعى إلى مصر، وحرصت جماعة الإخوان على الوجود داخل هيكل الجمعية منذ تأسيسها، عن طريق النائبين سعد الكتاتنى ومحمد البلتاجى، ولكن قِيلَ وقتها إن وجودهما داخل الجمعية هو وجود فردى لا يعبر عن الجماعة، وهو ما بدا واضحا من تجاهل الجماعة التام لأى فعاليات أو تصريحات للجمعية، ثم جاءت انتخابات مجلس الشورى التي كان يعول عليها الإخوان في نجاح بعض مرشحيهم، ولكن حدث ما حدث ولم ينجح أي من مرشحيهم في الشورى.
.
وهو ما دفع الجماعة عقب انتهاء انتخابات الشورى مباشرة لإعلان دعمها للبرادعى ومطالبه السبعة، وأعلنت أنها ستدخل بكل ثقلها في حملة جمع التوقيعات، بعد ذلك مباشرة ذهب الدكتور البرادعى إلى مقر الإخوان ليعلن من هناك رؤيته للجماعة باعتبارهم -وفق وجهة نظره- أكبر فصيل سياسي في مصر، لا يمكن أن تتم عملية التغيير بدونه، وهى المرة الأولى التي يتحرك فيها البرادعى لزيارة أي فصيل أو تجمع سياسي آنذاك، (إذ كانت العادة هي أن يأتى الجميع لمنزله).
.
حدثت بعد ذلك خلافات بين البرادعى ورموز الجمعية الوطنية للتغيير، وهو ما أدى في النهاية إلى استقالته من الجمعية، وإعلان قيامه بالعمل مُنفردا وسط الجماهير دون الالتزام بأى إطار هيكلى أو مؤسسي.
بعد الاستقالة أعلنت الجماعة أنها تؤيد مطالب التغيير السبعة دون النظر للأشخاص، وشهدت الجمعية -لأول مرة- الخميس 10/6/2010 ، أول حضور فاعل لمُمثلى الجماعة، وفى مقدمتهم عصام العريان عضو مكتب الإرشاد، رغم أنه ليس عضوا بالجمعية الوطنية، ومحمد سعد الكتاتنى رئيس الكتلة البرلمانية للإخوان، وكانت تلك هي المرة الأولى التي يشارك فيها الاثنان في اجتماعات الأمانة العامة للجمعية، بعد استقالة البرادعى، تأكيدا من الجماعة على أنها تؤيد مطالب التغيير وتدعم الجمعية.
.
وبات من الواضح، منذ تلك اللحظة أن الجمعية الوطنية والجماعة يتعاونان معا تحت اسم التغيير، ولكن وفق أهداف مختلفة لكل منهما، فالجماعة تحاول القفز على الجمعية الوطنية للوصول إلى هدفها في الانتخابات المقبلة عن طريق الضغط على النظام، للوصول معه إلى اتفاق مشابه للاتفاق الذي حدث في انتخابات مجلس الشعب ٢٠٠٥، التي انتهت بفوز ٨٨ مرشحا إخوانيا، فيما تريد الجمعية الوطنية استغلال الجماعة وقوتها المتمثلة في عدد أعضائها، وقدرتها على الحشد والتنظيم والتمويل، من أجل جمع أكبر عدد ممكن من التوقيعات، وهو ما ذكره د. حسن نافعة في أكثر من تصريح، مؤكدا أن «الإخوان أكثر تنظيما من أي حزب، ولهم احتكاك قوى بالجمهور، وإن أخلصوا النية سينجحون بالفعل في جمع أكثر من مليون توقيع»، كان من الواضح أن حسن نافعة المتحدث باسم الجمعية الوطنية لا يرى في الإخوان إلا قدرتهم على الحشد والتنظيم، ولا ينظر إلى برنامجهم السياسي أو مطالبهم التي قد لا تتفق أصلا مع أي دعوة يحملها هو أو الجمعية الوطنية للتغيير.
بعد الاتفاق بين الجمعية الوطنية والإخوان ظلت الجماعة لما يقرب من شهر لا تفعل أكثر من حضور المؤتمرات الخاصة بالجمعية، والمشاركة بفعالياتها دون أي فعل حقيقى على الأرض، ولكن بعد أن تأكدوا أن النظام لم يتأثر جراء تحركاتهم قرروا الانتقال إلى مرحلة تالية.
.
