بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على خاتم النبيين محمد بن عبد الله الصادق الأمين وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد إن الناس يحبون الشكر والتشجيع، وإن كان الأصل في المسلم أنه يعمل العمل إبتغاء رضا الله تعالي ولا ينتظر شكر الناس، ولكن ذلك طبع في البشر وذلك لا بأس منه شرعا، وروى أحمد والترمذي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال " من لم يشكر الناس لا يشكره الله " وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم " اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فأكرم الأنصار والمهاجرة " وكذلك حديث " من صنع إليكم معروفا فكافئوه" واعلموا أن التشجيع يسر الآخرين، وقيل أن سعد بن معاذ رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم " لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقا عليها ألا تنصرك إلا في ديارهم.
وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم، فأضعن حيث شئت وصل حبل من شئت وإقطع حبل من شئت وخذ من أموالنا ما شئت وإعطنا ما شئت وما أخذت منا كان أحبّ إلينا مما تركت، وما أمرت فيه من أمر فأمرنا تبع لأمرك فوالله لئن سرت حتى تبلغ البرك من غمدان لنسيرن معك ووالله لئن إستعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، فسُرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطّه ذلك ثم قال " سيروا وأبشروا فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين" فيا حسرة المحب الذي باع نفسه لغير الحبيب الأول بثمن بخس وشهوة عاجلة ذهبت لذتها وبقيت تبعتها وإنقضت منفعتها وبقيت مضرتها فذهبت الشهوة وبقيت الشقوة وزالت النشوة وبقيت الحسرة فوا رحمتاه لصب جُمع له بين الحسرتين.
حسرة فوت المحبوب الأعلى والنعيم المقيم وحسرة ما يقاسيه من النصب في العذاب الأليم فهناك يعلم المخدوع أي بضاعة أضاع وأن من كان مالك رقه وقلبه لم يكن يصلح أن يكون له من جملة الخدم والأتباع، فأي مصيبة أعظم من مصيبة ملك أُنزل عن سرير ملكه وجعل لمن لا يصلح أن يكون مملوكه أسيرا وجعل تحت أوامره ونواهيه مقهورا فلو رأيت قلبه وهو في يد محبوبه لرأيته كعصفورة في كف طفل يسومها حياض الردى والطفل يلهو ويلعب، ولو شاهدت حاله وعيشه لقلت ومافي الأرض أشقى من محب وإن وجد الهوى حلو المذاق، تراه باكيا في كل حين مخافة فرقة أو لاشتياق، فيبكي إن نأوا شوقا إليهم ويبكي إِن دنوا حذر الفراق، ولو شاهدت نومه وراحته لعلمت أن المحبة والمنام تعاهدا وتحالفا أن ليس يلتقيان.
ولو شاهدت فيض مدامعه ولهيب النار في أحشائه، لقلت سبحان رب العرش متقن صنعه ومؤلف الأضداد دون تعاند، قطر تولد عن لهيب في الحشا ماء ونار في محل واحد، فهل يليق بالعاقل أن يبيع هذا الملك المطاع لمن يسومه سوء العذاب ؟ ويوقع بينه وبين وليه ومولاه الحق الذي لاغنا له عنه ولا بد له منه أعظم الحجاب فالمحب بمن أحبه قتيل وهو له عبد خاضع ذليل إن دعاه لباه وإن قيل له ما تتمنى ؟ فهو غاية ما يتمناه لا يأنس ولا يسكن إلى سواه فحقيق به ألا يملك رقه إلا لأجل حبيب وألا يبيع نصيبه منه بأخس نصيب، فاللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
إضافة تعليق جديد