رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الجمعة 15 نوفمبر 2024 4:50 ص توقيت القاهرة

"النباش" .. مهنة اللى ملهوش مهنة ... لو اتعديت على التاجر أتقتل

 كتبت مروة العدوى

" النباش او الفريزة" يتحرك نهارا وليلاً بعربات كارو أو تروسيكلات, يحمل عليها فوارغ البلاستيك والزجاج والكارتون والصفيح وغيرها لبيعها للتجار, ظاهرة انتشرت بين الاطفال والكبار خاصة بعد ان اصبحت تجنى كثير من الاموال, وترجع الى وجود بطالة بكشل كبير, فنجد فى كل صباح أطفال يقومون بتفريغ صناديق القمامة لفرزها، ثم يجمعونها قبل مجيئ سيارات جمع القمامة.

أنا شغال في المهنة دي من صغري علشان ابويا كان بياخدنى معاه وانا عمرى 8 سنين ليعلمنى بيعمل أيه" هكذا بدء عربى عطالله حديثه الذى يبلغ من العمر 48 عاماً, ويسكن فى غرفة وحمام مشترك فى منطقة منيل الروضة, "طول عمرة بشتغل فى الخردة والبلاستيك, بستنى العربجى لما يرمى القمامة وأجمع اللى عاوزه من حديد وبلاستيك وزجاجات, وابيعه للتاجر بـ60 جنيه", مؤكداً أنما يجنيه لا يكفيه على الرغم من انه يعمل لمدة 7 ساعات يومياً, مما أضطر لعمل أبنته الكبرى فى المستشفيات وتجميع قمامتها لاحضارها الى والدها ليبيعها, ولدية 5 أطفال أمتهنوا مهنة والدهم, "كان نفسى يكون معايا صانعة أحسن من الشغلانه اللى جيبالنا المرض, انا راجل ارزقى يوم شغال و10 لا" وكان يأمل فى العمل فى ورشة أفضل من أن يكون كل يوم مهدد من قبل الامراض والحكومة.

"فى ناس كتير بدور على لقمة العيش الحلال, وربنا يقدرنى واطلع اولادى متعملين علشان يقدروا ياخدوا حقهم, وكفاية البنت الكبيرة معرفتش اعلمها",

وأثناء حديثى معه تعالت الصرخات من وسط أكوام القمامة "احنا عايزين نسترزق يا أبلة، بس سيبنا في حالنا", أقتربت منه وعلمت أنه ابن شقيق عربى, " احنا ناس ماشين جمب الحيط مش عاوزين من الدنيا غير العيشة واللقمة اللى نقدر نوفرها لاهلنا, مضيفاً انه يعمل مع عمه لان والده لا يستطع الحركة بسبب مرضه أثناء عمله, فهو كان يعمل "نباش" مثلهم, ولكن تشاجر مع أحد النباشين الذين كانوا يريدوا أخذ مكانه, مما جعله قعيد الفراش, مما أضطر الطفل رزق للجوء الى البحث عن رزق حلال بأي طريقة, موضحاً أن النباشين يعانون من بلطجية تجار الاعضاء ويريدوا مساوماتهم ولكنهم يهروا هرباً منهم, "أنا بصحى الصبح بدرى أروح مع عمى نلم الزبالة، كل واحد فينا ليه منطقته، أنا بلم الزجاجات والبلاستيك والعلب، شغلتى صعبه بس عجبانى وعمرى ما اتكسفت منها، وبكسب منها كتير أوى ومش عاوز أبقى مهندس لان شغلتى مضمونة، ومرتبى بيعدى 300 جنيه فى الشهر وباخد من كل شقة 5 جنيهات, كل يوم أذهب مع عمى ونستخدم "العربة الكارو" فى الجمع ثم نعود إلى البيت لنبدأ بالفرز بمساعدة أمى واخواتى البنات"