في اليوم السادس من يوليو، دشَّن المرشد العام للإخوان موقعا خاصا بالجماعة للتوقيع على بيان التغيير، وبالفعل بعد دخول الجماعة لجمع التوقيعات قفز معدل زيادة التوقيع اليومى على موقع الجماعة إلى ٥ آلاف توقيع في الأسبوع الأول، ثم إلى ١٠ آلاف في الأسبوع الثانى والثالث، ووصل إلى ١٥ ألف توقيع يوميا منذ بداية شهر أغسطس ٢٠١٠.
وهو ما جعل أرقام التوقيعات على بيان التغيير تصل إلى أكثر من نصف مليون توقيع في غضون شهر واحد، بينما كان عدد التوقيعات التي جمعتها جمعية التغيير قبل انضمام الإخوان للحملة لا يزيد عن ٧٠ ألف توقيع، تم جمعهما على مدى ثلاثة أشهر، الملاحظ لأداء الجماعة من خلال النقاط السابقة يرى أن أداءها اتخذ اتجاها تصعيديا مع مرور الوقت، مع استمرار تجاهل النظام للإخوان وعدم التفاوض معهم.
.
لكن هل ما حدث من لقاءات واجتماعات يمثل حقيقة تغيُّر في الموقف الفكرى للجماعة؟ للأسف الإجابة بالنفى، لم تتغير المواقف الفكرية للجماعة على الإطلاق، فما حدث هو أن الجماعة استفادت من حملة الدعاية، وفى المقابل لم تقدم أي دعم حقيقى للعملية السياسية في مصر، وكعادة الجماعة في تحالفاتها فإنها لا تقبل إلا بالسيطرة، وبأن تكون الكلمة العليا لها، وهو ما حدث داخل الجمعية الوطنية للتغيير التي استطاع الإخوان السيطرة علها فعليا، وأصبحت حتى توصياتها لا تخرج إلا بموافقة المرشد، وظهرت واضحة سيطرة الجماعة على الجمعية من خلال تصريحات حسن نافعة الذي أصبح أشبه بمُتحدث رسمى باسم الجماعة، ومن أشد المدافعين عنها ضد أي هجوم، سواء من داخل الجمعية أو من خارجها.
.
وكان ما فعلته الجماعة بمؤتمر التغيير بالمنصورة وموقفها من ممثلى حزب الوسط برفض إعطائهم الكلمة في المؤتمر خير شاهد على سيطرة الجماعة بشكل كامل على فعاليات الجمعية، وعلى أن كل ما يحدث من تحركات وانفتاح على القوى الأخرى ما هو إلا ديكور فقط، وأنه مظهر خارجى وليس انعكاسا لتغير حقيقى في الفكر لدى قيادات الجماعة.
.
فالجماعة وإن كانت تملك إمكانيات للحراك والنشاط داخل المشهد السياسي في مصر وهو ما لا يختلف عليه اثنان، لكن أيضا هي أكبر معوق للإصلاح داخل البلاد، بسبب أسلوبها الذي يُفسد أي عمل وطنى مشترك، فهى لا تقبل إلا بأمر من اثنين، إما أن تشارك وتكون لها الكلمة والسيطرة، وإما أن تقاطع تماما، وهو ما يعكس قصورا لدى الجماعة في فهم معنى العمل المشترك وتقدير أهميته، إذا كان الإخوان ينادون بالتغيير فهم لم يغيروا أنفسهم، ولم يكونوا قادرين على قبول الآخر أيا كان فكره أو جنسه أو دينه، وهذه هي أساسيات المواطنة التي كان ينادى بها الجميع في مصر.
.
عقدت الجماعة في مقر هيئتها البرلمانية بجسر السويس عددا من الاجتماعات، حضرها العديد من القوى السياسية والأحزاب والشخصيات العامة، هدفت إلى تقديم الجماعة للرأى العام الغربى والأمريكيين، باعتبارها مفتاح الحل في مصر والبديل الحقيقى على الأرض، وبدا لنا في تلك الآونة .
بدا واضحا من استعراض أسماء الحاضرين عدم التجانس الفكرى، وانتفاء وجود أرضية لتشكيل جبهة وطنية واحدة تؤسس لبديل واضح المعالم ينقل مصر -إذا جاز التعبير- نقلة حضارية مختلفة في المستقبل، فقد جاء البعض من أرضيات ليبرالية ويسارية، بينما مَثَّل البعض مجموعة من الشخصيات التي تعيش -ما يمكن تسميته- مرحلة المراهقة السياسية المتأخرة، فلا تاريخ لهم في المعارضة، ولا جذور فكرية أو تاريخية تشير إلى هذا الانتماء من قريب أو بعيد، بل إن البعض منهم كان لوقت قريب أقرب ما يكون إلى النظام من صفوف المعارضة، فقد كانت اجتماعات تركز على التجهيز لاعتصامات ومواجهات دموية تحتاج إلى تقديم شهداء، وصولا إلى تشخيص المرحلة الحالية بأنها مرحلة استعمار يتوجب على القوى السياسية فيها الحديث عن تحرير الوطن أولا قبل الحديث عن أي إصلاح، وبالطبع والحال كذلك..
