

بقلم.. محمد الدكرورى
الحبّ في الإسلام له دلائل خاصّة، فهو من أهم الدوافع والمحرّكات في سلوكيّات وأفعال الفرد والمجتمع، فالمعاني التي يحملها الحبّ في الدّين الإسلاميّ لا تدّل عليها أي شريعة من شرائع الدنيا، ويتمثّل الحبّ بالصدق والشّفافية من كلا الطرفين ..
ومن صور إظهار الحبّ هو الدّعاء للطرف الآخر بالخير والمعروف، وتوجيهه وإرشاده لِما فيه الخير والصّلاح في الدنيا والآخرة، وإيثاره، والتضحية في سبيل راحته، وكل ذلك ليس لأجل مصلحة من مصالح الدنيا ..
ومن أسمى صور الحبّ هو حبّ الله -تعالى- وحبّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، والحبّ في الإسلام يكون على عدّة مستويات؛ وهي ..درجة الحبّ الأعلى
وإنّ أعلى درجة من درجات الحبّ في الإسلام تتمثّل بحبّ الله سبحانه وتعالى وحبّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وحبّ الجهاد في سبيل الله تعالى؛ فهي من أرفع المنازل وأسماها وأفضلها مكانةً، كما أنّها من لوازم دين الإسلام ومن مقتضيات الإيمان بالله تعالى؛ وذلك لنشر دين الإسلام وتبليغه لجميع النّاس وإعلاء مكانة ومنزلة الإسلام، والمؤمن يُطبّق ويتّبع الأحكام والأوامر الربانيّة بإخلاص ونيّة صادقة لأنّه يعلم أنّ الله عز وجل كامل لا يعتريه أي نقص، كما أنّه المالك والخالق للكون وما فيه، ويتصّرف فيه كما يشاء وفق حكمته وقدرته، والمسلم يتصرّف وفق قدر الله تعالى ومشيئته التي يريدها؛ فالله عز وجل يقدّر لعباده ما يحقّق لهم الخير والسعادة والمصلحة الحسنة، والله تعالى يضع الأمور والمقادير في مواضعها المناسبة؛ فالإنسان مهما بلغ من المنزلة والمكانة والعلم إلّا أنّ قدرته تبقى قاصرة ومحدودة في تدبير شؤونه وأموره؛ بسبب تأثّره بالعواطف وهوى النّفس والمبادئ والبيئات التي يعيش فيها، والإيمان بالله تعالى يؤدّي إلى الإيمان برسوله محمّد صلّى الله عليه وسلّم؛ فالله عز وجل ميّز الرّسول صلى الله عليه وسلم بالأخلاق الحسنة والأفضال العظيمة، ممّا جعله القدوة الحسنة في امتثال الأوامر والأخلاق، كما أنّ الله تعالى عصمه من الخطأ والزّلل والمعصية، ومن حبّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم إيثاره وتفضيله على النفس كما فعل الكثير من الصّحابة رضي الله عنهم، والمؤمن الحقّ والصادق يجاهد في سبيل الله تعالى؛ لنصرة دين الإسلام وإخراج النّاس من عبادة الأصنام إلى توحيد الله سبحانه وتعالى وعدم الإشراك به، ولإكرام المسلمين بالحياة السعيدة العزيزة أو إكرام النّفس بالشهادة في سبيل الله تعالى.
ودرجة الحبّ الأوسط
حيث تتمثّل الدرجة الثانية من درجات الحبّ في الإسلام بمجموعة العواطف الساكنة في القلب والمشاعر التي تستقرّ في النّفس الإنسانيّة، وتنبعث من الإنسان لغيره من أبناء جنسه بسبب روابط تربطه بهم، منها: رابطة العقيدة، ورابطة القرابة والنّسب، ورابطة الصداقة، فهذه الروابط هي السبب في توثيق المحبّة والمودّة والرحمة بين أي طرفين، والإسلام اعترف بالعواطف والمشاعر القلبية ومنحها منزلة رفيعة ومكانة عظيمة، وجعلها منزلة ثانية بعد حبّ الله عز وجل وحبّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم والجهاد في سبيل الله تعالى، ومحبّة النّاس لبعضهم البعض لها أهميّة كبيرة تنعكس على الفرد والأسرة والمجتمع، فروى الإمام مسلم في صحيحه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: (مَثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم مَثلُ الجسدِ؛ إذا اشتكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسدِ بالسَّهرِ والحُمَّى)، فأهميّة الحبّ الأوسط وآثاره الإيجابيّة تنعكس على الأفراد والمجتمعات والشعوب بأكملها، ولذلك حرصت الشريعة الإسلاميّة على تعميق محبّة الأفراد لبعضهم البعض، فحثّت على محبّة الوالدين للأولاد، ومحبّة الأولاد للوالدين، ومحبّة الزوجين لبعضهما البعض، ومحبّة المسلمين لبعضهم، ومحبّة النّاس بعضهم انطلاقاً من رابطة الإنسانيّة، وعمل الإسلام على تحقيق ذلك بعدّة طرق؛ منها: تحريم هجر المسلم لأخيه المسّلم أكثر من ثلاثة أيّام، فقال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (لا يحلُّ لمسلمٍ أن يهجرَ أخاه فوقَ ثلاثِ ليالٍ)، وحرّم الإسلام أيضاً البغض، والحسد، والقطيعة، والتدابر بين المسلمين.
ودرجة الحبّ الأدنى
وهي أدنى درجات الحبّ، وتتمثّل بعدّة أمور؛ منها: محبّة الطغاة والأنداد من البشر الذين يُعادون الإسلام ولا يوحّدون الله تعالى، ومنها الاستمرار في ارتكاب الفواحش والرذائل والمنكرات والخضوع لرغبات النفس والانسياق للشّهوات، ومنها أيضاً تقديم محبّة الأهل والزوجة والأولاد والأموال على محبّة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ومحبّة الجهاد والقتال في سبيل الله تعالى، والواجب على المؤمن التخلّص من المشاعر والعواطف التي تؤدّي به إلى أدنى درجة من درجات الحبّ في الإسلام باتّباع الأوامر والأحكام التي وردت في الشريعة الإسلاميّة.
إضافة تعليق جديد