رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الخميس 26 ديسمبر 2024 1:48 م توقيت القاهرة

سـامـى بـوادى يـكـتب«أسـرار المـدرسـة الـرمـضـانـيـة قـلب بالله تعلق»

يلملم شهر رمضان  حاجته ويشرع ان يسلمنا لمن بعده أت اللهم استلمه منا بالخير والطاعات يا رب العالمين وفي المدرسة الرمضانية عيشنا خير فصول التعلم والتربية  اذ نجد أن دين الله تعالى يربي المؤمنين على تعلق قلوبهم بالله تعالى، وتوكلهم عليه دون سواه، وتجريد العبودية له لا لغيره، ويغرس فيهم معاني العزة والأنفة والقوة، ويعدهم التوفيق والظفر إن هم أعزوا أنفسهم أمام غيرهم، ويحذرهم الفشل والخذلان إن هم ذلوا لغيره سبحانه. إنها تربية ربانية، تحدُّ من استعلاء العبد، وتجعله دائم الافتقار لربه، دائم الانكسار بين يديه، وإذا كانت هذه هي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنهما، وهو مَنْ هو إمامة وجلالة وجهادًا، ونصرة لدينه وذبًا عن نبيه؛ فكيف يكون حالنا ونحن المذنبون المفرطون

فمن طبيعة البشر أن قلوبهم تتعلق بأهل العز والقوة، والقهر والغلبة، والمال والجاه، وتنجذب النفوس نحوهم، ويركن الناس إليهم، ويذلون لهم، ويخضعون لقوتهم وغلبتهم؛ لأنهم يبتغون منهم نفعا، أو يخافون منهم ضرا، وهذا التعلق بهم يبقيهم في دركات الذل والمهانة، وأسر الانبهار والتبعية، واستلاب العزة والكرامة، ونزع القوة والمهابة، فتؤكل حقوقهم، وتسلب إرادتهم، ويستباح حماهم، ويبلغ بهم الذل والهوان إلى حدِّ أنهم يقدسون من يفعلون ذلك بهم، كما يقع ذلك في عصرنا، ويقع في كل زمان ومكان. ونحن نعيش في حياة ملؤها الألم، آلام وأحزان وهموم وغموم، لا يسلم منها إنسان، هكذا قضى الله وقدر؛ أن نكابد مشاق هذه الحياة. قال ربنا –جل وعلا-: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) البلد: 4

 أقدار تجري علينا ربما أحرقت القلب ومزَّقت نياطه، لكن سلوةً تسلو بها القلوب وتهدأ به النفوس لا تفارق القلوب المؤمنة لتخرج من مصائبها وأزماتها وابتلاءاتها راضيةً مطمئنةً. فالمتعلق بالله لا يُخذل في أشد الأهوال ولا يُنسى مع تتابع الكروب، بل تتتابع عليه ألطاف الملك الوهاب، وتتوالى عليه أمداد اللطيف الخبير، وهو ذاكرٌ لربه في كل حال لقد ظهرت ثغرات كثيرة وكبيرة وحفر عميقة تدل على هو سحيقة وبُعد عظيم عن الله سبحانه وتعالى وجاءت هذه الأحداث العظيمة فكشفت أننا لم نقدر الله حق قدره ولم نعظمه حق تعظيمه ولم نجله حق إجلاله وتقديره أصبح الكثير منا والله المستعان يفكر بتفكير دنيوي مادي بحت ويتكلم ويحلل وكأن الله ليس بموجود ويحسب ألف حساب للشرق وألف حساب للغرب وألف حساب للدولة الفلانية والرئيس الفلاني ثم لا يذكر الله إلا قليلاً ولا يتذكر عظمة الله لحظة واحدة
مع إن العزة والقدرة والقهر والقوة هي من صفات الله تعالى التي يُقِّرُ بها أهل الإيمان، وتمر بهم كثيرا في كتاب الله تعالى؛ فربنا جل جلاله على كل شيء قدير، وهو بكل شيء محيط، وهو العليم الحكيم، وهو القوي العزيز؛ لم تقف قوة أمام قَدَره، ولم تصمد أمةٌ أمام عذابه.
قال قوم عاد ( مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ) [فصِّلت:15] فأهلكهم ( بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ) [الحاقَّة:6].
 
