.
و استمر موقف الجماعة فى العراق، مع المخططات الإخوانية فى مصر فى فتح جسور الحوار مع الأمريكان، وبدأ الإخوان فى الاتصال بالدكتور سعد الدين إبراهيم، وقام وفد من الجماعة بزيارته فى منزله بالمعادى عقب خروجه من السجن، خاصة أن سعد الدين قد أقام علاقات جيدة ببعض قادة الإخوان الذين لازموه فى السجن، وأقنعوه بضرورة القيام بدور الوسيط لتقريب وجهات النظر بين الإخوان والأوروبيين، وهو ما حدث فعلا عقب خروجه من السجن؛ حيث رتب للقاء بين دبلوماسيين أوروبيين من سفارات بريطانيا وسويسرا والسويد ووفد من الجماعة، ضم كلا من: محمد مرسى رئيس الهيئة البرلمانية للجماعة آنذاك، وعصام العريان عضو مجلس شورى الجماعة، والصحفى محمد عبد القدوس، بينما حضر من الجانب الآخر عدد من الدبلوماسيين الغربيين، ودار الحوار حول إمكانيات وصول الإخوان إلى السلطة، والأجندة السياسية التى يحملونها حال وصولهم إلى الحكم، وموقفهم الحقيقى من الغرب، وقضايا الديمقراطية، وحرية الرأى والتعبير.
.
كان الإخوان يعتبرون تلك اللقاءات جزءًا من سيناريو عام وضعته الجماعة من أجل فتح قنوات اتصال مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لإقناعهما بقبول أن يكون للتيارات الإسلامية دور محورى فى المنطقة، على غرار التعاون الذى حدث بين الأمريكان والأحزاب الإسلامية فى تركيا وباكستان، بالإضافة إلى الهدف الأهم، المتمثل فى الحصول على وعد بدعم سياسى أمريكى فى حال الوصول إلى الحكم، والضغط على النظام فى مصر لتقبل الوجود الشرعى للإخوان.
.
و برز داخل الجماعة تصور آخر للإسراع فى إجراء تفاهمات مع الإدارة الأمريكية، عن طريق التنسيق مع الإخوان فى أمريكا، وخصوصا د. حسان حتحوت رئيس إحدى أكبر المنظمات الإسلامية فى أمريكا، وهو أحد تلاميذ حسن البنا المخلصين، بما له من علاقات جيدة بالمؤسسات الأمريكية، حيث كان أول من استقبل الرئيس جورج بوش الابن فى المركز الإسلامى التابع له بعد أحداث ١١ سبتمبر مباشرة، كما أسلفنا، وبدأ الإخوان بالفعل اتصالاتهم، وكان من المقرر أن يسافر أحد أعضاء مكتب الإرشاد إلى أمريكا للقاء بعض القيادات هناك، خصوصا المسئولين عن ملفات الشرق الأوسط، ولكن حرب العراق أجلت هذه الترتيبات.
.
لم تشارك الجماعة فى أى تصعيد لصد الاحتلال الأمريكى فى العراق، بل أسهمت بتعليمات من مرشدها العام محمد مهدى عاكف فى تثبيت دعائمه، عن طريق دفع إخوان العراق للانضمام إلى حكومة بريمر.
.
عندما أعلنت السلطات المصرية رفضها لصيغة اللقاءات الأمريكية مع ممثلى ورموز جماعة الإخوان الذي أصبح دوريًا ومنتظمًا، جاءت تأكيدات واشنطن بأنها لا تستطيع تكرار أخطائها في إيران، ولهذا يجب عليها أن تتحاور وتستمع وترسل توجيهاتها وتصوراتها للجماعة التي يمكن أن تشكل حكومة في المستقبل، ومنذ ذلك الحين أصبحت تلك اللقاءات أكثر جدية وأدق تنظيمًا، وقابلتها متابعة مصرية أمنية دقيقة، وضربات للجماعة ولرموزها، وسلسلة من المحاكمات الكبرى لهم.
