في زحمة هذا العالم الذي يركض بلا توقف، وسط زيف العلاقات، وضجيج الأيام، وازدحام الشاشات بحكايات مصطنعة تُصنع على مقاسات التسويق، كان لا بد أن نعود إلى النبع... إلى القصص التي لم تُكتب في كتب، ولم تُصوّر في أفلام، ولم تتصدّر نشرات الأخبار، لكنها كُتبت بالدمع، ونُسجت من صبر، وعاشت خلف الجدران، في عيونٍ ملؤها الحنين، وقلوبٍ تخبئ من الحكايات ما يفوق الخيال.
"حكايات من واقع الحياة" ليست مجرد سلسلة مقالات عابرة؛ إنها مرآة صادقة لوجع الإنسان وفرحه، لانكساراته وانتصاراته، لحيرته وحنينه، للحظاتٍ مررنا بها جميعًا، أو ربما كنا أحد أبطالها دون أن نعلم. هي محاولة لالتقاط الجمال وسط الألم، وإحياء الإيمان وسط الخيبة، ورؤية النور في آخر النفق.
في عام 2020، عندما كان العالم كله في حالة خوفٍ وتراجع، قررت أن أتقدم... أن أكتب. أكتب عنهم، عن أولئك الذين لا يملكهم الإعلام، ولا يحتفي بهم أحد، لكنهم يحملون في قلوبهم عالَمًا من الصبر والدهشة. كتبت عشر مقالات، كانت بمثابة نبضات قلب تنبض على الورق، ثم توقفت... لكن الحكايات لم تتوقف. وها أنا أعود اليوم، لا لأكتب فقط، بل لأستكمل ما بدأته، لأمنح تلك الأصوات المنسية حقها في أن تُروى، وتُسمع، وتُخلّد.
في زحام الحياة، وسط صخب الأيام ولهاث الساعات، تمضي أمامنا آلاف الوجوه. نمر بها دون أن نتوقف، دون أن نُمعن النظر أو نُلقي السمع. نتصور أن ما نراه هو كل شيء، بينما خلف تلك الوجوه، تختبئ حكاياتٌ لم تُروَ، وآهات لم تُسمع، ولحظات كانت تستحق أن تُكتب بماء القلب لا بحبر القلم.
في عالمٍ يزداد فيه الضجيج، تصبح الحكايات البسيطة ثورة صامتة، تخرج من بين جدران البيوت، من الشوارع الخلفية، من المستشفيات المزدحمة، من المدارس الصاخبة، من العيون التي تخبئ الألم خلف ابتسامة عابرة… من هناك تحديدًا تنبع سلسلة "حكايات من واقع الحياة".
ليست هذه السلسلة مقالات صحفية بالمعنى التقليدي، وليست خواطر مبعثرة تفيض بالمشاعر فحسب، بل هي مرآة صادقة تعكس الإنسان كما هو… بضعفه وقوته، بآلامه وآماله، بانكساراته وانتصاراته.
هي محاولتي ككاتبة أن أُعيد للكلمات وظيفتها الأولى: أن تكون ملاذًا، عزاءً، ضوءًا صغيرًا في قلب عتمة طويلة.
لقد بدأت "حكايات من واقع الحياة" في عام 2020، حين كانت الجائحة تطرق أبواب العالم، وكان كل منا يبحث عن معنى، عن صوت، عن قصة تحمله بعيدًا عن خواء العزلة. كنت أكتب وأنا أسمع من الناس، أقرأ في العيون، وأغوص في تفاصيلهم التي لا يقولونها.
نُشر من السلسلة عشرة مقالات، لاقت صدى كبيرًا لأنها لم تُولد من خيال، بل من واقعٍ يتنفس بيننا كل لحظة. من حكاياتٍ كتبها الألم مرة، وكتبها الحب مرات، وكتبتها الحياة كل يوم.
واليوم، بعد هذا التوقف الطويل، أعود إلى هذه السلسلة بروحٍ أكثر نضجًا، وبقلب أكثر إصغاءً. أعود إلى الناس، إلى قصصهم التي لم يطلبوا أن تُروى، لكنها أرادت أن تُسمَع. أعود بإيمان لا يتزعزع أن في كل قلب حكاية، وفي كل دمعة درس، وفي كل لحظة إنسانية رسالة تستحق أن تُقال.
