رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الأربعاء 8 يناير 2025 1:44 ص توقيت القاهرة

تقسيم الأعمال بالنسبة لغاياتها ووسائلها.. بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا وباعث الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، والحمد لله الذي رضى من عباده باليسير من العمل، وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل، وأفاض عليهم النعمة، وكتب على نفسه الرحمة، وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته سبقت غضبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله وصفيه وحبيبه أما بعد إن اليسر مقصد من مقـاصد الدين الكبرى، فقد جعله الله تعالى أساسا لكل ما أمر به ونهى عنه في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأمرنا أن نلتزمه في فهمنا للدين والعمل به والدعوة إليه، فقال الله تعالى " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن خير دينكم أيسره، إن خير دينكم أيسره، إن خير دينكم أيسره"
وفي لفظ " إنكم أمة أُريد بكم اليسر" رواه أحمد، ولكن ما معنى أن يكون الدين يسرا؟ وهو إن آية اليسر نزلت تعليلا لأمره تعالى بالفطر للمريض والمسافر، ولكن هل الصيام نفسه الذي وردت بمناسبته قاعدة التيسير شـيء لا مشقة فيه؟ ماذا لو قال إنسان لو كان الصيام نصف شهر لكان أيسر، ولو كان أقل من ذلك لكان أكثر يسرا، بل لو لم نؤمر بالصيام لكان اليسر كله؟ وما يقال عن الصيام، يقال عن سائر العبادات، وسائر ما أمر الله تعالى به من صلاة وصيام وحج وزكاة وجهاد بالمال والنفس إنها كلها تكاليف فيها شيء من مشقة؟ فلو كان معنى التيسير أن لا يؤمر الناس بشيء فيه أدنى مشـقة لما كان هنالك تكليف بصلاة ولا صيام ولا حج ولا زكاة ولا جهـاد لأن فعـل ما لا مشقة فيه البتة أيسر فيما يبدو لأول وهلة مما في فعله أدنى مشقة، فما المقصود باليسر إذن؟
وهو معناه فيما يبدو هو فعل ما يحقق الغاية بأدنى قدر من المشقة، مثلا إذا كان لا بد لك من وسيلة للكسب تحفظ لك ماء وجهك وتغنيك عن السؤال وتوفر لك ما تحتاج إليه من طعام ولباس وسكن وزيادة توفر بعضها وتتصدق ببعض فإن خير وسيلة هي عمل يحقق لك كل هذا بأدنى قدر من المشقة، فإذا قال لك الشيطان لكن عدم الكسب أيسر من أية وسيلة فيها شيء من مشقة، ولذلك فإن الأفضل لك أن لا تعمل إطلاقا، ستقول له إن كنت عاقلا هذا صحيح بادئ الرأي أيها الخبيث لكن انظر ماذا سيترتب على البطالة، إنها ستجعل حياتي أعسر نفسيا وربما جسديا فعملي رغم ما فيه من مشقة هو في النهاية أيسر من البطالة التي يبدو أنه لا مشقة فيها، وكذلك الأمر بالنسبة للدّين، فما يأمرنا الله تعالى به هو أعمال تحقق غايات ضرورية لنا، وهي غايات لا تكون لنا سعادة إلا بها.
ولكنها بإعتبارها أعمالا فلا بد أن تتضمن شيئا من الجهد والمشقة، لكن الله تعالى الخالق لكل شيء، المحيط علما بالوسائل والغايات، الرحيم بعباده، يختار لنا أسمى الغايات، ثم يدلنا إلى أحسن الوسائل التي تحققها بأدنى مشقة، كما قال الله تعالى في أول آية علل بها أمره بالصيام " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون " فالغاية المطلوب الوصول إليها هي التقوى، والوسيلة إليها التي لا وسيلة غيرها لتحقيق هذا النوع من التقوى هو صيام شهر رمضان، وعليه فيمكن تقسيم الأعمال بالنسبة لغاياتها ووسائلها إلى أربعة أنواع، وأحسنها هو غاية حسنة ووسيلة ميسرة، وهذا هو الذي اختاره الله تعالى لعباده، وأسوؤها هو غاية سيئة ووسيلة شاقة، من أمثلتها هو محاربة الكفار للمسلمين، وبذلهم أموالهم وأنفسهم في سبيل ذلك.
ومنها ما يتظاهر به المنافق من صلاة وصوم وحج وزكاة وربما جهاد، وفي مثل هذا العمل قالت العرب لحم جمل غثٌّ، على رأس جبل وعر، لا سمين فيشتهى، ولا سهل فيرتقى، وأما عن أقل منه سوءا هو غاية سيئة ووسيلة سهلة، وأحسن من هذا هو غاية حسنة ووسيلة عسرة، وهذا يشمل كل ما خالف السنّة من أنواع الأعمال الصالحة.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.