مالك عادل
إن ما عٌرف بـ«الربيع العربي» وأحداثه المستمرة حتى الآن، لا يجري، ولا ينفصل، عن مصوغات اجتماعية وسياسية واقتصادية داخليًا وخارجيًا لا تجرى بمعزل عن بعضها البعض بل هناك تأثيرات كل منها على الآخر علاوة على بعض التأثيرات الخارجية الجانبية التي لها دور على مجريات الأحداث، إضافة إلى الصراع العربى الإسرائيلي.
.
ونشير هنا إلى ذلك المسح لاستطلاع الرأى الذي قام به موقع «جوجل»، وتساءل فيه «ما هي برأيك أهم أسباب الربيع العربى وقيام الثورات والانتفاضات الشعبية في بعض الدول العربية؟ وجاءت النتائج على النحو التالى: ١٠.٥٣٪ عدم تطبيق الديمقراطية وتبادل السلطة سلميًا، ١٠.٥٣٪، الظلم والقمع والقهر والاضطهاد من قبل الحكام، ١٥.٧٩٪، الفقر والبطالة والغلاء والركود الاقتصادي، ٥.٢٦٪ طيلة بقاء الرؤساء في الحكم وعدم تحديد فترة الرئاسة، ١٥.٧٩٪ الفساد المالى والإدارى والقضائى في الدولة، ٥.٢٦٪، عدم تطبيق سيادة القوانين على الجميع، ١٠.٥٣٪ إعطاء الشعوب حقوقها التي كفلتها لها القوانين، ١٠.٥٣٪ كراهية الشعوب لحكامها بسبب عمالتهم للغرب، ١٠.٥٣٪ رغبة بعض الأحزاب وقياداتها في السلطة، ٥.٢٦٪ أيادٍ خارجية تسعى لنشر الفوضى والاضطراب فيها. بطبيعة الحال لا تعكس هذه النسب أرقاما دقيقة يمكن أن نقيس في ضوئها الرأى العام العربى تجاه ظاهرة «الربيع»، لكنها يمكن أن تؤخذ بمثابة المؤشر العام الذي يعبر، بشكل أو بآخر عن الاتجاه الرئيسى الذي يحكم الرأى العام العربى في تقييمه لها، ودرجة تفاعله معها، والذي يعتبر أن ما جرى هو حصيلة تفاعل العوامل الداخلية بشكل أساسى، مع أخرى خارجية، ساهمت في إذكاء نيران تلك الأحداث، وتأجيجها. قراءة أولىة لتك النماذج التي تناولت هذه الظاهرة، باحثة عن أسبابها الذاتية والموضوعية، ودوافعها التي تفاعلت مع بعضها البعض على الصعيدين الداخلى والخارجي، تكفى لكى تبرز أمام ناظرى المتابع لتطوراتها، أنها جاءت بفضل عاملين أساسيين متكاملين، ينطلق الأول من عناصر داخلية محضة، أما الثانى فهو خارجى في الأساس، وكانت للمصالح الأجنبية دورها الذي من الخطأ الاستهانة به، في تحريك الدول ذات المصلحة في تشجيع حدوث تغيير في المنطقة العربية، يمكن أن يصب في نهاية الأمر في ترجيح كفة عوامل حماية تلك المصالح .
.
فلقد كانت هناك أسباب موضوعية لذلك، ولكن هناك من مهَّد وأوقد واستغل تلك الأسباب الموضوعية ووجهها لتحقيق أهدافه ومآربه الخبيثة، فلم تكن وحدها هي الأساس، حيث فجأة انطلقت شعوب الشرق الأوسط العربية والإسلامية، أقصد من تونس ومصر والأردن وليبيا واليمن والجزائر والمغرب والبحرين وإيران، وحروب في سوريا وغيرها تلوح في الأفق، وفجأة انهار النظامان في تونس ومصر، وراحت بعض الأنظمة في عدد آخر من الدول المشار إليها تواجه صعوبات في التعامل مع القوى المعارضة لها، وفجأة تحولت الولايات المتحدة والدول الغربية إلى مدافعة عن حريات الشعوب العربية والإسلامية، سواء كانت هذه الشعوب تحكمها نظم حليفة للولايات المتحدة أو نظم معادية لها، وكانت الوصفة واحدةً التي قدمتها الولايات المتحدة وتبعتها أوروبا، بل وتركيا، ومن خلفها أمين عام الأمم المتحدة، كما أن دولًا مثل الصين وروسيا لم ترغب أن تتخلف عن ركب تقديم الوعظ للنظم العربية، وإن كانت الصين وروسيا بلغة مخففة.
.
