بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، والصلاة والسلام على محمد بن عبدالله المتمم لمكارم الأخلاق، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، ثم أما بعد لقد أمرنا الإسلام أن نأمر بالمعروف وأن ننهي عن المنكر، فقال الأمام ابن باز رحمه الله تعالى في كلمة بعنوان "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " وقد أوضح الله جل وعلا في كتابه العظيم منزلته في الإسلام، وبيّن سبحانه أن منزلته عظيمة، حتى إنه سبحانه في بعض الآيات قدمه على الإيمان، الذي هو أصل الدين وأساس الإسلام، كما في قوله تعالى كما جاء في سورة آل عمران " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " ولا نعلم السر في هذا التقديم، إلا عظم شأن هذا الواجب، وما يترتب عليه من المصالح العظيمة العامة، وخصوصا في هذا العصر.
فإن حاجة المسلمين وضرورتهم إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شديدة لظهور المعاصي، وإنتشار الشرك والبدع في غالب المعمورة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، ومع ذلك قدمه الله تعالي على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فقدم هنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على إقام الصلاة، مع أن الصلاة عمود الإسلام، وهي أعظم الأركان بعد الشهادتين، فلأي معنى قدم هذا الواجب؟ ولا شك أنه قدم لعظم الحاجة إليه وشدة الضرورة إلى القيام به، ولأن بتحقيقه تصلح الأمة، ويكثر فيها الخير وتظهر فيها الفضائل وتختفي منها الرذائل، ويتعاون أفرادها على الخير، ويتناصحون ويجاهدون في سبيل الله، ويأتون كل خير ويذرون كل شر، وبإضاعته والغفلة عنه تكون الكوارث العظيمة، والشرور الكثيرة وتفترق الأمة وتقسو القلوب أو تموت وتظهر الرذائل وتنتشر، وتختفي الفضائل ويهضم الحق، ويظهر صوت الباطل.
وهذا أمر واقع في كل مكان وكل دولة وكل بلد وكل قرية لا يؤمر فيها بالمعروف ولا ينهى فيها عن المنكر، فإنه تنتشر فيها الرذائل وتظهر فيها المنكرات ويسود فيها الفساد، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أما الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لأغراض أخرى كرياء وسمعة، أو حظ عاجل أو أسباب أخرى، أو يتخلفون عن فعل المعروف، ويرتكبون المنكر، فهؤلاء من أخبث الناس، ومن أسوئهم عاقبة، وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "يؤتي بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه، أي أمعاؤه، فيدور في النار كما يدور الحمار بالرحى فيجتمع عليه أهل النار فيقولون مالك يا فلان؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ قال فيقول لهم بلى ولكني كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه" رواه البخاري ومسلم، وهذه حال من خالف قوله فعله تسعر به النار.
ويفضح على رؤوس الأشهاد، ويشاهده أهل النار، ويتعجبون كيف يلقى في النار، هذا ويدور في النار كما يدور الحمار بالرحى، وتندلق أقتاب بطنه، يسحبها، لماذا؟ لأنه كان يأمر بالمعروف ولا يأتيه، وينهى عن المنكر ويأتيه، وورد في الحديث أيضا عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال " يقول الله عز وجل مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أستجيب لكم وقبل أن تسألوني فلا أعطيكم وقبل أن تستنصروني فلا أنصركم" وفي لفظ آخر من حديث حذيفة رضي الله عنه يقول عليه الصلاة والسلام " والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم" رواه أحمد، ولا بد للداعي إلى الله تعالى من وسيلة توصل علمه إلى الناس وأيا تكن هذه الوسيلة فلابد في الغالب من حوار أو إنكار أو مدارسة أو تعليم أو مكاتبة ونحو ذلك.
إضافة تعليق جديد