رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الجمعة 15 نوفمبر 2024 9:02 ص توقيت القاهرة

المال هو مال الله

كتب المهندس احمد الغمري 

من اجمل ماقرات  هذا الصباح قصة عزة لمن يتعظ يحكي ان  صاحب أحد المطاعم وقف ينظر  لصالة الطعام بمطعمه وجدها فارغة .
لم يكن الحال كذلك أبدًا إلى أن تغير تدريجيًا منذ بضعة أيام .
الزبائن لم تعد تاني للمطعم بلا سببٍ واضح !
عاد صاحب المطعم إلى مكتبه داخل المطعم يفكر في القيام بأي إجراءٍ يجذب به الزبائن مرةً أخرى .
 "سوف أقدم وجباتٍ مجانيةٍ للمحتاجين"
عبارةٌ قالها في نفسه ثم توقف عن التفكير عندما تذكر الوجبات المجانية ، لينادي على كبير الطهاة بالمطعم ، 
فسأله : هل حضرت «أم أمل» اليوم لتأخذ الطعام ؟
ردَّ : لا لم تأتِ ، كما لم تأتِ في الأيام السابقة أيضًا ،
فسأله : منذ متى ؟
فأجابه : منذ عدة أيامٍ حين كان المطعم مزدحمًا ، و أقبلتْ لتأخذ الطعام كعادتها ، لكنك حينها صرختَ في وجهها و قلتَ لها أن هذا ليس الوقت المناسب للتسول !
بُهِتَ وجهُ صاحب المطعم و هو يتذكر تلك الواقعة .
 كانت تلك سيدةٌ مسنةٌ ترمّلت و هي في الأربعين ،
فاضطرت للعمل حتى أعياها المرض فاكتفت بجلستها لتبيع الخضروات في السوق تتكسب قليلًا من المال لا يكاد يسد رمق أطفالها الثلاثة .
مرَّ بها صاحب المطعم في أحد الأيام فدعته أن يشتري منها بعض الخضروات ، فجلس أمامها بعد أن جذبته طيبة وجهها الصبوح المبتسم ، و حكت له قصتها .
منذ ذلك الحين طلب منها أن تمر يوميًا على مطعمه ليعطيها بعض الطعام لها و لأطفالها ، وظلت على ذلك شهورًا طويلةً دون أن تنقطع يومًا واحدًا .
 تذكر صاحب المطعم أنه منذ ذلك الوقت و أعمال مطعمه في رواجٍ و رخاءٍ ، تذكر أيضًا دعوات «أم أمل» الصادقة و عيونها الشاكرة و هي تأخذ الطعام لأطفالها .
خرج صاحب المطعم من مطعمه قاصدًا المكان الذي كانت تجلس فيه « أم أمل» في السوق ، ليجد المكان مشغولًا بسيدةٍ أخرى ، فاقترب منها و سألها : هل تعرفين «أم أمل» التي كانت تبيع الخضروات هنا في السوق ؟
ردت السيدة و هي ترفع يديها داعيةً : اللهم خفف عنها و اشفها يا ربّ ، 
فزع صاحب المطعم و سألها : ماذا حدث لها ؟
 ردت السيدة : لقد عادت إلى منزلها في إحدى الليالي لا تحمل عشاءً لأطفالها كما اعتادت ، فأصيبت بحزنٍ شديدٍ أفقدها وعيها و سقطت .
كاد قلب صاحب المطعم أن ينخلع من مكانه ، فهو يعرف أنه السبب فيما حدث ، فعاد و سأل السيدة : هل تعرفين أين تسكن ؟
 ردت السيدة بالإيجاب ، و وصفت له مكان المنزل ، فرجع مسرعًا إلى المطعم و أمر كبير الطهاة بتجهيز طلبٍ من أشهى مأكولات المطعم ليحمله و يذهب به إلى ذلك العنوان .
 طرق الباب فسمع صوت طفلةٍ تسأل من ؟
قبل أن يجيبها : أنا صاحب المطعم .
لم يُكْمِل كلماته لينفتح الباب و يرى طفلةً بعمر ابنته على وجهها ابتسامةٌ صافيةٌ ، ترحب به و تدعوه للدخول .