وفجأة تحولت القوى الإسلامية التي ترفض الديمقراطية وتدعو للنظام الإسلامى إلى دعاة للديمقراطية، وترفض أن تتصدر الحركات الثورية الجديدة في مصر وتونس وغيرهما، وتقبل أن تكون أحد الأطراف وتعلن التزامها بالشراكة مع القوى السياسية الأخرى في المجتمع، سواء علمانية أو يسارية أو ليبرالية، بل إن عالِمًا إسلاميًا بارزًا يخطب في ميدان التحرير بمصر ليعلن في خطبته أنه كان يقول في الماضى أيها المسلمون، والآن يقول أيها المصريون، أي المسلمين والأقباط، وهذا العلامة (يوسف القرضاوي) وأمثاله كانوا، إلى وقت قريب، يدعون على الكفرة والمشركين والنصارى واليهود والمجوس وغيرهم لكى يهلكهم الله ويجعلهم غنيمة للمسلمين.
لو وضعنا كل التغيرات المفاجئة، التى أشرنا إليها بجوار بعضها البعض فى محاولة لفهم دلالاتها، لن يكون هناك تفسيرا لها.. لكن يمكن الوقوف على العلاقات الارتباطية بين هذه الشواهد «ثورات لشعوب كانت مستكينة، وحكام أقوياء ينهارون فجأة، وآخرون يهرولون لاسترضاء الشعوب، وقوى الاستعمار الجديد والقديم تدافع عن حقوق الشعوب العربية، وجماعات سياسية عقائدية ودينية تتحول لملائكة الرحمة تحتضن خصومها.
.
بعض التساؤلات
■ التسـاؤل الأول: كيف نفسر التناقض فى موقف إيران من المعارضين لديها والمعارضين فى مصر أو تونس أو غيرهما من الدول العربية؟ وكيف نفسر تحريك إيران سفنًا حربية إلى البحر المتوسط لأول مرة منذ العام ١٩٧٩؟
■ الســؤال الثانــى: كيف نفسر هرولة النظم العربية للانهيار أو لتقديم التنازلات؟ وكيف نفسر تخلى الغرب بقيادة أمريكا عن هذه النظم الحليفة أو الصديقة بنفس ما حدث من تخليهم عن شاه إيران فى العام ١٩٧٩ وتسليم إيران للثورة الإسلامية؟ هل السبب هو اكتشاف جديد للولايات المتحدة حول أهمية مفهوم الحرية والديمقراطية لمنطقة الشرق الأوسط؟ وإذا كان ذلك صحيحًا فلماذا لا يمتد المفهوم إلى شعب فلسطين؟ ولماذا تصر الولايات المتحدة على استخدام حق الفيتو ضد كل مشاريع القرار الفلسطينية.
■ التساؤل الثالـث: كيف نفسر تحول الموقف فى الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة لتدافع عن الجماعات الإسلامية وضرورة مشاركتها فى الحكم فى دول الشرق الأوسط؟. وهذا التحول أخذ مظهرين، أولهما: فكرى.. حيث من يطلع على منشورات مراكز الأبحاث الغربية وخاصة الأمريكية يجد عددًا ضخمًا من هذه الدراسات التى تتناول الفكرين السنى والشيعى، والجماعات الإسلامية وضرورة مساهمتهما فى السلطة، وثانيهما: تصريحات أوباما وهيلارى كلينتون والقادة الأوروبيين الداعية للشيء نفسه، وهكذا أسقط، ما أطلقت عليه النظم الموالية للغرب، «الفزاعة الإسلامية»، وما أطلق عليه الغرب نفسه «الإرهاب الإسلامى»، واكتشف الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، أن التجربة الدينية الطائفية والإثنية فى العراق ربما تقدم نموذجًا جديدًا يحقق له مصالحه بعد أن جرب النموذج اللبنانى الطائفى فى الماضى، لقد أخذ الغرب موقفًا عدائيًا من الإسلام منذ أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١، وتحول لداعية للإسلام وثقافته ودوره فى النظم السياسية فى ظل الثورات الحديثة فى العام ٢٠١١، كيف نفسر ذلك؟
■ التساؤل الرابع: هل أخفق المحافظون الجدد فى عهد الرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش فى استخدام القوة الخشنة بغزو أفغانستان والعراق؟ واكتشفت أمريكا فى عهد الرئيس باراك أوباما أن استخدام القوة الناعمة يحقق لها أهدافها بطريقة أحسن وأفضل وأقل تكلفة؟
.
وإذا كانت الأطروحة بأن البشر هم أنفسهم لم يطرأ عليهم تغير، فإن الصراع فى العالم يصبح حول الخرائط (أى الجغرافيا)؟.
الى اللقاء مع الجزء ....السابع
إضافة تعليق جديد