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا المَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ) [القصص:38] فأخذه الله تعالى وجنده فأغرقهم أجمعين.
 
وقال قارون: ( إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ) [القصص:78] فخسف الله تعالى به وبداره الأرض.
 
وأغرق سبحانه قوم نوح عليه السلام، وأخذ ثمود بالصيحة، وقوم شعيب عليه السلام بعذاب يوم الظلة، وقَلَبَ على قوم لوط عليه السلام ديارهم، وأتبعهم بحجارة من سجيل، ونجَّى يوسف عليه السلام من الهلاك في الجب، ومن بلاء السجن، ورفع مكانه، وأعز مقامه، فجعله على خزائن الأرض، يأمر وينهى، ويقسم للناس أرزاقهم، ويعطيهم أقواتهم.
 
 
وبتدبر ايات الفرقان  يخبرنا ربنا سبحانه انه وحده ولا يزال يعز ويذل، ويرفع ويضع، ويغني ويفقر، ولا يُسأل عما يفعل ( قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [آل عمران:26].
 
 
فإذا كانت مقادير كل شيء بيده سبحانه، ومصير العباد إليه، وآجالهم وأرزاقهم عنده، بل سعادتهم وشقاؤهم في الدنيا والآخرة لا يملكها أحد سواه عز وجل – وجب أن تتعلق القلوب به وحده، وأن لا تذل إلا له، ولا تعتز إلا به، ولا تتوكل إلا عليه، ولا تركن إلا إليه ( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ ) [التوبة:51].
 
فالنفع والضر بيده سبحانه، ولا يملكهما غيره، ولا يقعان إلا بقدره
كلما شعر العبد بهذه الحقيقة بانت له عظمة الخالق جل وعلا، وعرف مقدار نفسه، وهكذا ربَّى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم، فها هو ذا أجلّهم وأعلاهم منزلة، أبو بكر الصديق رضي الله عنه، يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: «علمني دعاءً أدعو به في صلاتي»، والنبي صلى الله عليه وسلم أعرف الناس بصاحبه، ومع ذلك قال له: «قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم»(18).