بادرت بعض وسائل الإعلام الأمريكية بالدفاع عن الجماعة، حيث اعتبرت مجلة FOREIGAFFAIRS أن جماعة الإخوان بوليصة تأمين ضد التطرف والإرهاب، وأن التحاور معها يحقق المصالح الأمريكية لتلاقى مصالح الطرفين في مجالات متعددة، وطالبت المسئولين عن صنع القرار الأمريكى بإقامة حوار مع الجماعة من خلال ممثليها المقيمين في الغرب، والتأكيد على اعتدال الجماعة، من وجهة نظرهم، تجاه القضية الفلسطينية بدعوى أن الجماعة ترى أن الصراع مع إسرائيل ليس دينيا بل هو نزاع على أراض محتلة، وأن الإخوان على استعداد للاعتراف بدولة إسرائيل بمجرد قيام منظمة حماس بذلك.
.
كما نشرت مجلة HARBERS مقالا بعنوان «أحزاب الله الديمقراطية الإسلامية ومذهب بوش». أكد فيه محرر المقال أن الرفض الأمريكى المطلق للجماعات الإسلامية لا يخدم واشنطن وتوجهاتها على المدى البعيد، وأوضح أنه رغم أن أيديولوجية تلك الجماعات السياسية لا تروق للأذن الغربية فإن ذلك لا يمنع من أن المستقبل الديمقراطى في الشرق الأوسط سوف يعتمد بصورة كبيرة على تفهم هذه الأيديولوجيات والأفكار والتعامل معها.
ورغم اعتراف كاتب المقال بعدم صدق التصريحات العلنية للجماعة باحتضانها للديمقراطية، وأنها قد تعمل على فرض إعمال الشريعة على المجتمع المصرى في حال وصولها للحكم، فإن ذلك لا ينفى أن الجماعة بدأت في تغيير منهجها المتشدد نتيجة مشاركتها في الحياة السياسية، والغريب في الأمر أن وسائل الإعلام الأمريكية التي تدافع عن الجماعة الأم هي نفسها التي تهاجم جناحها العسكري في غزة، المتمثل في حماس وتصفه بالإرهاب، وتضعه على القوائم الأمريكية للمنظمات الإرهابية، بل إن جميع قيادات حماس ممنوعون من دخول الولايات المتحدة.
.
وكشفت مصادر دبلوماسية غربية بالقاهرة، في عام ٢٠٠٥، أن وزارة الخارجية الأمريكية اعتمدت مذكرة تدعو إلى فتح حوار سياسي ومباشر مع جماعة الإخوان، مؤكدة أن هذه المرحلة تتطلب الاقتراب أكثر من الجماعة التي تحظى بشعبية واسعة في مصر، وأوصت بضرورة أن تكون جلسات الحوار مع قيادات الإخوان منتظمة ودائمة، وعدم الاستماع كثيرا لتحذيرات الحكومة المصرية بعدم التعاون مع هذا التيار، ورأت المذكرة أن علاقة واشنطن بالإخوان خلال السنوات الماضية كانت لها بعض النتائج الإيجابية، وهو ما يتسق تماما مع تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، كوندوليزا رايس، التي قالت فيه: إنه يجب ألا يكون الخوف من وصول التيارات الإسلامية إلى السلطة عائقًا أمام الإصلاحات العربية، كما يتفق مع ما جاء بتقرير مادلين أولبرايت بعد زيارتها للقاهرة في بدايات عام ٢٠٠٥، والذي جاء فيه «إنه إذا كان التخوف الأمريكى قد بنى على أن إجراء الانتخابات الحرة سيؤدى حتما إلى وصول الأصوليين - في إشارة للإخوان - لمقاعد السلطة بسبب هوان الأحزاب الشرعية، فإن التجارب السابقة تشير إلى أنهم جماعات برجماتية يمكن التعامل معها بشكل ممتاز.
.
وقد أسهمت تلك التصريحات في منح الإخوان الجرأة السياسية لمواجهة النظام وإعلان راية العصيان، ولكن بحذر شديد كعادة الجماعة في تلك الفترة، وقد وصل الأمر بمرشدها آنذاك محمد عاكف أن يعلن في ٢٠٠٥/٣/٢ أن الإخوان ليس لديهم مانع من أن يفوز الرئيس مبارك بولاية خامسة، شريطة أن يكون ذلك بناء على اتفاق بينه وبين جماعة الإخوان.
الى اللقاء مع الجزء الحادى عشر
إضافة تعليق جديد