رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الاثنين 21 يوليو 2025 1:04 ص توقيت القاهرة

سلسلة حكايات من واقع الحياة

الحكاية الحادية عشر
الاهتمام الذي غيّر الطريق
بقلم د/ سماح عزازي
في زمنٍ تشوّهت فيه الحكايات، وتلوّنت فيه الوجوه، وتاهت فيه الحقيقة بين زحام التزييف... يبقى للحياة صوتٌ خافت لا يسمعه إلا من عاشها بصدق، من لامست روحه وجعها، واختلطت أنفاسه بتفاصيلها، من بكى بين سطورها وضحك في نهاياتها.
في كل بيت حكاية، وفي كل قلب رواية، وفي كل عين حزن قديم يُخفي وراءه نداءً للبوح.
هنا، لا نُجمّل الوجع، ولا نُزخرف المواقف، بل نمنحها حقّها من الضوء، لنعيد للإنسان صدقه المفقود، ونرسم للحياة وجهها الحقيقي... بمرها وحلوها، بعلوها وسقوطها.
"حكايات من واقع الحياة" ليست مجرد سلسلة مقالات تُقرأ، بل هي مرآة لقلوب تعبِق بالصدق، ووثيقة إنسانية ناعمة التفاصيل، جارحة الأثر، تلتقط نبض الحياة من بين الأيادي المتعبة، وتنقله إلى الورق بشغف كاتبةٍ آمنت أن الكتابة ليست مهنة، بل قدر، وأن الحروف حين تكون صادقة... تداوي.
في زحام الحياة، تمرّ بنا حكايات كثيرة... نسمعها، نشهدها، وربما نكون أحد أبطالها دون أن ندري.
ومن بين سطور تلك الحكايات، نتعلم العِبَر، ونلتقط مفاهيم جديدة، تساعدنا على تغيير رؤيتنا للأفضل، والنظر للحياة من زوايا أكثر نضجًا وعمقًا.
كثيرًا ما تكون قناعاتنا الشخصية وأفكارنا مجرّد اجتهادات، تحتمل الصواب والخطأ...
ولا عيب في مراجعة الذات، بل إن أعظم درجات القوة أن نمتلك شجاعة الاعتراف بالخطأ، وإعادة ضبط المسار.
الضعف الحقيقي هو الاستمرار في طريق ندرك أنه لا يُفضي إلى شيء.
في هذه الحكاية الواقعية، لم تكن صاحبتها ضحية قدر، بل بطلة قرار.
فتاة قوية، ذكية، تمتلك قدرة لافتة على القيادة والتغيير… راجعت نفسها بجرأة، وأعادت النظر في قناعاتها، وعرفت كيف تعيد ترتيب أولوياتها.
كانت خطوبتها – كما اعترفت لاحقًا – أشبه بلعبة. وافقت عليها بلا اقتناع، فقط لترضي أهلها، وتمنح نفسها مساحة لتنفيذ خططها. كانت تخطط أن تنهي هذه الخطوبة لاحقًا وتُعلن أنها لا تجد تفاهمًا بينها وبين الشاب.
رفضت الحديث معه أو التقرب منه، لم تردّ على مكالماته إلا على مضض، رغم أنه كان دائم الحرص على التواصل، يسألها بعد كل امتحان: "عملتي إيه؟"، يطمئن على صحتها، يقلق إذا شعر أن بها شيئًا…
كان يحاول أن يفهمها من نظرة، يجتهد للاقتراب دون إزعاج، يراقب تفاصيلها الصغيرة ليُصبح جزءًا منها.
حين عرف أنها تحب النسكافيه، أهدى لها مجًا يناسب حقيبتها، لتتناول مشروبها في أي وقت.
وعندما علم برغبتها في حضور كورس معين، سعى ليعرف عنه وساعدها بمعلومات شاملة عن أفضل أماكن تقديمه.
سافر خصيصًا ليُحضر لها نسخة من كتابٍ أحبته، بحثت عنه كثيرًا ولم تجده.
