رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الأربعاء 18 سبتمبر 2024 5:31 ص توقيت القاهرة

بين حكمة البلاء وضرورة العمل: تأملات ونقد"

بقلم سامى بواى 

 قال السابقون
"‏للبلاء نهايات معلومة الوقت عند الله عز وجل، فلا بُدّ للمُبتلى من الصبر إلى أن ينقضي أوان البلاء، فإنّ إستعجال زوال البلاء مع تقدير مدته لا ينفع .."
        
"فأما المستعجل فمزاحمٌ للمدبّر، وليس هذا مقام العبودية وإنّما المقام الأعلى هو الرضى، والصبر هو اللازم."
          
   "والإلحاح بكثرة الدعاء نِعْم المُعتمد، والاعتراض حرام، والاستعجال مزاحمة للتدبير؛ فافهم هذه الأشياء فإنها تُهَوّن البلاء."
!!!  
 ياعني المفروض كلنا نبقي مؤمنين  بفكرة إن البلاء أو المشاكل ليها وقت معين بتنتهي فيه، والوقت ده محدده ربنا سبحانه وتعالى. عشان كده، لما حد يبقى في مشكلة أو بلاء، لازم يصبر لحد ما المشكلة تنتهي..! 
رغم عمق الحكمة التي تحملها المقولة في التشجيع على الصبر وقبول البلاء كجزء من القدر، يظل هناك تساؤلات حول فعالية هذا النهج في مواجهة التحديات العملية والواقعية 

فبينما تبرز المقولة أهمية الرضا والصبر كوسيلة للتعايش مع البلاء، من الضروري استكشاف جوانب أخرى تتعلق بالحاجة إلى التدخل النشط والعمل لحل المشكلات بشكل فعال .

سأوضح بشكل أكبر النقد والمعارضة لتلك المقولة من الجوانب العلمية والدينية والنفسية والاجتماعية.

أولا تعارض المقولة مع المنظور العلمي
1. مفهوم "البلاء":
علمياً، المشاكل والابتلاءات يمكن أن تكون ناتجة عن أسباب طبيعية أو اجتماعية أو نفسية. على سبيل المثال، الكوارث الطبيعية مثل الزلازل أو الفيضانات تتطلب استجابات طارئة وإجراءات للتخفيف من آثارها وليس الانتظار فقط.
الأمراض مثلاً تتطلب تشخيصاً وعلاجاً ولا يمكن الانتظار حتى تنتهي وحدها دون تدخل طبي.
مما يبرز أهمية العمل الفعّال في مجال الطب، لان تأخير العلاج أو انتظار الشفاء الطبيعي دون تدخل طبي يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات خطيرة أو حتى الوفاة.
وكذاك في الهندسة والعلوم، تجاهل الصيانة الوقائية للمعدات والآلات بسبب انتظار "القدر" يمكن أن يؤدي إلى انهيارات كارثية.

