بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي شمل بخلقه ورحمته ورزقه القريب والبعيد، سبحانه وتعالي "وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين" وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله هو أفضل النبيين والمؤيد بالآيات البينات والحجج الواضحات والبراهين صلى اله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد لقد حذرنا الإسلام من الكبر والغرور، وإن التكبر على العباد يكون بأن يستعظم الإنسان المتكبر نفسه، ويحتقر غيره، ويزدريه، فيأبى الإنقياد له، أو يترفع عليه، ويأنف من مساواته، وهذا، وإن كان دون الأولين إلا أنه عظيم إثمه أيضا لأن الكبرياء والعظمة إنما يليقان بالملك القادر القوي المتين، دون العبد العاجز الضعيف.
فتكبره فيه منازعة لله في صفة لا تليق إلا بجلاله، فهو كعبد أخذ تاج ملك وجلس على سريره، فما أعظم إستحقاقه للمقت، وأقرب إستعجاله للخزي، ومن ثم فمن نازعه العظمة والكبرياء أهلكه، أي لأنهما من صفاته الخاصة به تعالى، ونحن نعلم جميعا أن كبار كفار قريش كانوا يأنفون من الجلوس مع الضعفاء من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم استكبارا وأنفة، وإن من أنواع التكبر هو التكبر بالعلم، فقد تجد شخصا تعلم بعض العلوم أو أخذ بعض الإجازات في علم معين فيظن أنه بلغ العلا ويتكبر على أقرانه بعلمه وهذا أفحش أسباب الكبر لأن العلم سبيل لخشية الله تعالى حيث قال تعالي " إنما يخشي الله من عباده العلماء " ويقول الإمام الذهبي وأشرّ الكبر الذي فيه من يتكبر على العباد بعلمه، ويتعاظم في نفسه بفضيلته، فإن هذا لم ينفعه علمه.
فإن من طلب العلم للآخرة كسره علمه، وخشع قلبه، وإستكانت نفسه، وكان على نفسه بالمرصاد، فلا يفتر عنها، بل يحاسبها كل وقت ويتفقدها، فإن غفل عنها جمحت عن الطريق المستقيم وأهلكته، ومن طلب العلم للفخر والرياسة، وبطر على المسلمين، وتحامق عليهم، وإزدراهم، فهذا من أكبر الكبر، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وكما أن من أنواع التكبر هو التكبر بالمال وذلك يجري بين الملوك في خزائنهم، وبين التجار في بضائعهم، وبين الدهاقين في أراضيهم، وبين المتجملين في لباسهم وخيولهم ومراكبهم، فيستحقر الغني الفقير، ويتكبر عليه، ونحن نعلم قصة قارون الذي ضرب به المثل في كثرة المال فيقال فلان عنده مال كمال قارون، وإن مفاتيح الحجرات التي تضم الكنوز التي امتلكها قارون.
كان يصعب حملها على مجموعة من الرجال الأشداء الأقوياء ولو عرفنا عن مفاتيح الكنوز هذه الحال، فكيف كانت الكنوز ذاتها؟ فقارون لم ينسب الفضل لله وإنما تكبر بماله " قال إنما أوتيته علي علم عندي" أي بمهارتي وتجارتي فكانت النهاية " فخسفنا به وبداره الأرض" هكذا في لمحة خاطفة إبتلعته الأرض وإبتلعت داره وذهب ضعيفا عاجزا لا ينصره أحد ولا ينتصر بجاه أو مال، فاعلم يا أخي الكريم أنه مهما بلغ مالك وملكك فإن ذلك لا يساوي شربة ماء شربتها وحبست فيك فعلام تتكبر ؟ فيا عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
إضافة تعليق جديد