فنحن أمام «هايد بارك» تطرح فيه أحلام العصافير من حلفاء الإخوان، هذا، بينما راح قادة الجماعة يعدون كلماتهم بعناية فائقة بداية بالترحيب، وانتهاء بمداعبة أحلام الحاضرين عبر الإعلان عن وقوف الجماعة معهم جميعا لتحقيق أحلامهم، حتى إن جاءت كأحلام العصافير.
كان السؤال المحورى يدور حول الهدف الرئيسى من تلك اللقاءات، أو بالأحرى الهدف الذي تسعى إليه الجماعة من وراء عقد واستضافة مثل هذا النوع من اللقاءات، وهل هدفت الجماعة بالفعل إلى تشكيل جبهة وطنية حقيقية للتغيير؟ وإذا كانت الإجابة بالإيجاب -وهى غير ذلك بالطبع- فهل تعى الجماعة حجم ما هي مقدمة عليه؟ وحجم حلفائها؟ ومن سيكون له حق قيادة قاطرة التغيير تلك؟
خاصة أن البعض -أيمن نور تحديدا- تحدث عن شرعية لقوى ثلاث هي: «الكرامة والوسط والإخوان»، اثنان منها تحت التأسيس وجماعة محظورة قانونا، وهل يُفهم من كلامه أن المجتمعين ضربوا عرض الحائط بالدستور والقانون، وانتزعوا شرعية قانونية ذات آليات من قبيل ما أعرب عنه نور «بالاستشهاد»؟
وهل سكوت الجماعة على كلامه من قبيل الموافقة المستترة؟ والسؤال الأخطر: هل تعى الجماعة أي باب من الجحيم تفتحه عندما توافق على مثل هذا النوع من الشرعية؟ وتدعم مثل هذا النوع من أساليب التغيير؟
.
كل تلك الأسئلة بالطبع وجدنا إجابات جلية وواضحة لها بعدما رأينا تصرف الإخوان بداية من ٢٥ يناير ٢٠١١ وحتى وصولهم إلى السلطة.
.
و كان الوحيدون الذين يعرفون ماذا يفعلون جيدا، وبأى أوراق يلعبون في هذا الاجتماع كانوا قادة الإخوان، كانوا يعرفون جيدا حجم كل شخص حضر الاجتماع، كانوا يعلمون جيدا أن هذا اللقاء هو إحدى أدواتهم في الضغط على النظام، وتقديم أنفسهم للغرب والأمريكان بوصفهم حصان طروادة، مثلها مثل كل الخطوات السابقة التي بدأت بالحوار مع الأحزاب، ثم الانضمام إلى الجمعية المصرية للتغيير، وأخيرا جمع التوقيعات حول المطالب السبعة، ولكن هل يعلمون أنهم في طريقهم إلى مخططاتهم تلك يمكن أن يحرقوا الأخضر واليابس في مصر؟ ثم يقفون كما وقف مؤسسهم قبل ستين عاما ليقولوا: «لو استدبرت ما استقدمت من عمرى ما عملت بالسياسة واكتفيت بالدعوة»، وهو ما حدث بعد ٣٠ يونيو بالتمام والكمال.
.
كان هدف الإخوان النهائى واضحا ومعلنا.. السعى إلى صفقة كبرى مع النظام تتيح لهم التوغل في مؤسسات المجتمع المدنى تنفيذا لأولى خطوات خطة التمكين، متحالفين في سبيل ذلك مع الشيطان، طالما يوافق على أهدافهم المرحلية، دأبوا على فعل هذا منذ ثلاثينيات وأربعينيات وخمسينيات القرن الماضى، تنفيذا لأجندتهم السياسية، وتحقيقا لأهدافهم المرحلية، وخدمة لاستراتيجيتهم التي تتمثل في الاستيلاء على السلطة، وتحقيق ما يعتقدون أنه مشروع الدولة الإسلامية(١). ولكن في تلك المرة كان قد دخل عامل جديد حلبة المعادلة، وهو العامل الدولى ممثلا في أمريكا والغرب، ذلك العامل الذي قلب كل المعادلات لصالح الإخوان، ولكن كان ذلك إلى حين!.
الى اللقاء مع الجزء الثامن عشر
إضافة تعليق جديد