قلوب لا تعرف إلا الله، إن خافت اتجهت إلى الله فأمَّن خوفَها، وإن ضلَّت سألتِ الله فهداها صراطه المستقيم، وإن تألمت اشتكت إلى الله فسمع شكواها وكشف بلواها، قلوب تعلم أن الله هو النافع الضار فلم تتجه لأحد سواه.
لا إيمان إلا بتعلق, ولا عبودية إلا بتعلق, ولا إسلام إلا بتعلق, فمدار الدين على تعلّق القلب برب العالمين من جهة ربوبيته له وإحاطته به وحفظه وإمداده ورزقه, ومن جهة إلاهيته وحبه وعبادته وتوجّهه وإسلامه. فقلب المؤمن معلّق بربّه مهما باشرت يده تقليب الأسباب.  
والمؤمن يعلم أن الملك ملك الله, والخلق خلقه, والعبيد عبيده, فهو لا ينفك عن تعلقه بمن هذا شأنه سبحانه وبحمده.
والمؤمن الموفق يعلم أن الله خلقه لعبادته, وأن زبدة رسالة المرسلين هي تحقيق التوحيد وتجريد العبودية وحده لا شريك له "ولما بعث صلوات الله وسلامه عليه صار يقول للناس: "قولوا: لا إله إلا الله" رواه أحمد بسند صحيح. ومعنى لا إله إلا الله: أن يكون التألّه - الذي هو حب القلب وخوفه ورجاؤه - لله وحده، فلا يكون القلب متعلقاً بغير الله جل وعلا.
والمتعلق بالله لا يُخذل في أشد الأهوال ولا يُنسى مع تتابع الكروب, بل تتتابع عليه ألطاف الملك الوهاب, وتتوالى عليه أمداد اللطيف الخبير, وهو ذاكرٌ لربه في كل حال, حتى مع التحام الأقران بتوالي الطعان ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )
والمتعلق بالله لا تضيق عليه المخارج عند ادلهام الخطوب وتكاثف الغموم, قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: "ضاق بي أمر أوجب غمًّا لازمًا دائمًا، وأخذت أبالغ في الفكر في الخلاص من هذه الهموم بكل حيلة وبكل وجه. فما رأيت طريقاً للخلاص. فعرَضت لي هذه الآية: " وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً " فعلمت أن التقوى سبب للمخرج من كل غم. فما كان إلا أن هممت بتحقيق التقوى فوجدت المخرج.
فلا ينبغي لمخلوق أن يتوكل أو يتسبب أو يتفكر إلا في طاعة الله تعالى، وامتثال أمره، فإن ذلك سبب لفتح كل مرتج.
ثم ينبغي للمتقي أن يعلم أن الله عز وجل كافيه فلا يعلق قلبه بالأسباب، فقد قال عز وجل: (ومنْ يتوكلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حسبهُ ).
والمتعلق بالله بصير بحاله, عليم بعاقبة أفعاله, يعلم من أين يؤتى لذلك قلّت ذنوبه, حسن الظن بالمولى لذلك كثرت ضراعته وعظمت رغائبه, ويعلم أن لمولاه حِكَمٌ في تأخير إجابة دعواته أحيانًا.
 مَن تعلق بربه ومولاه كفاه ووقاه، وحفظه وتولاه؛ فهو نعم المولى ونعم النصير. ومَن تعلق بغيره وَكَلَه الله إلى مَن تعلق به؛ وخَذَلَه. قال وهبُ بن منبه: "أوحى الله تبارك وتعالى إلى نبيه داوُد عليه السلام: يا داوُد! أما وعزّتي وعظمتي لا يعتصم بي عبدٌ من عبادي دون خلقي، أعرف ذلك من نيته، فتكيده السماوات السبع ومن فيهن، والأرضون السبع ومن فيهن، إلا جعلتُ له من بينهن مخرجاً، أما وعزّتي وعظمتي لا يعتصم عبدٌ من عبادي بمخلوقٍ دوني، أعرف ذلك من نيته، إلا قطعتُ أسباب السماء من يده، وأسخت الأرض من تحت قدمه، ثم لا أبالي بأي أوديتها هلك" رواه أحمد.
إن المتعلق بالله لا يخشى غيرَه ولا يخاف سواه, لعلمه أن المخلوقين مهما أوتوا من قوة وخبرة وسلطان وبطش فلا يخرجون عن قَدَره وقُدرته طرفة عين, ولو اجتمعوا على أن ينفعوا أو يضروا أحدًا، فما شاء الله كان وما لم يشأ لا يكون.
ومن تعلق بغير ربه فقد حكم على نفسه الحرمان وختمها بالخذلان, وأصل مادّة الشر في العالم هي من تعلق المخلوق بغير خالقه, وتأله قلبه لغير إلهه الحق, فما دخل القلب شرك بالله إلا من باب التعلق, فليعتن اللبيب الناصح لنفسه غاية العناية بحراسة هذا الباب لقلبه
 لا بد على المرء أن يعلق قلبه بالله، ويجعل الثقة به سبحانه وتعالى في كل أحواله، ولا يليق بالمسلم أن ييأس من روح الله، ولا يقنط من رحمته، ولا يكون نظره مقصورًا على الأمور المادية والأسباب الظاهرة؛ بل يكون متلفتًا في قلبه في كل وقت إلى مسبب الأسباب، إلى الكريم الوهاب، متحريًا للفرج، واثقًا بأن الله سيجعل بعد العسر يسرًا، ومن هنا ينبعث للقيام بما يقدر عليه من النصح والإرشاد والدعوة، ويقنع باليسير إذا لم يمكن الكثير، وبزوال بعض الشر وتخفيفه إذا تعذر غير ذلك
 