الإهداء
إلى أولئك الذين خاضوا معاركهم في صمت،
إلى من لم تُكتب أسماؤهم في الصفحات الأولى، لكنهم كانوا الأبطال الحقيقيين،
إلى كل روح قاومت الانكسار، وكل قلب استعاد نبضه بعد خذلان،
إلى من وجدوا النور في عتمة الحياة…
أهدي هذه السلسلة، لأنها تُكتب منكم… ولكم
لماذا نكتب "حكايات من واقع الحياة"؟
لأن القصص لا تموت. لأنها تعيش بيننا، تُربّت على أكتافنا، توقظ فينا إحساسًا نسيْناه، أو توقظ دمعة نسينا سببها.
"حكايات من واقع الحياة" ليست ترفًا أدبيًا، بل ضرورة إنسانية… وسيلة لفهم أنفسنا، والاعتراف أن فينا هشاشة لا يراها أحد، وأن فينا أيضًا قوة لا يعرفها أحد.
هذه السلسلة لا تجمّل الواقع، لكنها تمنحه صوتًا.
لا تروّج للمثالية، بل تُضيء لحظات الصدق والضعف التي تصنع أعظم التحولات.
في كل مقال، ستجد نفسك:
طفلًا يبحث عن دفء.
فتاةً تتعلم من خيبتها.
رجلًا تغيّرت حياته بكلمة.
أمًّا لا تملك سوى الدعاء.
أو حتى قلبًا ظل صامتًا حتى وجده من يفهمه دون أن يتكلم.
دعوة للقارئ
اقرأ هذه السلسلة بقلبك…
تذكّر أن كل حكاية فيها ربما تكون قصتك التي لم تكتبها بعد،
أو وجعًا مرّ بك ونسيت أنك تجاوزته،
أو رسالة جاءت في وقتها لتقول لك: "أنت لست وحدك".
لسنا بحاجة إلى خيال كبير لنكتب ما يُدهشنا،
فالواقع مليء بما يُبكينا ويُضحكنا ويُربّت على أرواحنا المنهكة.
"حكايات من واقع الحياة" محاولة لالتقاط ما لا يُقال،
لأننا حين نروي ما لا يُروى… نحرّر الآخرين، ونحرّر أنفسنا.
ففي كل حكاية عادية…
كنز دفين من الدروس والمشاعر،
وفي كل بطل صامت… صدى يُلهمنا أن نكمل الطريق.
فربما وجدت نفسك بين السطور،
وربما وجدت فيها ما لم تستطع البوح به.
اقرأ… واسمح لقلبك أن يشعر.
في نهاية كل حكاية، هناك بداية جديدة. فالحياة لا تُروى على شكل نهاية مغلقة، بل هي رواية مفتوحة على الدهشة، على العبرة، وعلى نورٍ ينتظر من يكتشفه. كتبتُ هذه السلسلة بقلبي قبل قلمي، وبدمعي قبل حبري. كنتُ أصغي لكل صوت، وأحتضن كل وجع، وأدوّن كل حكمةٍ سقطت من بين أنقاض تجربة.
"حكايات من واقع الحياة" ليست مجرد تجربة أدبية، بل هي رسالة... إلى من يشعر أنه وحيد في آلامه، أن هناك من مرّ بنفس الطريق. إلى من يرى حياته عادية، أن فيها من البطولات ما لا يُرى. وإلى من فقد الأمل، أن في كل قصةٍ كتبتها شعاع نور، ينبت من قلب العتمة.
فإلى كل قارئ صدّق أن الحياة تستحق أن تُروى، أهدي هذه السلسلة. وإلى كل روحٍ ألهمتني، وباحت لي بحكايتها دون قيد أو قناع، أقول: شكرًا لأنكم علمتموني أن أكتب الحياة كما هي... لا كما يتمنّاها الآخرون.
نعود لنكمل المشوار، فالحكايات ما زالت تنبض، والقلوب ما زالت تتكلم... فقط انتظروني، فالقادم أصدق.
إضافة تعليق جديد