اليوم : الأربعاء الموافق 11 ديسمبر 2024
الحمد لله رب العالمين حمد الحامدين الشاكرين والصلاة والسلام على البشير النذير المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد قال أبو مسعود عبد الرحيم الحاجي سمعت ابن طاهر يقول بلت الدم في طلب الحديث مرتين، مرة ببغداد، وأخرى بمكة، كنت أمشي حافيا في الحر، فلحقني ذلك، وما ركبت دابة قط في طلب الحديث، وكنت أحمل كتبي على ظهري، وما سألت في حال الطلب أحدا، كنت أعيش على ما يأتي، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم رحمه الله تعالي كنا بمصر سبعة أشهر، لم نأكل فيها مرقة، كل نهارنا مقسم لمجالس الشيوخ، وبالليل النسخ والمقابلة، وقال فأتينا يوما أنا ورفيق لي شيخا، فقالوا هو عليل فرأينا في طريقنا سمكة أعجبتنا، فإشتريناها، فلما صرنا إلى البيت حضر وقت مجلس فلم يمكنا إصلاحه.
ومضينا إلى المجلس، فلم نزل حتى أتى عليه ثلاثة أيام، وكاد أن يتغير، فأكلناه نيئا، فلم يكن لنا فراغ أن نعطيه من يشويه، ثم قال لا يستطاع العلم براحة الجسد، ولقد كنا في بلادنا العربية والإسلامية منذ خمسين عاما وأكثر نقدر العلم وأهله غير هذا الزمان، وقد تعلمنا وكررنا سنين عددا ما قاله أمير الشعراء رحمه الله تعالى، قم للمعلم وفه التبجيلا، كاد المعلم أن يكون رسولا، بينما قام القطاع الإعلامي والفني بهدم المعلم وإنزاله من منازل الفضل والتقدير والإحترام إلى مدارك السخرية والقماءة والجوع وطرق الأبواب والإهانة في الأفلام والمسرحيات التي رآها كل النشء عبر أجيالنا القائمة، وإنهدمت قيمة المعلم بسبب التندر الدائم على حاله والسخرية من لسانه وملبسه ومسكنه ومأكله حتى غدا في قلب المجتمع وقد تسفلت درجته تحت أهل المهن الأخرى.
مع إكساب الصناع وسوم المهندسين وإكساب اللاعبين والمطربين وسوم الأبطال وإكساب الطباخين عبر الشاشات شهرة غلبت الآفاق حتى غدوا أشهر من الشمس في رابعة النهار، وإن تعجب فعجب من الأحداث أن يلجأ أستاذ في الجامعة على المعاش بعد أن ربى للأمة أجيالا يعدون سبب نهضتها وقد بلغ من العمر أرذله إلى زاوية صغيرة يستدرّ العطف من الناس وقد نسيه المجتمع المدني بكل أطيافه حتى غدا بعلمه ومنزلته السامقة محط نظرات الإشفاق، فهل أكرمنا العلم وأهله؟ بينما يحصد المبهرون والمبهرات من اللاعبين والراقصين أخلاف المال والثراء والشهرة والتكريم والجوائز وهم يمثلون الجهل في أبهى حلله، وصار أهل الحجا في حيرة تقطع الأنفاس وإذا بهم يقولون ما هذا الذي يجري؟ وماذا حدث؟ وكيف المخرج من هذا العبث؟
فلا بد وأن يكون هناك تدارك من أولي الألباب لهذا البلاء الجامح، فنرجو أن نقف في مجتمعاتنا على آثار التعليم في الواقع المعاش فنرى المخترع والطبيب والمهندس ورجل القضاء والأمن والداعية والكاتب والزراعي وأرباب الفن وغيرهم نرى لهم أثرا فاعلا في مجريات الحياة التي نحياها حتى يحركوا قطار المعيشة على منهج وبصيرة وعلم، وإن أردنا الإنصاف فإن الملام موجه بالطبع إلى من سعى لإفقاد المعلم قيمته أو خفض وزنه في المجتمع، وكل الرجاء أن يفطن أهل المسئولية في أقطارنا المسلمة والعربية إلى المحاولات الدؤوبة في وضع المعلمين وأهل العلم في أماكنهم المنشودة التي يستحقونها وإمدادهم بما يحتاجون إليه في الجوانب المادية لكفايتهم لأنهم يقومون برسالة هي أبهى وأرقى رسائل المهن على الإطلاق.
إضافة تعليق جديد