إن التعلق بالله ليس كلامًا يقال ولا مكتوبًا يُكتب، إنه واقعٌ يعيشه المؤمن، يبين ويظهر إذا توالت عليه الأزمات، وحلت به النكبات، وأحاطت به الهموم والغموم، فلم يعرف إلا الله ولم يتعلق إلا بالله، ولم ينزل همَّه إلا بالله، إذا كاده الكائدُ وحسده الحاسدُ أو اعتدى عليه المعتدِي، إذا تسلطت عليه الهموم، إذا ركبته الديون، إذا سكن المرض جسده، إذا تعب من انحراف ولده؛ انطلق إلى مصلاه وبثَّ شكواه إلى الذي يعلم سرَّه ونجواه بقلب خلا من كل شيء إلا من الله، وخاب ظنه في كل أحد إلا في الله، وأيس من كل فرج إلا من فرج يأتي به اللهقلوب تعلم أن الناس لا يعطون ولا يمنعون، بل الله يعطي من يشاء ويمنع من يشاء.

إذا أردت أن تعرف هل أنت متعلق بالله، فتأمل في حالك، إذا نزلت بك المصائب هل تفزع إلى الله أم إلى عباد الله، هل تشتكي للخالق أم للمخلوق، عندها ستدرك حقيقة تعلقك بالله.
إن في القلب فاقة لا يسدها شيء سوى الله أبدًا، وفيه شعث لا يلمُّه غير الإقبال عليه، وفيه مرضٌ لا يشفيه غير الإخلاص له، وعبادته وحده، فهو دائمًا يضرب على صاحبه حتى يسكن ويطمئن إلى إلهه ومعبوده، فحينئذ يباشر روح الحياة وإذا تعلق القلب بالله عز وجل وطاعته أحبه حبًّا عظيمًا يفوق كل المحبوبات، وإذا انشغل القلب بالله تعالى ومناجاته والتضرع إليه لم يشغله شيء أبدًا عن ذلك
القلب لا بد له من تعلق؛ لأن الله تبارك وتعالى حين خلق القلب جعله مستودعًا للمشاعر؛ من الحب، والبغض، والرحمة، والحسد، والحقد، وغيرها من المشاعر الطيبة أو المشاعر الخبيثة.

فلا بد أن يكون هذا القلب مملوءًا بشيء، إما بخير أو بشر، لا بد أن يتعلق القلب بشيء، ولننظر الآن في أنواع الأشياء التي يمكن أن يتعلق بها القلب، ونطبقها على واقع حياتنا التي نعيشها في هذا العصر
لا بد أن تجمع في قلبك ثلاثة معانٍ:

أولًا: حب الله تعالى، والله سبحانه هو الذي أنعم على العبد بجميع النعم، فهو المستحق للحب استحقاقًا كاملًا.

الأمر الثاني: الخوف من الله؛ لأن الله تعالى قوي شديد العقاب، والمعصية مهما صغرت فأنت لا تنظر إلى صغر المعصية، لكن انظر إلى عِظَم من عصيت، وهو الله تبارك وتعالى، فحري بالعبد أن يخاف الله تعالى.

الثالث: هو الرجاء في الله تعالى، بحيث يجمع الإنسان بين حب الله وخوفه ورجائه.

أساس تعلق قلب الإنسان بربه تبارك وتعالى هو معرفته إياه حق المعرفة، فمعرفة الله عز وجل حق المعرفة تجعل تعلق قلب الإنسان بربه تبارك وتعالى أمرًا يسيرًا وسهلًا، فأساس التعلق بالله عز وجل هو معرفته، وإلا فكيف يتعلق الإنسان بشيء لا يعرف عنه شيئًا أو حتى لا يعرفه جيدًا، يجب على من أراد أن يعلق قلبه بالله عز وجل أن يطلع على قدرة الله عز وجل في الكون، وكيفية خلقه له، ولهذا الكون الذي يحمل الكثير من الأمور والشواهد العظيمة، التي لا يستطيع أحد غير الله عز وجل أن يفعلها، فقدرة الله تبارك وتعالى وعظيم قوته، وتحكمه في الكون؛ تجعل قلب الإنسان المسلم والمؤمن متعلقًا بالله جل في علاه.

