بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : السبت الموافق 5 أكتوبر 2024
الحمد لله شرح صدور المؤمنين فانقادوا لطاعته، وحبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، فلم يجدوا حرجا في الاحتكام إلى شريعته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد لما حاصر قتيبة بن مسلم كابل كان في جيشه العالم العابد محمد بن واسع فأرسل يبحث عنه فلقيه بجفن دامع وكف ضارع يشير بسبابته إلى السماء ويقول يا سميع الدعاء، عظم فيك الرجاء، اللهم ثبت أقدامنا وسدد سهامنا وإرفع أعلامنا فلما أخبروا قتيبة بما شاهدوا وأطلعوه على ما وجدوا قال قتيبة والله لإصبع محمد بن واسع خير عندي من مائة ألف شاب طرير، ومن مائة ألف سيف شهير، ثم بدأ القتال فنصرهم ذو الجلال وإنهزم الكفار وولوّا الأدبار.
فإذا أحسن المسلم صلته بالله تعالي وبذل المستطاع من الأسباب وتوكل عليه سبحانه وتعالى وصبر على الإبتلاء تعبدا وطمعا في ثوابه فإنه سبحانه وتعالى قد يهيئ أسباب لا تخطر على بال الإنسان ولا يصل إليها تفكيره يكون فيها النصر والفرج والتمكين وتبدل الأحوال إلى أفضل حال فليحسن المسلم ظنه بربه، فهذا يوم الفرقان يوم بدر نصر الله عباده المؤمنين نصرا مبينا أصبح شجى في حلوق المشركين زمانا وكان من أعمدة النصر في تلك الغزاة أن قويت قلوب المؤمنين إيمانا بالله تعالى، وفي التأريخ المشرق لهذه الأمة المنصورة والمخلدة إلى قيام الساعة صور كثيرة جدا لوقائع نصر مبين للمؤمنين، فهذا عمود من أعمدة النصر على الأمة أن تأتي به إن كانت تطمح بالنصر وترمق بعين الشوق إلى التمكين في الأرض، أما إن كانت تريد نصرا بلا إيمان.
فما هي وطالب السمك في الصحراء إلا سواء، إن الله تعالى أخبرنا بأنه حافظ دينه فقال تعالى "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" بل أخبر تعالى أن البقاء إنما هو لدينه فقال سبحانه و تعالى "يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون" وهل نور الله تعالى إلا الإيمان والدين ونصرته له نصرة لعباده القائمين بهذا الدين والمتحلين بهذا الإيمان، والتاريخ يشهد بأن كل قوم حاربوا حمية لدينهم فهم الغالبون ولو كانوا قلة وإن قاتلوا حمية لغير الدين فإن الخذلان لاحق بهم والهزيمة حليفتهم في تلك الحرب، وكما أن الإعتبار بدروس التاريخ مطلب مهم، فلا مجال حينئذ لمداهمة جيوش اليأس والقنوط قلوب الصالحين، بل الدرب مستنير وواضح لا يعمى إلا على عُمي القلوب والأبصار، فالله تعالى وعد ووعده حق وصدق ولابد لذلك الوعد من يوم يتحقق فيه الوفاء.
وليس الوفاء فحسب بل تمام الوفاء وكماله وهو قريب إذ وعد الكريم لا يقبل المماطلات والله سبحانه و تعالى لا يخلف الميعاد، فما هو إلا الصبر القليل والإستعانة بالله والتوكل عليه وأساس ذاك كله اليقين بموعود الله تعالى والحذر من تسرب الشك في موعوده، وقال الله سبحانه وتعالى " ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون" وقال سبحانه " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون" ففي هذا النص القرآني الكريم عمود من أعمدة النصر الذي يمن به الرب جل جلاله على من تعبد له حق التعبد، والتعبد لله إنما هو تمام ذل المخلوق لله وكمال حبه له ومنتهى الطاعة والانقياد لشرعه، والحظ بتمعن وتدبر لعبادنا وعبادي تجد في ثناياها خالص التجرد بالعبودية لله تعالى فلما جردوا التعبد لله وأخلصوه له فلم يجعلوا في قلوبهم ميلا ولو قليلا لغيره أثابهم منه فتحا ونصرا وتمكينا.
ولذا نرى أن الأمة قد يتخلف عنها النصر بسبب تعلقها بغير الله تعالى بل بتعلق الأمة بقوتها وإعتدادها بعتادها وعدّتها وإغترارها بشجاعة فرسانها، وهذا من صور صرف التعبد لغير الله تعالى وغيرها في صفوفنا كثير، فلا عجب أن تخلف النصر عنا وحلت الهزيمة بنا.
إضافة تعليق جديد