2. خطورة الاعتماد على الزمن فقط لحل المشكلات:
وذلك لعدم فعالية الانتظار السلبي.
فالزمن وحده لا يكفي لحل المشاكل. مثلاً، مشكلة البطالة تتطلب سياسات اقتصادية وتدريب مهني، وليس مجرد الانتظار.
المشكلات البيئية مثل تغير المناخ تحتاج إلى تدخلات وسياسات بيئية نشطة وليس انتظار تحسن الأمور ذاتياً.
ولا شك ان التدخل المبكر  والفعال في كثير من الحالات،  يمكن أن يمنع تفاقم المشاكل.
 مثلاً، الكشف المبكر عن الأمراض يمكن أن يسهل علاجها.
ثانيا تعارض المقولة مع المنظور الديني
1. تعارض مع مفهوم العمل والتوكل:
من منا بنكر العلاقة بين الإسلام والعمل
الإسلام يشجع على العمل الفعّال جنباً إلى جنب مع التوكل على الله. القرآن الكريم يؤكد على العمل والجدوالاجتهاد. في قوله تعالى: "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى" (النجم: 39)، يشير إلى أن الإنسان يحصل على ما يسعى إليه.
 وفي الحديث الشريف: "اعقلها وتوكل"، هذا يعني أنه يجب على الإنسان أن يأخذ  بالأسباب ويتوكل على الله بعد ذلك.
لا دعاء بدون عمل :الدعاء له دوره المهم في حياة المسلم، لكن يجب أن يقترن بالعمل والسعي لحل المشاكل.
 قال رسول الله ﷺ: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً"، وهذا الحديث يوضح أن التوكل الحقيقي يقترن بالسعي والعمل.
2. قيمة العمل والأسباب:
الإسلام يشدد على الأخذ بالأسباب والتخطيط والعمل لتحقيق النتائج.  نعرف جميعا قصة ذو القرنين في القرآن الكريم (سورة الكهف)  وهي  تُظهر كيف استخدم القوة والحكمة والتخطيط لمواجهة البلاء والتحديات.
فالإسلام يعتبر السعي والعمل جزءًا من العبادة، ولا يكتفي بالانتظار السلبي.
وينهي عن القعود دون عمل
فالحديث الشريف "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً"، يوضح أهمية السعي والعمل الدنيوي بالتوازي مع العمل الأخروي.
3. التسليم المطلق وعدم الاجتهاد:
الإسلام يشجع على الاجتهاد لان التسليم المطلق دون اجتهاد يعارض توجيهات الإسلام الذي يدعو إلى الاجتهاد والمثابرة.
 في الحديث الشريف: "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها"، مما يوضح أهمية العمل حتى في الأوقات الصعبة.
وراينا في قصة نبي الله يوسف عليه السلام وكيف اجتهد في تخطيط السنين العجاف والسنين الخصب تدل على أهمية التخطيط والعمل لمواجهة البلاء.
ثالثا تعارض المقولة مع المنظور النفسي والاجتماعي
1. التأثير النفسي السلبي:
الا تتفق معي ان الانتظار السلبي يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالعجز وفقدان السيطرة على الأمور، مما يزيد من التوتر والضغوط النفسية؟!!
فالصبر المفرط يا صديقي دون اتخاذ إجراءات فعلية قد يؤدي إلى الإحباط والاكتئاب، لأن الشخص قد يشعر بأنه ليس لديه أي تأثير أو سيطرة على مشاكله.
ننتقل بعد ذاك الي الحاجة إلى الدعم النفسي:
فالدعم النفسي والاجتماعي يمكن أن يكون فعالاً في تخفيف تأثيرات البلاء. لان الاعتماد على الصبر فقط دون البحث عن دعم يمكن أن يزيد من العزلة النفسية.
2. التفاعل الاجتماعي:
المشاكل الجماعية تحتاج إلى تفاعل:
لا شك ان المشاكل الاجتماعية مثل الفقر أو البطالة تحتاج إلى تدخلات جماعية وحلول اجتماعية وليس فقط صبر الأفراد. وانتظار زوال المشاكل بشكل ذاتي قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع.
لذلك فان التفاعل الاجتماعي والنشاط الجماعي ضروريان لحل العديد من الأزمات مثل الكوارث الطبيعية والأزمات الاقتصادية.
ياتي بعذلك اهمية ذكر التكافل الاجتماعي:
لان الإسلام  دين يشجع على التكافل الاجتماعي والعمل الجماعي لحل المشاكل.
 قال رسول الله ﷺ: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"
نخلص من كل ما سبق لعدة نقاط رئيسية تجعلنا نرفض هذه المقولة جملة وعموما وهي كالتالي:
١-الاعتماد المفرط على الصبر قد يؤدي إلى السلبية وعدم الفعالية في التعامل مع المشاكل.
٢-العمل الفعّال والتدخل المبكر غالباً ما يكونان أكثر أهمية وفعالية في حل المشاكل من الانتظار السلبي.
٣- الإسلام يشدد على التوكل المصحوب بالعمل، وليس التوكل السلبي(التواكل) دون اجتهاد وسعي.
٤-الصبر بدون البحث عن حلول فعلية ودعم نفسي واجتماعي يمكن أن يؤدي إلى تدهور الحالة النفسية والاجتماعية.
ختاما 
بعد كل هذا التعارض، نجد أن تلك  المقولة تحمل في طياتها حكمة الصبر والتسليم لمشيئة الله في وجه الابتلاءات. ومع ذلك، فقد أبرزها  أن تحقيق التوازن المثالي بين الصبر والعمل الفعّال يمكن أن يكون المفتاح لتحمل البلاء وتجاوزه بأفضل طريقة ممكنة. فالصبر المنضبط مع الاجتهاد الفعّال قد يحقق الرضا والنجاح، حيث يعمل الإنسان على تحقيق الأهداف والتغلب على التحديات بتوكله على الله وبذل جهوده الحقيقية في آن واحد."
                                     سامى بوادي
                                         المحامى

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.