دخل فوجد «أم أمل» تجلس على فراشٍ ، تتطلع في عينيه بنظراتٍ ملأتها لومًا وعتابًا ، و صبيين يجلسان بجوارها ، عيونهما معلقةٌ باللفافة التي يحملها بعد أن ملأت روائح الطعام الغرفة .
اقترب منها ، فابتسمت و أشارت إليه ليجلس على طرف الفراش ، فجلس و تطلع في وجهها الذي أشرق بابتسامة رضًا وترحيبٍ استقبلها باستحياءٍ قبل أن يبادرها بقوله : أردتُ أن أتناول طعامي معكم ، فهل تسمحين لي أن نتشارك الطعام ؟
هربت دمعةٌ من مقلتها كادت تحرق وجدانه الذي يَئِنُ من الإحساس بالذنب، لترد عنها ابنتها «أمل» : أمي لا تتكلم منذ عدة أيام ، و لا تكف عن البكاء .
أحس بغُصةٍ في صدره قبل أن يحاول تصنع المرح و هو يفتح لفافات الطعام
 و يهتف : دعونا إذًا نُطعمها و نحاول أن نسعدها .
بدأوا في تناول الطعام و «أمل» تطعم أمها ، و حين جاء وقت الانصراف وقف أمام «أم أمل» يستجديها : سيدتي ، لا أملك أن أستعيد كلمةً خرجت من لساني دون وعيٍ مني ، و لكني أملك الشجاعة للاعتراف بالخطأ و طلب المغفرة ، و أعرف أنك كبيرة القلب لن تبخلي عليّ بالصفح ، أشاحت بوجهها عنه و عادت تبكي بكاءً صامتًا ، ليقف لثوانٍ طويلةٍ منتظرًا عفوها دون جدوى ، ليطرق رأسه حزنًا و يلتفت ناحية الباب مغادرًا ، قبل أن يتوقف فجأةً على صوتها و هي تنطق بضعف : أشكرك ، ربنا يسعدك و يسترك و ينور طريقك .
كلماتٌ بسيطةٌ تساوي عنده الدنيا و ما فيها ، وعدهم أنه سوف يعودهم حتى تتعافى أمهم ، ثم غادرهم بعد أن أعطاهم قدرًا من المال .
عرج مرةً أخرى على المطعم ، و ما إن وصل هناك حتى هاله ما وجد ، زحامًا شديدًا بصالة الطعام ، و زبائن على قائمة الانتظار ، و العاملين كخلية النحل لا يكادون يستطيعون تلبية كافة الطلبات .
 اندفع إلى داخل المطعم ، و ما أن قابل كبير الطهاة حتى استفسر منه عن سبب ما حدث فأخبره أن أشهر ناقدِ طعامٍ في البلد زار المطعم ، و طلب عدة أنواعٍ من الأطعمة ، و صور تجربته مباشرةً على صفحته الخاصة على فيس بوك ، و وصف تجربته بأنها رائعةٌ ؛ مما دفع الزبائن للحضور .
 كان ذلك منذ ساعتين تقريبًا .
نظر صاحب المطعم في ساعته و عرف أنه نفس توقيت وصوله عند «أم أمل» ، 
ليتعلم الدرس ؛ و يعرف أن ( المال مال الله ) هو الرزاق العاطي يُعطيِنا من كرمه لنعطي نحن عباده ، و أن الكلمة تُحيي و تميت ، و أن لا مال ينقص من صدقةٍ ؛ و أن الفقير هو من يتصدق على الغني حين يرضى و يقبل عطفه و إحسانه.
يقول الله تعالى :
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَ اللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَ اللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ ،
و يقول :
﴿وَ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ . 
و يقول الرسول صلى الله عليه و آله وسلم :
" مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ " .

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.