وكان المشهد الأكثر ألما، وجود أطفال يبحثوا عن المخلفات وسط اكوام القمامة من أكياس المخلفات الطبية وزجاجات فارغة, فقال الطفل سعيد الذى لا يبدو على وجه السعادة والذى رفض التقاط صوره له, ولا يتجاوز عمرة الثانية عشرة، فبدلا من أن يذهب للدراسة نراه غارقا بين جبال القمامة المتراكمة أمام الشوارع، دون شعوره بالضرر من رائحتها النفاذة, "احنا ناس غلابة, وبشتغل وبستحمل مرمطة الراجل اللى شغال معاه علشان أساعد أبويا المريض وبأخذ فى اليوم 20جنيه"، لافتاً أنه بصحبة اصدقائه يقوموا بفتح الاكياس التى تلقيها أحدى المستشفيات المجاورة واستخراج العبوات  الفارغة من الجلوجوز والسرنجات, وأصعب ما يتعرضوا إليه عندما تدخل "الحقن فى يد احداهم أثناء فتح الاكياس، فضلآ عن أن رائحة القطن والشاش المليئ بالدماء تصيبهم بالقىء," نفسى الدولة تعطف علينا وتساعدنا من الشغل الخطر, ده حتى الدولة مش سيبانا فى حالنا وكل يوم بيجوا يملوا القمامة ومش بنعرف نشوف شغلنا كويس", مضيفا انه يستيقظ فى الخامسة فجرا مسرعا إلى عمله يومياً بين اكوام القمامة، لافتا انه مختص بجمع البلاستيك وعبوات الكانز من الشقق وصناديق القمامة, وانه لم يجد أحد عائلته يمتهن سوى تلك المهنة " احنا طلعنا مالقيناش غير الزبالة شغلانة لينا، لو حد يقدر توفر لنا شغلانه تانية كنا اشتغلناها".

والتقط أطراف الحديث زميله عرفة النجار الذى يبلغ من العمر 30 عاماً, قائلآ " بعد ان تخرجت من الجامعة وضاق الحالى بى ولم أجد مهنة وجدت أشخاص يجمعون من القمامة عبوات بلاستيك والزجاجات والكرتون, فتحدثت مع أحداهم وعلمت أنه يعمل مع أسرته فى جميع اغراض محددة من القمامة ثم يذهب فى اخر اليوم لبيعها للتاجر, ثم يقوم بوزنها واذا وصل الى الوزن المتفق عليه يأخذ المقابل 200 جنيه واذا قل فيكون المبلغ لا تعدى 100 جنيه، ثم يقومون بتوزيعها بالتساوى بينهم، موضحاً أنه أقتنع بالعمل معهم, على الرغم منه انه تخرج من كلية التجارة ولكنه لا يبالى أحد, فكان وقتها يعمل لتوفير المال لوالدته بعد ان توفى والده, وكان دائما يتعرض للاهانة من المارة بسبب تبعثره للقمامة, ولكن مع مرور السنوات تمكن من مهنته حتى اصبح يعمل معه أكثر من خمسة أفراد منهم الاطفال والكبار, مضيفاً انهم يتعرضوا يومياً للمشاجرات مع بعض النباشين الذين يريدوا احتلال المكان على الرغم من أن لكل نباش مكان مخصص له, بالاضافة الى ملاحقات الحملات الامنية لهم ويأخذون منهم ما يقوموا بجمعه طوال اليوم ويقوموا بتكسير عرباتهم, ويلقون القبض عليهم، " لو كنا لقينا شغلانه تانية شريفة كنا اشتغلناها والا الافضل كنا نتسول".

