الحمد لله، الحمد لله الذي جعل حبه أشرف المكاسب، وأعظم المواهب، أحمده سبحانه وأشكره على نعمة المطاعم والمشارب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المنزّه عن النقائص والمعايب، خلق الإنسان من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله الداعي إلى الهدى والنور وطهارة النفس من المثالب، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد فأوصيكم ونفسي بتقوى الله فهي سبيل النجاة والفلاح، ذكرت كتب الفقه الإسلامي الكثير عن شروط التكفير، ومنها شرط الإكراه، وقد لخص الموفق الإمام ابن قدامة رحمه الله شرط الإكراه وأطنب كما في كتابه المغني، حيث قال وفي كلامه طول إلا أنه لأهميته وحصره للشروط نذكره بنصه قال "ومن شروط الإكراه ثلاثة أمور في بعض النسخ وشرط الإكراه ثلاثة أمور، أحدها وهو أن يكون من قادر.
أي على تنفيذ ما توعد المرء به وخوّف بشأنه، قادر لسلطان أو تغلب كاللص ونحوه، وثانيها وهو أن يغلب على ظنه نزول الوعيد به إن لم يجبه عَلَى ما طلبه، وفرق بين ظن يتأرجح بين الوقوع وعدمه، وبين آخر اطمأنت النفس إِلَى وقوعه وهو ما يسميه جمهور الفقهاء بغالب الظن، فكيف إذا تيقن المرء وقوعه وفق الأسباب المتاحة والمقايسات المحسوسة، فإن ذلك آكد وهو بالحكم أولى، ثم قال يرحمه الله، والثالث وهو أن يكون مما يتضرر به ضررا كثيرا، كالقتل والضرب الشديد والقيد والحبس الطويل، فأما الشتم والسب فليس بإكراه، رواية واحدة أي عن الإمام أحمد يرحمه الله، وكذلك أخذ المال يسير، فأما الضرب اليسير فإن كان من حق من لا يبالي به فليس بإكراه، وإن كان في بعض ذوي المروءات على وجه يكون إخراقا أي حمقا وما إليه وغضا له وشهرة في حقه فهو كالضرب الكثير في حق غيره، وإن توعد بتعذيب ولده.
فقد قيل ليس بإكراه لأن الضرر لاحق بغيره والأولى أن يكون إكراها لأن ذلك عنده أعظم من أخذ ماله، والوعيد بذلك إكراه فكذلك هذا، فتلك الشروط وإن كانت مذكورة في سياق شروط الإكراه في مسألة الطلاق إلا أن أصلها معتمد في مسألة الردة والتكفير علي ما ذكره الفقهاء، وقد قرره عن الشافعية جماعة ومن أولئك، الإمام الرملي الصغير كما في كتاب نهاية المحتاج، وكذا قرره عن الحنابلة جماعة ومن أولئك الإمام الرحيباني في شرحه على غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى، وبمثله البهوتي في كتاب كشاف القناع، بل هو مشهور عند الأئمة وشرّاح الأحاديث، وقد أتى على ذلك جماعة تعداد لتلك الشروط المذكورة،ومن أولئك الحافظ ابن حجر يرحمه الله كما في كتاب فتح الباري، وأما الشرط الرابع وهو ما يتعلق بالتأويل، فإن المرء إذا كان متأولا في إلقائه قالة كفر أو المجيء بفعل ردة، فإنه يعذر ولا يكفر.
ويدل على الأخذ بشرط عدم كونه متأولا دلالتان، فالدلالة الأولى فالعفو عن الخطأ إذ يدخل فيه التأول عند عامة الفقهاء، وقد تواترت الأدلة الشرعية على العفو عن الخطأ، وأما عن الدلالة الثانية فهي دلالة الوقائع زمن التشريع حيث إن هناك وقائع وقعت زمن التشريع عذر أصحابها بتأولهم، ولم يدخل عليهم وصم التكفير، أو يوقع عليهم، ومن ذلك قصة حاطب ابن أبي بلتعة ورحمه، وأما الدلالة الثالثة وهو ما عليه جماعات من أهل السنة من عدم تكفير المتأول ومن أولئك شيخ الإسلام كما في منهاجه وكذا الموفق في المغني والخطابي في السنن الكبرى، فإذا تبيّن ذلك وأن التأويل لا بد من ثبوته عند إنزال التكفير، أي من تحقق كون المرء متأولا أم لا ؟ فإن للتأول السائغ ضابطا فما كل تأول يعذر صاحبه فالتأويل السائغ له ضوابط وجماعها ضابطان، فالأول هو أن يكون سائغا في لسان العرب أي على ما قرره العرب ومعرفة ذلك يرجع فيها إلى القواعد العربية.
وفي ذلك قواعد متبعة وضوابط معروفة، فلا يصار إِلَى تقعيد جديد، فيبتدع شيء من الضوابط يأتي به الإنسان تسويغا لفلتة لسان أو لرأي وقع في الجنان، ولا ريب أن المعوّل على القواعد، وأما الثاني فهو أن يكون له وجه في العلم، ولقظ أل هنا عهدية، أي العلم المعهود عن العلماء في تقرير مسائل العلم وتقنين مباحثه وإلى ذلك يرجع لا أن المراد أن يحدث الإنسان لرأي أو النص الشرعي مطلقا فهوما محدثة، ثم يبني عليها أنه علم، فيأخذ رأي جهم بن صفوان الأفين، أو يأخذ رأي الجعد بن درهم أو غير ذلك، ثم يقول تلك قالات قيلت ونبني عليها صحائح المسائل، وقد قرر ذلك جماعات ومن أولئك الحافظ ابن حجر كما في كتاب الفتح والإمام الأصفهاني كما في كتاب الحجة في بيان المحجة.
إضافة تعليق جديد