فالناظر في قدرة الله عز وجل على إدارة هذا الكون، بكل ما فيه من مجرات وأقمار ونجوم وسموات وأرَضين، والناظر في كيفية قدرة الله عز وجل وعظيم حكمته في صنع الإنسان، وحسن الأداء في خلقه إياه يجعل قلب الإنسان متعلقًا بهذا الخالق القوي العظيم؛ خوفًا ووجلًا منه وحبًا له تبارك وتعالى، وإن من أهم الأشياء التي يجب على الإنسان أن يتعرف عليها حتى يصبح قلبه متعلقًا محبًا لله عز وجل هو معرفته لصفات خالقه وأسمائه، فالله عز وجل يحمل من الأسماء والصفات ما هو كفيل بتعلق قلوب العباد بربهم من خلالهم، إذا هم وقفوا على معاني تلك الأسماء والصفات وتدبروها جيدًا.

فمعرفة الإنسان بأن الله عز وجل خالقه ورازقه، ومعرفته أن الله عز وجل من صفاته الرحمة، وأنه جل في علاه أرحم بالإنسان من الإنسان في نفسه، كفيلة بجعل قلبه معلق بربه عز وجل، وذلك من أجل إرضائه والوقوع في رحماته.

وإن من أهم الأمور أيضًا، والتي تساعد الإنسان على تعلقه بالله عز وجل هو معرفته أن الله عز وجل دائم القرب منه، مجيبًا للدعاء إذا دعاه، وأن الله عز وجل يفرح بدعوته له، وطلبه لأموره منه، وليس كما الناس يغضبون عند سؤالك لحوائجك منهم، وذلك مصداقًا لقوله عز وجل في كتابه الكريم: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186](11).

فمعرفة الإنسان بقرب ربه تبارك وتعالى منه على الدوام يجعل قلبه معلقًا به بشكل مستمر، فالدعاء يساعد الإنسان على تعلقه بربه تبارك تعالى.

ومن الأمور التي تساعد الإنسان على تعلقه بربه تبارك وتعالى أيضًا هي الصلاة؛ وذلك أن الصلاة تشكل اتصالًا بين الإنسان وبين ربه تبارك وتعالى، وتمثل الصلاة هذه الأهمية الكبيرة لما فيها من وقع على النفس، فهي تضع في النفس الطمأنينة والراحة؛ ونتيجة لذلك يبقى الإنسان محافظًا على الصلاة، التي تقربه بالتالي لربه تبارك وتعالى، وتجعل قلبه معلقًا بالله عز وجل بشكل مستمر ومتواصل، وهناك الكثير من الأمور التي تساعد الإنسان على التعلق بالله عز وجل؛ كالتدبر بالقرآن الكريم ونحو ذلك.
إن سلوة الأحزان وزاد أهل الإيمان أمام مشاقّ هذه الحياة هو التعلق بالله،  فالقلوب المؤمنة جعلت التعلق بالله زادًا لها في هذه الحياة. قلوب براها الحب حتى تعلقت *** مذاهبها من كل غرب وشارق
تهيم بحب الله والله ربها *** معلقة بالله دون الخلائق
 وفي سنن ابن ماجه عن سهل بن سعد الساعدي  رضي الله عنه  قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا أنا عملته أحبني الله وأحبني الناس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ازهد في الدنيا يحبَّك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبَّك الناس».
وكل حديث رهَّب فيه النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤال الناس فإنه يربي على التعلق بالله، ومن ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مُزْعَة لحم» رواه البخاري ومسلم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من فتح على نفسه باب مسألة من غير فاقة فتح الله عليه باب فاقة من حيث لا يحتسب» إنَّ التعلُّقَ بالله سبب لكل خير، وهو روح التوحيد وأساس السعادة، وهل بعثت الرسل ونزلت الكتب إلا لذلك؟ والانشغال عن ذلك والغفلة عنه والتعلق بغيره أعظم خذلان وأكبر حرمان،  أسأل الله ان يمنحنا حق التعلق به وان يحقق لنا جميعا الإخلاص والقبول

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.