وفى منطقة بولاق الدكرور تجد ""رمضان حنفى محمد" الذى يبلغ من العمر50 عاماً, ولديه 5 بنات, تم تعليهم حتى نهاية المرحلة الابتدائية, ورفض عملهم لمساعدته على الرغم من ان عدم سهولة حركته, ولكن زوجته تعمل معه على صندوق أخر,"حاولت أشتغل اى شغلانه غير النباش لكنى منفعتش, حاولت اشتغل مع بتوع الغنم وفى الدباغة ومعرفتش وسبتهم واشتغلت الشغلانه ده, ادينا بنسترزق علشان اعرف أكل عيلانى", لافتاً انه أثناء عمله اصطدم بتوك توك وتم قطع فخده وظل 3 أشهر فى القصر العينى ولا أحد يسأل عنه, حاول تكراراً مناشدة المسؤلين للوقوف بجواره اثناء مرضه ولكنه فشل, والان يعمل نفس المهنه التى أمتهنا منذ صغره ولا يعرف سواها, " انا مش عاوز حاجه من الدنيا غير شغلانه شريفة ومنتكونش بتجيب الامراض", حاول تقديم اوراق كثيرة ليكون له معاش ثابت شهرياً ولكن كانوا دائماً يرفضون مقابلته معللين ذلك بعدم استكمال اوراقة.

 يقوم رمضان بتجميع الاكياس وزجاجات الباغ والبلاستيك وبيعها للتاجر او للأصحاب الزرايب بما لا يقل عن 30 جنيهاً, " وكل يوم على حسب اللى بجمعه, التجار ينتظرونى يوميا لشتروا منى اللى بجمعه من القمامة", فلا يمكنه التعامل مع المصنع مباشرةً لعدم وجود لديه ارض فضاء يفرز بها.

وفى منطقة الطريق الابيض حيث وجود تجميع القمامة من جميع الانحاء لفرزها وبيعها للتجار, وجدت "عماد رزق بولس" الذى يبلغ من العمر 38 عاماً, عندما علم بمهنتى تبين على وجه الخوف والقلق, وعندما علم أنى اريد مساعدت جميع النباشين لعدم ملاحقتهم من الجهات الامنية أقترب وبدء فى سرد تفاصيل ما يقوم بفعله.

 " أنا بجمع القمامة من الشقق والعمائر اللى مأجرها من الزبال الكبير", لافتاص أن لكل نباش عمائر خاصة به يقوم بتجمع قمامتها, ومن لا يملك فيقوم بتأجير عمائر من "نباش" أخر مقابل 1500 حنيه شهرياً وعلى حسب عدد ادوارها, ويكون مسئول عن تلك العمارة, ويوجد لدى بعض النباشين 5 عمائر أو أكتر, "انا اخد منك العمارة وأدفعلك مبلغ مقابل تجميع القمامة منها", لافتاً أن النباش الذى لا يملك عمائر فيجمع احتياجاته من صناديق القمامة فى الشوارع المتفرقة, مضيفاً أن بعض النباشين لديهم أراضي "الزربية" بمختلف المساحات للفرز عليها, ولكن من لا يملك فيقوم بتأجيرها فيما لا يقل عن 500 جنيهاً شهرياً بمساحة 60 متراً, فيقوم "النباش" بتأجير أخرون للفرز معه على حسب كمية المخلفات التى يقوم بتجميعها, فيبدء فى فرز كل نوع على حده, قائلآ " أنا بشترى فواضل الاكل من فنادق شهيرة فى 6 أكتوبر بـ1500 جنية شهرياً, لكى أطعم بهم الغنم الذى أملكه" توفيراً لعدم شراء أعلاف لهم.

وعن الاسعار قال عماد أن" الكرتون يباع الكيلو بـ 60 قرشاً فى الشتاء ولكن فى الصيف بـ150 قرشاً, والشنط البيضاء بـ4 جنيهات الكيلو, الالمونيوم "الكانز" يباع بـ 7 جنية الكيلو, الكياس السوداء بـ 30 قرشاً, والتاجر يأخذ كل ما نبيعه له ويقوم ببيعه للمصانع الخاصة به, والمصانع تأخذها وتعيد تدويرها, "مقدرش ابيع للمصنع بنفسى لانه مش هيثق فيا, لازم التاجر يشترى مني ويبع لهم بنفسه, والتاجر هو اللى بيورد للمصانع, ولو اتعديته يكون فيها قتلى".

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.