مرةً، اتصل بها ووجد نبرة صوتها مختلفة، فعرف أن أمرًا ما يزعجها.
كانت وقتها تجهّز شقة صديقتها وتواجه مشكلة في نقل الأثاث، فما كان منه إلا أن حضر خلال ساعة بصحبة أصدقائه وسياراتهم، ليحول الموقف المتعب إلى يوم احتفال.
ومع مرور الوقت، بدأ قلبها يلتفت…
غيابه ليوم واحد كان كافيًا ليكشف لها حجم تعلّقها به.
أدركت أنها أحبته، لا فقط بسبب أفعاله، بل لأنه استطاع أن يقترب منها دون أن يقتحم، أن يفهمها دون أن يُربكها، أن يشاركها دون أن يفرض نفسه.
قالت:
"أنا عايزة إيه أكتر من كده؟ حد بيستغل كل فرصة عشان يقربلي، بيهتم بكل اللي أنا مهتمة بيه، بيشاركني تفاصيلي، وعارف نبرة صوتي لما بزعل!"
تزوجا.
واليوم، لديهما ولدان، وحياتهما لا تزال مفعمة بذلك الاهتمام النقي.
لا يعود إلى المنزل إلا وفي يده شيء لها… مهما كانت بسيطة، لكنها مغلفة بالإحساس، محمّلة بالحب.
هي كسبت حين راجعت نفسها…
حين قررت أن تُنقذ حياتها من قناعات خاطئة.
وحين فهمت أن الاهتمام الحقيقي لا يُشترى، ولا يُفرض، بل يُمنح من قلب محبّ بإرادته الحرة.
الاهتمام... لا يُطلب
الاهتمام ليس كلمة، بل فعل نابض بالحب،
هو الترجمة العملية لكل المشاعر الصامتة،
والمعنى العميق لكل الاقترابات اللطيفة التي لا تُعلن عن نفسها، لكنها تملأ القلب وتُحيي الروح.
الاهتمام لا يظهر في عدد الرسائل أو المكالمات، بل في تلك اللحظات التي نشعر فيها أن هناك من يرانا، يشعر بنا، ينشغل لأجلنا… حتى من دون أن نتكلم.
أحيانًا، لا يحتاج الإنسان إلا لشخص واحد يهتم به بصدق…
يهتم دون أن يُسأل، يحب دون أن يُرجى، يقدّر دون أن يُنتظر منه.
في حضور هذا الشخص، تصبح الحياة أكثر احتمالًا… تصبح أخف، وأجمل.
الاهتمام الحقيقي هو الذي يمنحنا القدرة على مواصلة الطريق،
هو الذي يصنع الأمان، ويُلهم الثقة، ويعيد ترميمنا من الداخل.
حتى الوردة، لا تنمو إلا حين تجد من يسقيها.
لكنها لا تطلب الماء…
لأن الاهتمام لا يُطلب… الاهتمام يُفرض.
وبينما نغلق هذه السطور الأولى من الرحلة، نُدرك أن الحكايات لا تموت، بل تختبئ في الزوايا، تنتظر من يمنحها الحياة.
فـ"حكايات من واقع الحياة" بدأت في عام 2020 كنافذة للصدق، كتبها القلب قبل القلم، وعادت اليوم لتكمل مسيرتها بعد نشر عشرة مقالات، تستأنف الحفر في ذاكرة الواقع، لتنثر الوجع والفرح، النور والخذلان، الأمل والخذلان… بذات الصدق، بذات الشغف.
هي دعوة للمشاركة في الحياة كما هي، لا كما نريدها أن تكون...
أن نُصغي للحكايات الصغيرة التي قد تغيّر مسار يومنا، أو تفتح في داخلنا بابًا نحو إنسانيتنا المنسيّة.
ابقَ قريبًا… فالقادم ليس مجرد مقال، بل نبضٌ جديد من قلب الحياة ذاته.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
1 + 0 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.